العدد : ١٧٠٩٤ - الجمعة ١٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٤ - الجمعة ١٠ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دور مصر التاريخي في القارة الإفريقية

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

الجمعة ١٠ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

يعترف‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬بالدور‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغربي‭ ‬وخاصة‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬الزعيم‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬مصر‭ ‬الكنانة‭ ‬حاضرة‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الإفريقي‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تغيب‭ ‬مصر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬لتدعيم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بدول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬ودول‭ ‬حوض‭ ‬النيل‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الحقائق‭ ‬التالية‭: ‬

أولاً‭: ‬إن‭ ‬مصر‭ ‬كانت‭ ‬المظلة‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬لحل‭ ‬خلافاتها‭ ‬السياسية‭ ‬والحدودية‭ ‬والعرقية‭ ‬وحتى‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الداخلية‭ ‬وهذا‭ ‬الدور‭ ‬تفردت‭ ‬به‭ ‬مصر‭ ‬دون‭ ‬سواها‭ ‬لعقود‭ ‬مضت،‭ ‬مصر‭ ‬بثقلها‭ ‬السياسي‭ ‬وموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وبتاريخها‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لعبت‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬العقلاني‭ ‬المتزن‭ ‬والقوي‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬احترامه‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأخرى‭ ‬وهذه‭ ‬المكانة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬التفريط‭ ‬بها‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وأي‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬أخرى‭.‬

لابد‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مصر‭ ‬الملجأ‭ ‬والملاذ‭ ‬الآمن‭ ‬لحل‭ ‬أي‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬الأفارقة‭ ‬بكل‭ ‬حيادية،‭ ‬مصر‭ ‬وإن‭ ‬عصفت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الأزمات‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تبقى‭ ‬الواجهة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬والمتزعمة‭ ‬لها‭ ‬بكل‭ ‬اقتدار،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يمنحها‭ ‬أفضلية‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬المبادرات‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬والخلافات‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬الأفارقة‭.‬

إن‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬غياب‭ ‬لمصر‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سوف‭ ‬يتيح‭ ‬الفرصة‭ ‬لقوى‭ ‬إقليمية‭ ‬خارجية‭ ‬لسد‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬مصر‭ ‬وأي‭ ‬وساطة‭ ‬خارجية‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوساطة،‭ ‬إما‭ ‬بتحقيق‭ ‬صفقة‭ ‬مباشرة‭ ‬وإما‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬وتسهيلات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬أو‭ ‬الدفع‭ ‬بالمنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الأشقاء‭ ‬الأفارقة‭.‬

كذلك‭ ‬فإن‭ ‬غياب‭ ‬مصر‭ ‬يمنح‭ ‬أيضا‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬فرصة‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬الوساطة‭ ‬في‭ ‬الخلافات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬مثل‭ ‬كينيا‭ ‬أو‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬تركز‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬وسحب‭ ‬البساط‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

البعض‭ ‬يُرجع‭ ‬غياب‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬تفرغها‭ ‬لأولويات‭ ‬استراتيجية‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬كملف‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬مع‭ ‬إثيوبيا‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬مثل‭ ‬السودان‭ ‬وليبيا،‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬الأزمات‭ ‬الداخلية‭ ‬والتحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإفريقية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مصر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬توزيع‭ ‬جهودها‭ ‬بحذر‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ملفات‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري‭ ‬وأهمها‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يهدد‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬أثقلت‭ ‬كاهل‭ ‬مصر‭ ‬والدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬تفضل‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬نزاعات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬إقليمية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬متجاورة،‭ ‬وتترك‭ ‬المجال‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬لتولي‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭.‬

إن‭ ‬مصر‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬ووجودها‭ ‬ضروري‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات،‭ ‬وقد‭ ‬تحتاج‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الثقة،‭ ‬والتأثير،‭ ‬والحياد‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭.‬

كذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الإفريقية‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والتغير‭ ‬المناخي،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬شريك‭ ‬وليس‭ ‬منافساً،‭ ‬كذلك‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لمصر‭ ‬رؤية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬كقائد‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬ثنائية‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬النفوذ‭ ‬مثل‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وكينيا،‭ ‬وتقديم‭ ‬مبادرات‭ ‬تنموية‭ ‬وتسهيل‭ ‬تبادل‭ ‬الخبرات‭.‬

إن‭ ‬النقطة‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬حيادها‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الإفريقية‭ ‬حتى‭ ‬تكسب‭ ‬ثقة‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬وعدم‭ ‬الانحياز‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الثنائية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬كقوة‭ ‬دافعة‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاعات،‭ ‬وطرح‭ ‬مبادرات‭ ‬لحل‭ ‬القضايا‭ ‬المزمنة‭ ‬كالأزمات‭ ‬الحدودية‭ ‬أو‭ ‬النزاعات‭ ‬العرقية‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬آليات‭ ‬دائمة‭ ‬للسلام‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬التابع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وحتى‭ ‬تبقى‭ ‬مصر‭ ‬هي‭ ‬الملاذ‭ ‬الأول‭ ‬لأي‭ ‬حلول‭ ‬للخلافات‭ ‬الإفريقية‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرات‭ ‬الوساطة‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬الدبلوماسية‭ ‬الاستباقية‮»‬‭ ‬للتدخل‭ ‬قبل‭ ‬تصاعد‭ ‬الأزمات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فتح‭ ‬قنوات‭ ‬حوار‭ ‬مبكرة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭.‬

إن‭ ‬مصر‭ ‬لديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬الإفريقية‭ ‬المشتركة‭ ‬كالمياه‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬مصر‭ ‬شريكا‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه،‭ ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬مصر‭ ‬السابق‭ ‬فبإمكان‭ ‬القيادة‭ ‬المصرية‭ ‬اتخاذ‭ ‬مبادرات‭ ‬تعزز‭ ‬مكانة‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬مثل‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬إفريقية‭ ‬لحل‭ ‬الأزمات‭ ‬المستعصية،‭ ‬والأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ركزت‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬والحياد‭ ‬والابتكار،‭ ‬مع‭ ‬استغلال‭ ‬أدواتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬ستصبح‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬لحل‭ ‬أي‭ ‬نزاع‭ ‬إفريقي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا