تُعد جزر حوار واحدة من أبرز المعالم الطبيعية في مملكة البحرين، حيث تتميز بتنوعها البيئي والجغرافي؛ لذا تتطلب تنميتها رؤية وطنية شاملة تجمع بين الاستثمار السياحي وحماية البيئة، لضمان استدامة هذا الإرث الطبيعي للأجيال القادمة. ويهدف هذا المقال إلى استعراض رؤية متكاملة للتنمية المستدامة في جزر حوار الذي تميزت بموقع استراتيجي وثراء طبيعي في الخليج العربي، وتشمل مجموعة من الجزر الصغيرة المتميزة بتنوعها البيولوجي، التي تمثل موطنًا للعديد من الكائنات الحية، ووفقاً لدراسة نشرتها مجلة Marine Ecology Progress Series، فإن جزر حوار هي منطقة ذات أهمية بيئية عالمية نظرًا إلى احتوائها على نظم بيئية حساسة فريدة من نوعها تضم أنواعًا مهددة بالانقراض، مثل الأطوم والسلاحف البحرية النادرة، إلى جانب الطيور المهاجرة التي تتخذ من هذه الجزر محطة استراحة. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الحماية البيئية العالمية (IUCN)، «تعتبر المناطق البيئية ذات التنوع البيولوجي الغني أحد المكونات الرئيسية لتحقيق تنمية مستدامة». وبذلك، تُعد جزر حوار منصة استراتيجية لتعزيز السياحة البيئية في المنطقة.
ونظرًا إلى أهمية جزر حوار للاقتصاد الوطني فقد صدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم مرسومًا برقم (115) لسنة 2024م، بإنشاء الهيئة العليا لتطوير جزر حوار، وذلك بناءً على عرْض رئاسة مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء، كما هي في المادة الأولي جاءت نصيًا: «تُنشأ هيئة تُسمى (الهيئة العليا لتطوير جزر حوار)، ويُشار إليها في هذا المرسوم بكلمة (الهيئة)، وتُشكَّل برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للبيئة»، وعضوية كُل من الوزراء الموقرين وممثلين عن القطاع الخاص، وذلك بحَسَبَ المهام الموكلة ودورها في أعداد وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتنمية جزر حوار، التي تهدف بحسب الرؤية الملكية السامية إلى تحقيق التطوير والتنمية الشاملة لجزر حوار، لضمان التخطيط كنموذج للسياحة المستدامة فيها وتوظيف موارد الجزيرة للاستثمار السياحي المستدام، بحيث تكون للهيئة العليا كافة الصلاحيات ضمن الإطار العام لسياسة مملكة البحرين، والخطط التنموية فيها، ومن ضمنها: البدء في اقتراح استراتيجية متكاملة، كما ورد أيضا اقتراح البرامج اللازمة لتطوير البنية التحتية لجزر حوار بما فيها تطوير المواصلات والاتصالات والترويج اللازم لجذب الاستثمارات السياحية ضمن الشروط والمعايير المحددة من قبل اللجنة العليا، التي كذلك من مهامها ضرورة ضمان عدم المساس بالثروة البحرية وحماية الحياة الفطرية فيها.، كما وجه جلالته أعضاء الهيئة العليا الى تطوير جزر حوار لمواصلة أعمال التطوير والتنمية ومشاريع البنية التحتية والخدمية في جزر حوار مع مراعاة الحفاظ على المناطق المحمية ذات الطبيعة البيئية فيها، التي تتميز بتضاريسها المنفردة. وأكد جلالة الملك أن المعالم البيئية لمملكة البحرين تحظى بكامل الاهتمام من الجهات المعنية للحفاظ عليها وتطويرها، بما يظهر الحرص على المعالم البيئية وتعزيز دورها الرافد للسياحة.
إن الرؤية الملكية السامية هي بمثابة خارطة طريق مستدامة ونقطة التقاء لدمج البيئة الطبيعية والتنمية الشاملة، وانطلاقًا من ترجمة رؤية المملكة حول خُطَّة التعافي الاقتصادي بإطلاق استراتيجية قطاع السياحة 2022-2026 في السادس من نوفمبر 2021، التي تهدف إلى رفع مستوى مؤشرات السياحة كإنفاق السياح إلى 2 مليار دينار بحريني، حيثُ تمحورت الاستراتيجية حول جملة من الركائز وهي: الواجهات والأنشطة البحرية، سياحة الأعمال، السياحة الرياضية، الثقافة والآثار والتاريخ، السياحة الترفيهية، الإعلام والأفلام السينمائية، والسياحة العلاجية، كما تعتمد استراتيجية قطاع السياحة على أربع أولويات وهي: تسهيل الدخول، والجذب السياحي، والتسويق والترويج، والإقامة. ولو تأملنا واقع مملكة البحرين بين الماضي والحاضر لوجدنا أن المجتمع بنيت ثقافته وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالبيئة بجميع أنماطها البرية والبحرية، وقد اشتهرت البحرين بالموائل البرية والبيئية الهامة، وإنشاء العديد من المناطق والمرافق السياحية التي تتوافر فيها الحياة البرية بكل مكوناتها مما يجعلها مواقع جاذبة للسياح من داخل وخارج المملكة، بالإضافة إلى المحميات التي تهدف إلى الحفاظ على التنوع الحيوي، والاستفادة من هذا الإرث الطبيعي في تفعيل السياحة البيئية التي تجذب محبي الطبيعة والحياة البرية، مع الالتزام بالمسؤولية المترتبة على المجتمع كافة بالحفاظ على هذه الطبيعة سواء فيما يتعلق بالكائنات البحرية، والنباتات، والطيور وغيرها، بالإضافة إلى المواقع الطبيعية المميزة، باعتبار كل تلك العوامل إرثا وطنيًا طبيعيًا مهما.
وضمن نتائج دراسة دكتوراه في استطلاعًا لعينات الدراسة (ذوي الاختصاص والخبرات، المكاتب السياحية، الجمهور)، حيثُ كانت جزر حوار مدرجة ضمن قائمة 19 موقعًا سياحيا مهما في المملكة، والتي أشارت عينات الدراسة حول أهمية تنميتها واستغلالها للسياحة البيئية كأحد المقومات الطبيعية التي ترتكز عليها السياحة بالمملكة، ورغم الإمكانات والمقومات العدّة التي تمتلكها البحرين لتنمية جزر حوار، فإنها تواجه تحديات بيئية متعددة، من بينها التغير المناخي وتأثير النشاط البشري خاصة على المدى البعيد جراء الضغط على المقدرات والأرصدة البيئية؛ لذا فإن أي استراتيجية تنموية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة. ولتحقيق التوازن بين الاستثمار وحماية البيئة، فقد اعتمدت المملكة على التخطيط البيئي المتكامل وأحراء الدراسات لتقييم الأثر البيئي قبل تنفيذ المشروعات الاستثمارية، وتحديد المناطق المحمية لضمان الحفاظ على التنوع الحيوي، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية المستدامة، وذلك بالعمل على زيادة استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل المنشآت السياحية، والاستمرار في تصميم مبانٍ تعتمد على تقنيات البناء الأخضر، وكذلك زيادة تعزيز الوعي المجتمعي، بإطلاق حملات توعية حول أهمية حماية البيئة، وإشراك المجتمع المحلي في إدارة الموارد الطبيعية، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى التي نجحت في تطوير جزر سياحية مستدامة، ومثالًا على ذلك جزر المالديف وسيشيل.
إن جزر حوار تمثل فرصة فريدة للمملكة لتطوير نموذج رائدًا في التنمية المستدامة، بفضل اعتماد رؤية وطنية متكاملة تتوافق بين الاستثمار السياحي وحماية البيئة، وتحقيق التوازن الذي يضمن استدامة الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية الاقتصادية. باتخاذ الخطوات الصحيحة الآمنة للبيئة، يمكن لجزر حوار أن تصبح رمزًا للسياحة المستدامة في المنطقة، كما هي جزر المالديف، على سبيل المثال، تبنت نموذج السياحة البيئية بالاستفادة من بناء منتجعات تعتمد على الطاقة الشمسية وتحظر استخدام البلاستيك، ووفقًا لدراسة في مجلة Journal of Sustainable Tourism، فإن هذا النهج أسهم في جذب السيّاح بالتوازن مع الحفاظ على البيئة البحرية؛ لذا فإن توجيهات جلالة الملك السامية لوضع استراتيجية وطنية لتنمية جزر حوار تعكس رؤية حكيمة نحو تحقيق تنمية مستدامة تستفيد منها الأجيال الحالية والمستقبلية.
انطلاقًا من استثمار مستدام ومسؤول، تنطلق منها جزر حوار لتصبح نموذجًا عالميًا يدمج بين السياحة البيئية والحفاظ على البيئة، وكذلك فإن البحرين وفقّا للخطوات المتبعة، فإنها تضع نفسها كنموذج في المنطقة في مجال التنمية السياحية المستدامة للمناطق الطبيعية. ووفقاً للأمم المتحدة فإن السياحة البيئية تًعد أحد أهم أنواع السياحة المستدامة التي تساهم في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، وإن أكبر فائدة تقدمها السياحة البيئية في مملكة البحرين هو التعرف على التنوع الحيوي والطبيعي الذي تتميز به، ثَمّ الاستفادة من البيئة الطبيعية من تكثيف الرحلات إلى المناطق البيئية والاستمتاع بها مثل مناطق وجود مستعمرات الطيور ونباتات القرم والمها العربية والكثير من الكنوز الطبيعية بالمملكة، لذا فإنّ للسياحة البيئية فوائد عدّة، ولا تقتصر على البيئة؛ إنما تصل آثارها إلى الاقتصاد والثقافة والتراث الذي يسهم في استدامتها بشكل مستمر.
وختامًا، إننا اليوم أمام دعوة نحو تحويل التوجيهات السامية لجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفه إلى نتائج على أرض الواقع؛ لذا فإن ذلك يتطلب مشاركة نشطة ومدروسة من خلال إشراك جميع فئات وأفراد المجتمع ومؤسساته وترجمة القوانين والمراسيم بأساليب وطرق تناسب الواقع الحقيقي الذي يحاكي المتطلبات المجتمعية والوطنية والعالمية.
إن الحفاظ على الأرصدة الطبيعية يحقق التوازن بين النمو الاجتماعي والاقتصادي والبيئي؛ ويترجم نتيجة للسياحة التي أصبحت صناعة أساسية على نطاق عالمي ترتكز على إبراز وحماية المعالم الجمالية للبيئة البحرية والبرية؛ وبذلك فإن السياحة ستزدهر ويتبعها انتعاش في الاقتصاد الوطني للمملكة، وعلى صعيد المسؤولية المجتمعية فيجب علينا أن نبذل ما بوسعنا لتلبية احتياجات المملكة بعيدة المدى في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة والمتأصلة في رؤية ورسالة كل مؤسساتنا الوطنية، وذلك أثناء اتباع أعلى معايير الاستدامة البيئية في كل ما نقوم به من أنشطة وفعاليات مستقبلية؛ لذا فإن الحفاظ على المواقع البيئية وإعادة تأهيلها وتحقيق التوازن بين السياحة والبيئة من ناحية والمصلحة الاقتصادية والاجتماعية من ناحية هو في الواقع الهدف الأساسي الذي تسعى الجهات المعنية الى الأخذ به لضمان مستقبل واعد لمملكتنا الحبيبة.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك