العدد : ١٧٠٩٧ - الاثنين ١٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٧ - الاثنين ١٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

للأمية أكثر من وجه

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬أسمع‭ ‬السؤال‭: ‬بمن‭ ‬تأثرت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة‭ ‬الساخرة،‭ ‬فيكون‭ ‬ردي‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأدب‭ ‬الساخر‭ ‬عند‭ ‬البريطانيين‭ ‬والأمريكان،‭ ‬حينا‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فارس‭ ‬الأدب‭ ‬الساخر‭ ‬هو‭ ‬الشاعر‭ ‬المصري‭ ‬الشعبي‭ ‬الراحل‭ ‬احمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجم،‭ ‬وأنني‭ ‬حفظت‭ ‬جميع‭ ‬قصائد‭ ‬ديوانه‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬يعيش‭ ‬أهل‭ ‬بلدي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬إعجابي‭ ‬بقدراته‭ ‬الفذة‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬أخطر‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬قالب‭ ‬شعري‭ ‬ساخر‭ ‬و«لذيذ‮»‬،‭ ‬وفيما‭ ‬يخص‭ ‬مقالي‭ ‬اليوم‭ ‬استحضر‭ ‬قول‭ ‬نجم‭: ‬قال‭ ‬لك‭ ‬ثم‭ ‬الجهل‭ ‬مصيبة‭/ ‬مولّف‭ ‬ويا‭ ‬العيا‭ ‬تركيبة‭/ ‬تشرب‭ ‬منها‭ ‬تعطش‭ ‬تاني‭/ ‬تشرب‭ ‬تعطش‭ ‬خمسة‭ ‬في‭ ‬ستة‭ ‬ميِّة‭ ‬نار‭ ‬لو‭ ‬طالت‭ ‬جِتّة‭ ‬لازم‭ ‬تلحس‭ ‬أتخن‭ ‬حِتّة‭/ ‬يعني‭ ‬العقل‭ ‬يا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬مقاطعات‭ ‬إنجلترا‭ ‬أفاد‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬شمل‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الثامنة‭ ‬والثانية‭ ‬عشرة،‭ ‬أن‭ ‬6‭% ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬يصنع‭ ‬منها‭ ‬البيرغر‭ (‬اللحم‭) ‬مصدرها‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وقال‭ ‬بعضهم‭ ‬ان‭ ‬الأبقار‭ ‬تبيض،‭ ‬وعندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬لندن‭ ‬للدراسة،‭ ‬وعشت‭ ‬أياما‭ ‬عديدة‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أتفادى‭ ‬تناول‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬خشية‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مصدره‭ ‬الخنزير‭.. ‬خذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬‮«‬أكلة‭ ‬اللحوم‮»‬‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬إفريقي،‭ (‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لسوء‭ ‬الظن‭ ‬المتوارث‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الأفارقة‭ ‬أكلة‭ ‬لحوم‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬اللحوم‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬المائدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬العربية‭).. ‬عشت‭ ‬على‭ ‬البيض‭ ‬والكورن‭ ‬فليكس‭ ‬لنحو‭ ‬3‭ ‬أسابيع‭.. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أتعاطى‭ ‬فيها‭ ‬الكورن‭ ‬فليكس‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬تعاطيه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬قفزة‭ ‬حضارية‭. ‬ولكن‭ ‬زميلا‭ ‬لي‭ ‬‮«‬خبيثا‮»‬‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬خنازير‭ ‬بريطانيا‭ ‬تبيض،‭ ‬فصدقت‭ ‬كلامه‭ ‬وقاطعت‭ ‬البيض‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬كان‭ ‬ضعف‭ ‬حجم‭ ‬البيض‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متداولا‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السودانية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬الكورن‭ ‬فليكس‭ ‬إفطاري‭ ‬وغدائي‭ ‬وعشائي‭.. ‬ثم‭ ‬فُرجت‭ ‬واكتشفت‭ ‬دجاج‭ ‬كنتاكي‭ ‬فكانت‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬قضمة‭.. ‬ولاحقا‭ ‬وجدت‭ ‬الفول‭ ‬الجاف‭ ‬معروضا‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬لبيع‭ ‬علف‭ ‬الخيل‭ ‬واشتريت‭ ‬منه‭ ‬كميات‭ ‬تجارية‭ ‬واسترددت‭ ‬لياقتي‭ ‬البدنية‭ ‬وعافيتي،‭ ‬فالسوداني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يأكل‭ ‬الفول‭ ‬شهرا‭ ‬كاملا‭ ‬يصاب‭ ‬بالأرق‭ ‬والباسور‭ ‬والناسور‭ ‬والشلل‭ ‬الرعاش‭ ‬والتهاب‭ ‬المسالك‭ ‬البولية‭.‬

يعتقد‭ ‬جيل‭ ‬العواجيز‭ ‬أن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر‭ ‬جاهل‭ ‬وسطحي،‭ ‬لأن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يحسب‭ ‬ان‭ ‬الخديوي‭ ‬اسماعيل‭ ‬هو‭ ‬شيخ‭ ‬الطريقة‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬وأن‭ ‬نلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬مطرب‭ ‬أمريكي‭ ‬يدمن‭ ‬المخدرات،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬فور‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬قصر‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الفرات‭ ‬بناه‭ ‬ابو‭ ‬جعفر‭ ‬المنصور‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬بعدة‭ ‬أشهر،‭ ‬واسمه‭ ‬الأصلي‭ ‬دار‭ ‬الفرات‭ ‬ولكن‭ ‬الأمريكان‭ ‬جعلوه‭ ‬دارفور‭ ‬جريا‭ ‬وراء‭ ‬عادتهم‭ ‬في‭ ‬العبث‭ ‬بالناس‭ ‬والأسماء‭ ‬والأرواح‭ ‬والأمكنة‭.. ‬نعم‭ ‬جيلنا‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬نهرو‭ ‬وتيتو‭ ‬وأن‭ ‬بنغلاديش‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬أوائل‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬تسمى‭ ‬باكستان‭ ‬الشرقية‭.. ‬سو‭ ‬وات؟‭ ‬نصف‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلنا‭ ‬يصيحون‭: ‬يا‭ ‬ولد‭/‬يا‭ ‬بنت‭.. ‬تعالوا‭ ‬شوف‭ ‬موبايلي‭ ‬ليش‭ ‬يصيح‭.. ‬يا‭ ‬حمودي‭ ‬شوف‭ ‬قناة‭ ‬إم‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬وين‭ ‬راحت‭.. ‬فطومة‭ ‬شوفي‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬ليش‭ ‬ما‭ ‬يشتغل‭ (‬الكهرباء‭ ‬غير‭ ‬موصلة‭ ‬يا‭ ‬بابا‭).. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬مقاييس‭ ‬المعرفة‭ ‬تغيرت،‭ ‬والأمي‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وفي‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬عبيط‭ ‬الحي‮»‬‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬نوكيا‭ ‬وغالاكسي‭ ‬والآيفون‭ ‬ومايكروسوفت‭.. ‬طبعا‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬الجيل‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التحصيل‭ ‬الأكاديمي‭ ‬ولا‭ ‬يجيد‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬كجيل‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬ولكن‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬السطحية‭ ‬الركيكة‭ ‬وتولى‭ ‬توصيلها‭ ‬وتدريسها‭ ‬و«توريثها‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإن‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬معلومة‭ ‬قام‭ ‬وقعد‭ ‬وفتح‭ ‬كذا‭ ‬كتاب‭ ‬ليعثر‭ ‬على‭ ‬المعلومة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬خلال‭ ‬ثوان‭ ‬بعد‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬الآنسة‭ ‬غوغل‭ ‬والسيد‭ ‬ويكيبيديا،‭ ‬ولعل‭ ‬سهولة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬شباب‭ ‬اليوم‭ ‬عازفا‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا