يعترف القادة الأفارقة بالدور التاريخي الذي لعبته مصر في تحرير كثير من الدول الإفريقية من الحكم الاستعماري الغربي وخاصة تحت قيادة الزعيم العربي الكبير جمال عبدالناصر، ومن هنا أهمية أن تظل مصر الكنانة حاضرة بقوة في المشهد الإفريقي ولذلك يجب ألا تغيب مصر عن أي جهود لتدعيم العلاقات بين الشعوب الإفريقية وخاصة تلك التي تتعلق بدول شمال إفريقيا ودول حوض النيل والبحر الأحمر وذلك في ضوء الحقائق التالية:
أولاً: إن مصر كانت المظلة الجامعة التي تلجأ إليها الشعوب الإفريقية لحل خلافاتها السياسية والحدودية والعرقية وحتى النزاعات المسلحة الداخلية وهذا الدور تفردت به مصر دون سواها لعقود مضت، مصر بثقلها السياسي وموقعها الجغرافي وبتاريخها الدبلوماسي لعبت دور الوسيط العقلاني المتزن والقوي الذي يفرض احترامه أمام الدول الإفريقية الأخرى وهذه المكانة لا يجب التفريط بها بأي شكل من الأشكال حتى وإن كان هناك خلاف بين مصر وأي دولة إفريقية أخرى.
لابد أن تبقى مصر الملجأ والملاذ الآمن لحل أي خلاف بين الأفارقة بكل حيادية، مصر وإن عصفت بها بعض الأزمات إلا أنها تبقى الواجهة الرئيسية للقارة الإفريقية والمتزعمة لها بكل اقتدار، وهذا الأمر يمنحها أفضلية في طرح المبادرات لحل النزاعات والخلافات بين الفرقاء الأفارقة.
إن حدوث أي غياب لمصر عن المشهد الإفريقي بلا شك سوف يتيح الفرصة لقوى إقليمية خارجية لسد هذا الفراغ وهذا ليس في صالح مصر وأي وساطة خارجية لابد أن يكون لها مصلحة من هذه الوساطة، إما بتحقيق صفقة مباشرة وإما بالحصول على نفوذ وتسهيلات أخرى في مجالات مختلفة أو الدفع بالمنطقة إلى مزيد من الخلافات السياسية والاقتصادية بين الأشقاء الأفارقة.
كذلك فإن غياب مصر يمنح أيضا بعض الدول الإفريقية فرصة للعب دور الوساطة في الخلافات الإفريقية، مثل كينيا أو جنوب إفريقيا، حيث تركز هذه الدول على تعزيز موقعها في القارة وسحب البساط من مصر.
البعض يُرجع غياب مصر إلى تفرغها لأولويات استراتيجية أكثر أهمية كملف سد النهضة مع إثيوبيا وتعزيز العلاقات الثنائية مع دول رئيسية في القارة مثل السودان وليبيا، كذلك فإن مع تنامي الأزمات الداخلية والتحديات الاقتصادية الإفريقية قد تكون مصر بحاجة إلى توزيع جهودها بحذر وخصوصاً أن هناك ملفات أكثر تأثيراً في الأمن القومي المصري وأهمها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي أصبح يهدد المنطقة بأسرها، وكذلك الصراع العسكري في السودان الذي تسبب في كارثة إنسانية أثقلت كاهل مصر والدول المجاورة، في السياق نفسه هناك من يرى أن مصر تفضل عدم التدخل المباشر في نزاعات قد تكون إقليمية بين دول متجاورة، وتترك المجال للاتحاد الإفريقي أو المنظمات الإقليمية لتولي هذه المهام.
إن مصر لها تاريخ طويل في الدبلوماسية الإفريقية، ووجودها ضروري لتعزيز التعاون وحل النزاعات، وقد تحتاج مصر إلى اتباع خطة متكاملة تعتمد على الثقة، والتأثير، والحياد الإيجابي في علاقاتها مع الدول الإفريقية.
كذلك لابد من المشاركة في القضايا الإفريقية الكبرى مثل الأمن الغذائي والتغير المناخي، مع التأكيد أن مصر شريك وليس منافساً، كذلك لابد أن يكون لمصر رؤية طويلة المدى لتعزيز مكانتها كقائد للقارة الإفريقية مع تركيز على التنمية المستدامة والتعاون المشترك وبناء علاقات ثنائية قوية من خلال توسيع التعاون مع جميع دول إفريقيا، خاصة الدول ذات النفوذ مثل جنوب إفريقيا، نيجيريا، وكينيا، وتقديم مبادرات تنموية وتسهيل تبادل الخبرات.
إن النقطة الأهم من ذلك كله هو أن مصر يجب أن تحافظ على حيادها في النزاعات الإفريقية حتى تكسب ثقة جميع الأطراف وعدم الانحياز لأي طرف في النزاعات الثنائية، والتنسيق مع الاتحاد الإفريقي كقوة دافعة لتسوية النزاعات، وطرح مبادرات لحل القضايا المزمنة كالأزمات الحدودية أو النزاعات العرقية والمساهمة في إنشاء آليات دائمة للسلام بالتنسيق مع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وحتى تبقى مصر هي الملاذ الأول لأي حلول للخلافات الإفريقية لابد لها من إطلاق مبادرات الوساطة أو كما يُطلق عليها «الدبلوماسية الاستباقية» للتدخل قبل تصاعد الأزمات من خلال فتح قنوات حوار مبكرة بين الأطراف المتنازعة.
إن مصر لديها القدرة على لعب دور استراتيجي في الملفات الإفريقية المشتركة كالمياه والأمن الغذائي، التي تؤثر في معظم الدول الإفريقية، وهذا يجعل مصر شريكا لا غنى عنه، وبالعودة إلى دور مصر السابق فبإمكان القيادة المصرية اتخاذ مبادرات تعزز مكانة مصر في القارة الإفريقية، مثل الدعوة إلى قمة إفريقية لحل الأزمات المستعصية، والأمر المؤكد أنه إذا ما ركزت مصر على الثقة والحياد والابتكار، مع استغلال أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية، ستصبح الوجهة الأولى لحل أي نزاع إفريقي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك