العدد : ١٧٠٩٧ - الاثنين ١٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٧ - الاثنين ١٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن تنشيط العقل

لأنني‭ ‬أجيد‭ ‬اللغات‭ ‬النوبية‭ ‬والعربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬بدرجة‭ ‬معقولة،‭ ‬فإنني‭ ‬أحسب‭ ‬نفسي،‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬خبرتي‭ ‬كمعلم‭ ‬لغة‭ ‬انجليزية،‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬أي‭ ‬طالب‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬تواجهه‭ ‬في‭ ‬تعلُّم‭ ‬لغة‭ ‬ما،‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الصعوبات‭ ‬لو‭ ‬فعل‭ ‬أمورا‭ ‬معينة‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬تذكير‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬وطالما‭ ‬هناك‭ ‬ملايين‭ ‬يتخاطبون‭ ‬بتلك‭ ‬اللغة،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬الإلمام‭ ‬بها‭ ‬ميسور‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬فالدماغ‭ ‬مثل‭ ‬الجسم‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الرياضة‭ ‬كي‭ ‬يبقى‭ ‬نشيطاً‭ ‬وممتلئاً‭ ‬حيوية،‭ ‬وقد‭ ‬اعترفت‭ ‬مرارا‭ ‬بأنني‭ ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬لدرجة‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬أنادي‭ ‬زوجتي‭ ‬‮«‬يا‭ ‬حبيبتي‮»‬،‭ ‬لمداراة‭ ‬حقيقة‭ ‬أنني‭ ‬أنسى‭ ‬اسمها‭ ‬أحياناً‭. ‬وسأحدثكم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬ملأتني‭ ‬حماساً‭ ‬لممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬الذهنية‭. ‬اسمها‭ ‬جوديث‭ ‬ماقيل،‭ ‬وهي‭ ‬فوق‭ ‬الستين‭ ‬وتدرُس‭ ‬اللغة‭ ‬اليونانية،‭ ‬واختارتها‭ ‬لأنك‭ - ‬مثلاً‭- ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬الكلب‭ ‬الكبير‮»‬‭ ‬باليونانية،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬15‭ ‬طريقة‭ ‬لاستخدام‭ ‬‮«‬ال‮»‬‭ ‬التعريف،‭ ‬و11‭ ‬طريقة‭ ‬لتقول‭ ‬‮«‬كبير‮»‬‭ ‬و3‭ ‬طرق‭ ‬مختلفة‭ ‬لتقول‭ ‬‮«‬كلب‮»‬‭. ‬يعني‭ ‬اختارت‭ ‬دراسة‭ ‬اليونانية‭ ‬لأنها‭ ‬صعبة‭ ‬ودراسة‭ ‬قواعد‭ ‬النحو‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬‮«‬تشكل‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬وأعجب‭ ‬كيف‭ ‬سمحوا‭ ‬لليونان‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬جوديث‭. ‬المهم‭ ‬أنها‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬مدخلاً‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬مختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬لتنشيط‭ ‬عقلها،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬أجهدت‭ ‬مخها‭ ‬وفكرت‭ ‬ودرست،‭ ‬كسبت‭ ‬ذاكرتها‭ ‬سعة‭ ‬إضافية‭. ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬تجربتها‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬مجاراتها‭ -‬ليس‭ ‬بدراسة‭ ‬لغة‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬بمحاولة‭ ‬فهم‭ ‬أفكار‭ ‬ونظريات‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لا‭ ‬أتوقف‭ ‬عندها‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬راحة‭ ‬البال‮»‬‭. ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ (‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬مصر‭) ‬تهمل‭ ‬أمر‭ ‬الكلمات‭ ‬المتقاطعة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المسابقات‭ ‬الذهنية،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نشرها‭ ‬تجدها‭ ‬‮«‬طفولية‮»‬‭ ‬تستطيع‭ ‬حلها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬قلم‭.‬

ويسعدني‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬يحسبونني‭ ‬راجح‭ ‬العقل‭ ‬ويستشيرونني‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأمور،‭ ‬وقد‭ ‬تلقيت‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬فتاة‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬أجنبية،‭ ‬ولكنها‭ ‬فوجئت‭ ‬بأن‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭ ‬المتاح‭ ‬أمامها‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭ (‬الماندرين‭).. ‬قلت‭ ‬لها‭: ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله‭ ‬فأنت‭ ‬محظوظة‭ ‬لأن‭ ‬الصين‭ ‬ستكون‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬لغتها‭ ‬سـ‮«‬يتدلل‮»‬‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الوظائف‭. ‬كتبت‭ ‬لي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭: ‬يقولون‭ ‬إنها‭ ‬أصعب‭ ‬لغة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وعدد‭ ‬حروفها‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ1500‭!! ‬قلت‭ ‬لها‭: ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬يتكلمون‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭ ‬منذ‭ ‬عمر‭ ‬السنتين‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمنعك‭ ‬من‭ ‬تعلمها؟

وبالمناسبة‭ ‬فقد‭ ‬صدرت‭ ‬مؤخراً‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬جامعة‭ ‬تورنتو‭ ‬في‭ ‬كندا،‭ ‬أثبتت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬قاطع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتكلمون‭ ‬لغتين‭ ‬أكثر‭ ‬سرعة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الاستجابة‮»‬‭ ‬كلاماً‭ ‬وأفعالاً‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتكلمون‭ ‬لغة‭ ‬واحدة،‭ ‬وأنهم‭ ‬أيضاً‭ ‬يحتفظون‭ ‬باليقظة‭ ‬الذهنية‭ ‬حتى‭ ‬سن‭ ‬متأخرة‭! ‬يا‭ ‬للسعادة،‭ ‬فأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬لغتين‭ ‬أجنبيتين‭: ‬الإنجليزية،‭ ‬و‭..... ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تعلمتها‭ ‬بعد‭ ‬عنت‭ ‬ومشقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬العاشرة،‭ ‬لأنني‭ ‬ولدت‭ ‬نوبياً‭ ‬أعجميا‭. ‬وصرت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬أقرأ‭ ‬إلا‭ ‬الكتب‭ ‬‮«‬الصعبة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬نظريات‭ ‬وفلسفات‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لتبسيطها،‭ ‬وصرت‭ ‬كلما‭ ‬أحسست‭ ‬بالخمول‭ ‬والكسل‭ ‬أمارس‭ ‬لعبة‭ ‬السودوكو،‭ ‬التي‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬مربع‭ ‬كبير‭ ‬به‭ ‬تسعة‭ ‬مربعات‭ ‬صغيرة‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تملأ‭ ‬كل‭ ‬مربع‭ ‬بالأرقام‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬إلى‭ ‬9‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬أي‭ ‬رقم‭ ‬داخل‭ ‬المربع‭ ‬الواحد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬المستقيم‭ ‬الأفقي‭ ‬أو‭ ‬الرأسي‭ ‬في‭ ‬المربع‭ ‬الكبير،‭ ‬وقد‭ ‬خلصتني‭ ‬السودوكو‭ ‬من‭ ‬العقدة‭ ‬المزمنة‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬عانيت‭ ‬منها‭ ‬بسبب‭ ‬بؤس‭ ‬تحصيلي‭ ‬وحصيلتي‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬الرياضياتً،‭ ‬ولو‭ ‬مارست‭ ‬تلك‭ ‬اللعبة‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الصحيح،‭ ‬فستجد‭ ‬نفسك‭ ‬شديد‭ ‬التركيز‭.. ‬تنظر‭ ‬يمينا‭ ‬وشمالا‭ ‬وفوق‭ ‬وتحت،‭ ‬وبعد‭ ‬الدقائق‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬توزع‭ ‬فيها‭ ‬الأرقام‭ ‬السهلة‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تركيزا‭ ‬ثم‭ ‬تصبح‭ ‬مفاتيح‭ ‬الحل‭ ‬كلها‭ ‬سهلة‭ ‬المنال،‭ ‬بدرجة‭ ‬أنك‭ ‬ستصيح‭ ‬‮«‬وجدتها‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬ارخميدس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬سباحة‭ ‬وانتبه‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ ‬الطفو‭. ‬بس‭ ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬‮«‬عملة‮»‬‭ ‬ارخميدس‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الحمام‭ ‬عاريا‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬يوريكا‭.. ‬وجدتها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا