بينما تسيطر حالة عدم اليقين على الاقتصاد العالمي؛ بسبب العوامل الجيوسياسية، وسياسات ترامب، المرتقبة بشأن الحرب التجارية مع الصين، وأحد جوانبها فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات الولايات المتحدة منها، وفيما تمضي دول مجلس التعاون الخليجي في تنفيذ رؤاها الاقتصادية المستقبلية، فإن العوامل الأكثر تأثيرًا في مشهد اقتصاداتها في 2025 هي حجم إنتاجها من النفط المتوجه إلى الأسواق، وأسعاره، والمستوى الذي وصلت إليه الإيرادات من القطاعات غير النفطية، ويبدو أن هذه العوامل متداخلة مع حالة الاقتصاد العالمي الخاضعة لعدم اليقين، وتشير التوقعات إلى أنه سينمو في 2025 بمعدلات تتراوح بين 2.2% و3.4%.
وكان ترامب، أثناء حملته الانتخابية قد هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية بين 10 – 20% على الواردات من جميع البلدان الأخرى، كما هدد مجموعة بريكس، بفرض تعريفات جمركية تبلغ 100% إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة، ومن شأن هذه التهديدات أن تؤثر على الصادرات الخليجية غير النفطية إلى السوق الأمريكي، كصادرات الألومنيوم والبتروكيماويات، كما أنها تعود فتؤثر على الاقتصاد الخليجي بوجه عام، إذا ما تسببت هذه الإجراءات في إبطاء النمو الاقتصادي العالمي مهددة بأزمة ركود، تماثل أزمة ثلاثينيات القرن الماضي. وقدر صندوق النقد الدولي تأثير هذه الإجراءات على الاقتصاد العالمي، بانخفاض نموه 1%، وكل هذه العوامل تزيد من درجة عدم اليقين التي تهيمن على الاقتصاد العالمي بوجه عام.
ويبدو أن الإنتاج المتوقع من النفط الخليجي يأتي في 2025 متأثرًا بحالة عدم اليقين التي أفرزت تقديرات متناقضة فيما يتعلق بتحديات الطلب على النفط وحالة المعروض منه في الأسواق، فمن جانب يذهب بعضها إلى تقدير أن الطلب على النفط يشهد تراجعًا، وقدر وجود فائض في الأسواق؛ مما ينعكس بدوره على الأسعار المرتقبة، فتتوقع صحيفة وول ستريت جورنال، متوسط لأسعار خام برنت 71.57 دولارا للبرميل في 2025، وغرب تكساس 67.44 دولارا للبرميل، وهي توقعات أقل مما كانت قد تنبأت به في نوفمبر عام 2024، ونفس هذه الأسعار التي توقعتها اقتربت منها بنوك كبرى، مثل جولدمان ساكس، وجي بي مورجان، ومورجان استانلي، حيث أشارت إلى مزيد من الانخفاض في اتجاه نهاية العام، ويرجع السبب الأساسي في ضعف الطلب إلى إشكاليات الاقتصاد الصيني -أكبر مستورد للنفط- والتي تعكس ضعف مساهمة الصين في نمو الطلب العام الحالي إلى 20% بدلاً من 50%، ومن أبرز هذه الإشكاليات أزمة القطاع العقاري الصيني، وزيادة انتشار السيارات الكهربائية.
وأدت المخاوف بشأن الطلب والأسعار بأوبك بلس، في شهر ديسمبر 2024، إلى تمديد تخفيضات الإنتاج النفطي الطوعية إلى أبريل 2025. وقدرت وكالة الطاقة الدولية، فائض السوق بـ950 ألف برميل يوميًا في 2025، ومن العوامل الأخرى التي أثرت في ضعف الطلب قوة الدولار الأمريكي، التي تجعل المشترين بعملات أخرى يتحملون أعباء أكبر عند شراء النفط وغيره من السلع، ولا شك أن فرض تعريفات جمركية عالية، سيضعف كثيرا من القطاعات المنتجة للسلع الواقع عليها هذه التعريفات، ومن ثمّ طلبها على النفط.
وما أشارت إليه وكالة الطاقة الدولية، بشأن فائض السوق عززته تقديرات جي بي مورجان بواقع 1.2 مليون برميل يوميًا، والتي أشارت إلى توقع زيادة الإنتاج من دول خارج مجموعة أوبك بلس بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا (البرازيل – جيانا – السنغال – النرويج). وفي عام 2024، لعبت مجموعة أوبك، دورًا كبيرًا في استقرار سوق النفط والمحافظة على استدامة إمداداته برغم ارتفاع المخاطر، ولعب فائض إنتاجها المقدر بـ5.4 ملايين برميل يوميًا دورًا كبيرًا في هذا الاستقرار، الذي يشار إليه أنه الأفضل في ربع القرن الأخير، وتراوحت أسعار خام برنت في هذا العام بين 74 – 90 دولارا للبرميل.
لكن قرار أوبك بلس في ديسمبر 2024، باستمرار تخفيضات الإنتاج الطوعية إلى أبريل، وغير الطوعية إلى سبتمبر 2025، جعل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تعيد حساباتها، وتتوقع أن يتجاوز استهلاك النفط العالمي الإنتاج بواقع 100 ألف برميل يوميًا في 2025، بدلاً مما كانت توقعته كفائض بمقدار 300 ألف برميل يوميًا، وإلى هذا رفعت وكالة الطاقة الدولية، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2025 إلى 1.1 مليون برميل يوميًا، بدلاً من 990 ألف برميل يوميًا، ودفع إلى هذا التعديل نمو طلب الأسواق الآسيوية.
ووفق هذه التقديرات الجديدة يبلغ إجمالي الطلب العالمي على النفط 105.3 ملايين برميل يوميًا في 2025، بينما كان قد بلغ 103.8 ملايين برميل يوميًا في 2024. وفي مستهل العام الجديد بلغت أسعار خام برنت 75.22 دولارا للبرميل، وغرب تكساس 72.29 دولارا للبرميل. وتأتي هذه الأرقام بينما تتزايد خطى التحفيز الاقتصادي الصيني، واتخاذ الصين خطوات استباقية لتعزيز النمو في 2025، كما يتأثر هذا الاتجاه الصعودي بسياسات ترامب المرتقبة تجاه خفض سعر الفائدة، ما يحفز النمو الاقتصادي، ويزيد بدوره الطلب على النفط.
وفيما يمثل الإنتاج الخليجي من النفط الخام والغاز الطبيعي ركيزة أساسية في أمان الطاقة العالمي، وحركة الأسواق، والاقتصاد الخليجي، باحتياطي من الغاز 44.1 تريليون متر مكعب (20% من الاحتياطي العالمي، وأكثر من 10% من الإنتاج العالمي المسوق)، ونحو 17% من الإنتاج العالمي والصادرات العالمية من النفط، وتأتي المنظومة الخليجية الأولى عالميًا في احتياطي النفط الخام والغاز الطبيعي، وفي إنتاج النفط الخام وصادراته، والثانية عالميًا في فائض الميزان التجاري، والخامسة عالميًا في إجمالي الصادرات؛ فإن التقديرات المتعلقة بالنفط والغاز، تدفع معدلات النمو في اقتصاداتها إلى مستويات أكثر ارتفاعًا، وتنعكس على نمو القطاعات غير النفطية.
وإلى هذا توقع البنك الدولي تحقيق الاقتصاد الخليجي نموًا بنسبة 4.2% في 2025، فيما توقع نموًا اقتصاديًا للسعودية 4.7%، والإمارات 4.1%، ومثلها قطر، و3% لسلطنة عُمان، و2.6% للكويت، و3.3% للبحرين، ويعزز هذا التقدير اكتمال تطوير حقول الغاز الجديدة، وتسارع وتيرة التعافي الاقتصادي في القطاعات المرتبطة بالنقل والسياحة ومشروعات البنية التحتية.
وكانت نتائج النمو في القطاعات غير النفطية في 2024 مشجعة، ويعزز هذا ما تسعى إليه دول الخليج للاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي في 2025، مستثمرة ما لديها من مزايا رئيسية كوفرة رأس المال الاستثماري، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ذات المستوى العالمي، والعلاقات القوية مع شركات التكنولوجيا الكبرى، والحرص على تبني التقنيات الجديدة، ويعزز نمو إيرادات القطاعات غير النفطية من الاستقرار المالي، كما أن تكفلها بتغطية نفقات الميزانيات العامة بنسبة 100% يضع مجلس التعاون الخليجي في حالة الاستدامة المالية.
وإلى هذا رفعت تقديرات اكسفورد إيكونمكس، تقديرات نمو الاقتصاد الخليجي إلى 4.4% في 2025، فيما أصبحت السياحة والتجارة والتمويل محركات نمو حاسمة في جهود التنويع الاقتصادي في دول الخليج، وأصبح الاقتصاد الخليجي يكتسب مرونة كبيرة في التعامل مع تذبذبات أسعار النفط؛ بسبب النمو الذي أحرزه في القطاعات غير النفطية، التي حققت معدل نمو 3.7% في 2024. ويظل التحدي الرئيسي القائم له هو انخفاض نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة في كثير من الأحيان عن 100 متر مكعب سنويا، ما يفرض الاعتماد الكبير على المياه الجوفية غير المتجددة، وتحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وسجلت الإيرادات غير النفطية في السعودية أعلى معدلاتها منذ 2020 في الربع الثاني لعام 2024، لتبلغ 140.6 مليار ريال، فيما توقعت مؤسسة موديز، نمو القطاع غير النفطي من 5 – 5.5% في 2025، فيما حقق هذا القطاع نموًا بنسبة 20% منذ انطلاق رؤية السعودية 2030، وزادت استثمارات القطاع الخاص فيه بنسبة 70%، ليصبح نصيب القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي السعودي 53%، ويرتفع نصيب هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي البحريني إلى أكثر من 85%، وفي الإمارات 74% وفي سلطنة عُمان 72.2%، وفي الكويت 57%، وفي قطر 63%.
ويعزز نمو القطاعات غير النفطية في دول الخليج، فضلاً عن الإصلاحات الاقتصادية، والإنفاق الرأسمالي الكبير، ميزانيات دول الخليج، وهو ما يجعل سعر النفط في 2025 مناسبًا لهذه الميزانيات. ووفق تقديرات وكالة التصنيف الائتماني فيتش، إذا كان سعر النفط يدور حول 70 دولارا للبرميل، وإذا ما تم انتعاش الطلب على النفط بزوال الأسباب التي أثرت على هذا الطلب، وعودة الإنتاج إلى مستوياته الطبيعية؛ فإن هذا السعر المتوقع يفوق سعر التعادل لنصف دول الخليج. وكان صندوق النقد الدولي، قد قدر هذا السعر في أكتوبر الماضي بـ 90.9 دولارا للبرميل للسعودية، و50 دولارا للإمارات، و81.8 دولارا للكويت، و57.3 دولارا لسلطنة عُمان، و44.7 دولارا لقطر.
ويشير المركز الإحصائي الخليجي، إلى توقع معدلات تضخم 2.1% في 2025 متوسط دول الخليج، علمًا بأن معظم المخاطر المرتبطة بتوقعات التضخم تأتي من خارج دول مجلس التعاون بشكل رئيسي، فضلاً عن زيادة معدلات الاستهلاك والإنفاق العام في هذه الدول، نتيجة زيادة معدلات التوظيف، وارتفاع الأجور، وتحسن دخول الأسر المعيشية. ويرتبط بهذه المعدلات توقعات أسعار الغذاء، وانتظام سلاسل الإمداد والتوريد، وتأثر تنافسية أسعار السلع في الأسواق الدولية نتيجة سياسات الحرب التجارية. وفيما يتأثر انتظام سلاسل الإمدادات بالمخاطر الجيوسياسية؛ فإن السياسات الحمائية التي ترفع من التعريفة الجمركية تزيد من أسعار السلع، فيما تتجه دول الخليج إلى التوسع في برامج الحماية الاجتماعية للسيطرة على هذا التضخم المستورد.
على العموم، أدى تنفيذ خطط الرؤى الاقتصادية المستقبلية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية، باستثمار عائد ثروتها النفطية في تنمية القطاعات غير النفطية؛ ما وضع نموها الاقتصادي على طريق الاستدامة، وجنبها أثر تذبذبات أسعار النفط وحرر ميزانيتها العامة من الاعتماد المفرط على إيراداته، فيما تظل ثروة دول الخليج النفطية إلى اليوم عاملاً حاسمًا، ليس له بديل في أمن الطاقة العالمي، ومن ثمّ، تمويل مشروعاتها التنموية الكبيرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك