تمر ذكرى انطلاقة حركة فتح فيما يواصل جيش الاحتلال الصهيوني حربه المسعورة ضد شعبنا في غزة، وفيما قناعة الناس، بأن مسؤوليات حركة فتح تتعاظم مع الوقت، لأن عليها أن تكون كما دائماً أمام ثقة الجمهور بها وتوقعهم منها.
ستون عاماً وفتح التنظيم الأول على الساحة الفلسطينية وربما هي التنظيم السياسي الوحيد الذي حافظ على قيادته لدولة عربية طوال تلك المدة دون تراجع. فقد انتهى البعض وفشل البعض الآخر وتراجع البعض الثالث وظلت فتح تعبر عن خطاب التحرر لشعبها.
وكما يطيب للفتحاويين أن يقولوا فإن فتح فيها شيء لله بالعبارة الشعبية، إنها دماء شهدائها الزكية التي روت تراب فلسطين وكل تراب معركة خاضها شعبنا. إن فتح فيها شيء لله لأنها التنظيم الوحيد الذي يقيس الأشياء من منظور فلسطيني بحت.
يمكن لك أن تكون متدينا أو اشتراكيا أو أي شيء لكن خذ من فتح وطنيتها وامضِ وواصل نضالك من أجل تحرير البلاد.
لذلك ليس عجباً أن فتح التنظيم الوحيد على الساحة الفلسطينية الذي يضم كلمة «وطن» في اسمه فهي حركة التحرير الوطني وليس الإسلامي وليس الاشتراكي وليس القومي ولا الشعبي، فهي تعرف أن طريق الحرية الذي يقود للوطن لا يمر إلا من خلال هذا الوطن.
لذلك ظلت فتح تنظيم الفلسطينيين الأول. حتى حين تخسر فتح الانتخابات فهي لم تخسر الجماهير، حيث إن نسبتها في الصناديق كانت توازي قوة حماس في الانتخابات النسبية، وفتح أدركت أن الجماهير تعاقبها بعدم التصويت لأنها تريد لفتح أفضل من هذا ولأنها تتوقع من فتح أكثر من ذلك.
لذلك خسرت فتح الانتخابات ولم تخسر الجماهير وربما ذكرى ياسر عرفات الأولى بعد أحداث غزة عام 2007 خير دليل على ذلك، حيث خرج الناس بمئات الآلاف يهتفون لتنظيم الجماهير الذي يريدون له أن يواصل قيادتهم رغم خسارة فتح الموقع، أي قطاع غزة.
أيضاً في ذكرى انطلاقة فتح الأولى في يناير 2013، خرج أكثر من ثلاثة أرباع قطاع غزة للاحتفال بذكرى فتح في الكتيبة، وكنت وقتها مسؤول العلاقات الوطنية للحركة في القطاع وأتذكر الحوارات التي دارت بيني وبين الشهيد إسماعيل هنية في بيته بحضور ممثلي الفصائل.
لم يتوقع أحد أن يخرج الناس بهذه الآلاف من أجل فتح. ليلتها سألني إسماعيل هنية لماذا لا نقبل أن نقيم حفل الانطلاقة في قاعة مغلقة، أو في ملعب اليرموك لكرة القدم.
قلت ببساطة لأن حجم فتح أكبر من أي مكان في البلاد. وبعد تنظيم الفعالية التي أشرف عليها مفوض التعبئة في ذلك الوقت الدكتور نبيل شعث أتذكر مسؤولاً مصرياً سألني في القاهرة إذا ما كنت أعرف لماذا خرجت كل هذه الآلاف في انطلاقة فتح.
ولم يكن ينتظر جوابي إذ واصل القول لأن الناس تؤمن وتثق بفتح. ووقتها سألني الآتي: ولكن هل تستطيع فتح أن تكون على قدر توقعات الناس منها؟ خضنا في نقاش طويل معه وقتها أنا وإخوتي في قيادة الحركة وقلنا أشياء كثيرة لكنني أعرف في داخل نفسي أن ثمة إجابات أكبر لا يمكن أن تكون على قدر السؤال حيث يظل هذا السؤال قائماً دائماً.
تمر ذكرى فتح الستون وشعبنا في غزة يذبح ويقتل وفتح غير قادرة على أخذ زمام المبادرة لحماية شعبنا.
وطالما فتح لا تقدم خطاباً مختلفاً ومشتبكاً مع هذا الفهم فإنها تخون الجماهير التي تثق بها، وتريدها أن تقود مستقبلهم. يجب على فتح أن تمتلك الجرأة لتقود مرحلة جدية من العمل الوطني والنضالي.
وحدها فتح من يستطيع أن يفعل ذلك.
لماذا نقول إن المسؤولية تقع على فتح وحدها؟ ببساطة لأن فتح وحدها القادرة على ذلك ولأن شعبنا يتوقع من فتح وحدها ذلك، والأهم ربما لأن هذا هو جوهر ومهمة عمل التنظيم الطليعي وتنظيم الجماهير الذي تمثله فتح.
على فتح أن تتحرك من أجل أن تنقذ شعبنا وتقدم حلولاً عملية لأزماته أما أن تجلس وتفكر وتصدر عنها مواقف لا تحمل جملاً سياسية ووطنية صلبة فهذا أمر لا يفيد فتح.
فتح وهي تدخل عامها الحادي والستين عليها أن تفكر ملياً إذا ما كانت تريد فعلاً أن تظل تنظيم الجماهير والمعبرة عنه، وإذا كانت تريد ذلك فعليها أن تصوغ خطاباً إعلامياً حقيقياً يعبر عنه من يقدر على ذلك، وأظن أن المنظومة الإعلامية برمتها بحاجة إلى مراجعة وتصويب.
أول مهمة في العام الجديد يجب أن تكون حماية شعبنا من حرب الإبادة في غزة. وعلى فتح أن تقدم التصورات حول كيف يمكن أن يتم ذلك.
أعتقد أن منطق فتح هو الذي يلقى آذانا ووقعا عند الناس وليس خطابات البلاغة المفرغة والمقعرة التي يقولها الآخرون.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك