العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

فلسطين في ميزان السياسات الصينية والأمريكية

بقلم: د. رمزي بارود

السبت ١٧ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

جاءت التصريحات التي أدلى بها سفير الصين لدى منظمة الأمم المتحدة، جانج شوانغ، بشأن الوضع في فلسطين المحتلة في يوم 24 مايو 2023 منسجمة تماما مع القانون الدولي، وذلك مقارنة بموقف الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت دائما تعتبر أن منظمة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، ساحة معركة للدفاع عن المصالح الإسرائيلية، لذلك يعكس الخطاب السياسي الصيني موقفًا قانونيًا يقوم على فهم عميق للواقع على الأرض. لقد عبر السفير بكل وضوح عن طبيعة الموقف الصيني من خلال «إحاطة مجلس الأمن الدولي بالوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين». تحدث السفير الصيني عن ضرورة العمل على إيجاد «حل شامل وعادل»، يقوم على إنهاء «الاستفزازات» الإسرائيلية في القدس واحترام حق «المصلين المسلمين» وكذلك احترام «وصاية الأردن» على الأماكن المقدسة في المدينة. وفي معرض حديثه عن سياق الأسباب الكامنة وراء أعمال العنف الأخيرة في فلسطين، والحرب الإسرائيلية التي شنتها الدولة العبرية يوم 9 مايو على قطاع غزة عبر السفير من موقف يعتبر مرفوضا تماما من تل أبيب وواشنطن على حد السواء. لم يتردد السفير الصيني لدى منظمة الأمم المتحدة أيضا في إدانة «التوسع غير القانوني للمستوطنات (الإسرائيلية اليهودية)» في فلسطين المحتلة و«العمل الأحادي» الإسرائيلي، وحث تل أبيب على «الوقف الفوري» لجميع أنشطتها غير القانونية. كما تطرق في كلمته إلى الحديث عن بعض القضايا المهمة التي تم تجاهلها نسبيًا، بما في ذلك «محنة اللاجئين الفلسطينيين». وبذلك يكون السفير قد عبر بكل وضوح عن الرؤية السياسية لبلاده فيما يتعلق بضرورة العمل على إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف سياسات تل أبيب التوسعية الاستيطانية، واحترام حقوق الشعب الفلسطيني. لكن هل هذا الموقف الصيني جديد حقا؟ في حين أنه من الصحيح أن سياسات الصين بشأن فلسطين وإسرائيل كانت متسقة تاريخيًا مع القانون الدولي، فقد حاولت الصين، في السنوات الأخيرة، صياغة موقف أكثر «توازنًا»، أي تبني موقف لا يعيق التجارة الإسرائيلية الصينية المتنامية، لا سيما من تكنولوجيا الرقائق الدقيقة المتقدمة على وجه الخصوص. ومع ذلك، فإن التقارب بين الصين وإسرائيل كان مدفوعًا بأكثر من مجرد التجارة. منذ إطلاقها رسميًا كانت مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) بمثابة حجر الزاوية لتوقعات بكين العالمية. يشمل المشروع الضخم ما يقرب من 150 دولة ويهدف إلى ربط آسيا بأوروبا وإفريقيا عبر الشبكات البرية والبحرية. نظرًا إلى موقعها على البحر الأبيض المتوسط، فقد تضاعفت الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة إلى الصين التي طالما حرصت على الوصول إلى الموانئ البحرية الإسرائيلية. ومثلما كان متوقعا فإن مثل هذه الطموحات كانت مصدر قلق كبير لواشنطن، التي ترسو سفنها البحرية في ميناء حيفا في كثير من الأحيان. حذرت واشنطن تل أبيب مرارا من تزايد قربها من بكين. ذهب وزير الخارجية الأمريكي السابق في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، مايك بومبيو، إلى حد تحذير إسرائيل في شهر مارس 2019 ودعاها إلى ضرورة أن تقوم سلطات تل أبيب بإعادة تقييم تعاونها مع الصين، وإلا فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تقلل «تبادل المعلومات الاستخباراتية والاشتراك في مواقع المرافق الأمنية». تقديرًا كاملاً منها للقوة الأمريكية الحالية ولكن أيضًا القوة العالمية المحتملة للصين، عملت إسرائيل على إيجاد توازن من شأنه أن يسمح لها بالحفاظ على «علاقتها الخاصة» مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تستفيد مالياً واستراتيجياً من قربها من الصين. شجعت عملية الموازنة الإسرائيلية الصين على ترجمة براعتها الاقتصادية المتنامية في الشرق الأوسط إلى استثمار سياسي ودبلوماسي أيضًا. على سبيل المثال، في عام 2017، وضعت الصين موضع التنفيذ خطة سلام - تمت صياغتها مبدئيًا في عام 2013 - تسمى اقتراح النقاط الأربع. عرضت خطة الوساطة الصينية كبديل للانحياز الأمريكي، وفي النهاية فشلت «عملية السلام» الصينية تلك. ورحبت القيادة الفلسطينية بدخول الصين على الخط في منطقة الشرق الأوسط واهتمامها بالقضية الفلسطينية، بينما رفضت إسرائيل الانخراط في هذا المسار الصيني، ما تسبب في إحراج حكومة تصر على احترامها والاعتراف بأهميتها المتزايدة في كل المجالات. إذا كانت الموازنة بين الأعمال الجيوسياسية ممكنة في ذلك الوقت، فإن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى نهاية مفاجئة. يمكن التعبير عن الواقع الجيوسياسي الجديد على لسان الدبلوماسي الإيطالي السابق ستيفانو ستيفانيني. كتب سفير إيطاليا السابق لدى حلف الناتو في مقال في صحيفة لا ستامبا يقول إن «عملية التوازن الدولي قد انتهت» و«لا توجد شبكات أمان». ومن المفارقات أن ستيفانيني أشار في هذه التصريح إلى حاجة إيطاليا للاختيار بين الغرب والصين. يمكن تطبيق نفس المنطق أيضًا على إسرائيل والصين. بعد فترة وجيزة من نجاح الصين في إبرام صفقة تاريخية بين المملكة العربية السعودية وإيران في 6 أبريل 2023، طرحت مرة أخرى فكرة التوسط في السلام بين فلسطين وإسرائيل. وبحسب ما ورد فقد تشاور وزير الخارجية الصيني الجديد، تشين جانج، مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن «خطوات استئناف محادثات السلام». مرة أخرى وافق الفلسطينيون بينما تجاهلت إسرائيل الموضوع. وهذا يفسر جزئيا إحباط الصين من إسرائيل، وكذلك إحباط الولايات المتحدة. بصفته سفير الصين السابق في واشنطن (2021-2023)، يجب أن يكون تشين على دراية بالانحياز الأمريكي المتأصل تجاه إسرائيل. وقد عبر عن هذه المعرفة المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة. فقد قال في يوم 14 مايو 2023: «يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدرك أن حياة المسلمين الفلسطينيين ثمينة على حد سواء». يوضح تحليل خطاب بسيط للخطاب السياسي والدبلوماسي الصيني فيما يتعلق بالوضع في فلسطين أن بكين ترى صلة مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنزاع المستمر، أو الفشل في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية ومختلف القضايا الأخرى. يمكن أيضًا استخلاص هذا التأكيد من ملاحظات السفير جانج الأخيرة في مجلس الأمن الدولي، حيث انتقد «الإدارة الجزئية للأزمات»، في إشارة مباشرة إلى الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، وتقديم بديل صيني يقوم على «حل شامل وعادل». وعلى نفس القدر من الأهمية، يبدو أن الموقف الصيني مرتبط بشكل جوهري بموقف الدول العربية. كلما احتلت فلسطين مركز الصدارة في الخطاب السياسي العربي، زاد التركيز الذي تحظى به هذه القضية في أجندة السياسة الخارجية الصينية. في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في جدة، اتفقت الحكومات العربية على إعطاء الأولوية لفلسطين باعتبارها القضية العربية المركزية. انتبه الحلفاء، مثل الصين، الذين لديهم مصالح اقتصادية كبيرة ومتنامية في المنطقة على الفور لهذا الأمر. كل هذا لا يجب أن يوحي بأن الصين ستقطع علاقاتها مع إسرائيل، لكنه بالتأكيد يشير إلى أن الصين لا تزال ملتزمة بموقفها المبدئي من فلسطين، كما فعلت على مدى عقود. قريباً، ستواجه العلاقة بين الصين وإسرائيل الاختبار الحقيقي للضغوط والإنذارات الأمريكية. بالنظر إلى أهمية واشنطن التي لا مثيل لها لإسرائيل، من ناحية، وأهمية العالم العربي الإسلامي للصين من ناحية أخرى، من السهل التنبؤ بالمستقبل. إذا حكمنا من خلال الخطاب السياسي الصيني حول فلسطين - ضمن القوانين الدولية والإنسانية - يبدو أن الصين قد اتخذت قرارها بالفعل. { أكاديمي وكاتب صحفي 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا