العدد : ١٧٠٩٣ - الخميس ٠٩ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩٣ - الخميس ٠٩ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحن والعالم بين عامَين

بقلم: د. عبدالمنعم سعيد {

الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

ها‭ ‬نحن‭ ‬قد‭ ‬عبرنا‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬آخر،‭ ‬ربما‭ ‬سوف‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬إضافية‭ ‬حتى‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬ذكرى‭ ‬التأريخ‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عند‭ ‬الكتابة‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬سبق‭ ‬2024،‭ ‬وربما‭ ‬لن‭ ‬يمر‭ ‬وقت‭ ‬حتى‭ ‬يطويه‭ ‬النسيان‭.‬

العام‭ ‬خذلنا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬كنا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬حروبا‭ ‬غائرة‭ ‬سوف‭ ‬تتوقف‭ ‬أو‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نهاية،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬لديه‭ ‬قدرات‭ ‬عالية‭ ‬للاستمرار‭ ‬في‭ ‬طحن‭ ‬نفوس‭ ‬البشر،‭ ‬لا‭ ‬انتهت‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ولا‭ ‬انتهت‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬ولا‭ ‬توقف‭ ‬القتال‭ ‬عن‭ ‬التوسع‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬جديدة‭. ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ذهبت‭ ‬كييف‭ ‬إلى‭ ‬كورسك‭ ‬لكي‭ ‬تحتل‭ ‬أرضًا‭ ‬روسية‭ ‬تكفي‭ ‬للمقايضة،‭ ‬وأتى‭ ‬الروس‭ ‬بجنود‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬لكي‭ ‬يصححوا‭ ‬توازن‭ ‬الوفيات‭ ‬الروسية‭.‬

في‭ ‬غزة‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬التمدد‭ ‬نتيجة‭ ‬السخونة‭ ‬الفائقة،‭ ‬وصل‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬منتهاه‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فلم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬أرض‭ ‬باقية‭ ‬تحتلها‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬ولكن‭ ‬القتل‭ ‬لم‭ ‬يتوقف،‭ ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬45‭ ‬ألفا،‭ ‬70%‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭.‬

توسعت‭ ‬دائرة‭ ‬القتل‭ ‬فشملت‭ ‬لبنان‭ ‬أيضا،‭ ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬حماس‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تتوقف،‭ ‬فإن‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬لأن‭ ‬غالبيتها‭ ‬جرى‭ ‬تفجيرها‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬

نقطة‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬جرت‭ ‬مع‭ ‬تفجيرات‭ ‬أجهزة‭ ‬‮«‬البيجر‮»‬،‭ ‬أظهرت‭ ‬تفوقًا‭ ‬تكنولوجيًا‭ ‬واجه‭ ‬ذلك‭ ‬الصواريخ‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬ومن‭ ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭. ‬انفجرت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬ديسمبر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬وداع‭ ‬العام‭ ‬ليكون‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬المراقبين‭ ‬سببًا‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬خريطة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ونتنياهو‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬وقاحة‭ ‬بأن‭ ‬دولته‭ ‬تعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬المنطقة‭.‬

أصبحت‭ ‬مسارح‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وحرب‭ ‬غزة‭ ‬مختلفة‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عام،‭ ‬وساعة‭ ‬دخولها‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬كان‭ ‬الإرهاق‭ ‬قد‭ ‬نالها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭.‬

الأمر‭ ‬كان‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولكن‭ ‬الإرهاق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دافعًا‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬لإنتاج‭ ‬‮«‬هدنة‮»‬‭ ‬جديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬الأنظار‭ ‬باتت‭ ‬بعيدة‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬مصير‭ ‬سوريا‭ ‬هو‭ ‬القضية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دفعت‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬شمالها‭ ‬لحل‭ ‬معضلاته‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬أما‭ ‬إسرائيل‭ ‬فقررت‭ ‬استباق‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬فصائل‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬بتدمير‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬فيتغير‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لعقد‭ ‬قادم‭.‬

أصبحنا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬آخر،‭ ‬وعلى‭ ‬جسر‭ ‬السنوات‭ ‬فإن‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لها‭ ‬عادة‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬وتولي‭ ‬الفائز‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬آخر،‭ ‬ليس‭ ‬للأمر‭ ‬تفضيل‭ ‬علمي‭ ‬يمكن‭ ‬الاحتذاء‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬المسار‭ ‬التاريخي‭ ‬للانتخابات‭ ‬الرئاسية‭.‬

فوز‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬كان‭ ‬فارقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لأنه‭ ‬وفق‭ ‬رأي‭ ‬الباحثين‭ ‬كان‭ ‬هزيمة‭ ‬لليبرالية‭ ‬في‭ ‬آفاقها‭ ‬الواسعة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭.‬

المعركة‭ ‬الانتخابية‭ ‬كانت‭ ‬كاشفة‭ ‬فقد‭ ‬فاز‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الناتج،‭ ‬الأولون‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬والجنوب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬حيث‭ ‬الولايات‭ ‬الحمراء‭ ‬الجمهورية‭ ‬هي‭ ‬الصدئة‭ ‬وربيبة‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الثانية‭ ‬حيث‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الشكوى‭ ‬والسخط‭ ‬على‭ ‬الأجانب‭ ‬والمهاجرين‭.‬

الآخرون،‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الزرقاء‭ -‬الديمقراطية‭- ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬المنتجة‭ ‬في‭ ‬الثورتين‭ ‬الثالثة‭ ‬والرابعة،‭ ‬خسروا‭ ‬السباق‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬الأقل‭ ‬حماسًا‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الانتخابات‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ولأنهم‭ ‬بعيدون‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬السياسية‭ ‬ويفضلون‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬للعمل‭ ‬والابتكار‭. ‬

النتيجة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬سوف‭ ‬يشهد‭ ‬أكبر‭ ‬عملية‭ ‬تراجع‭ ‬فكري‭ ‬عرفه‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬ساكن‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الرئيس‭ ‬رقم‭ ‬47‭ ‬لديه‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬إمبراطوري‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬قناة‭ ‬بنما‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ضم‭ ‬كندا‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فتكون‭ ‬الولاية‭ ‬51،‭ ‬وشراء‭ ‬‮«‬جرين‭ ‬لاند‮»‬‭ ‬الجزيرة‭ ‬الثلجية‭ ‬الهائلة‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلنطي‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭.‬

برنامج‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬يُشْهِد‭ ‬العالم‭ ‬2025‭ ‬على‭ ‬تغيرات‭ ‬مثيرة‭ ‬ينظر‭ ‬لها‭ ‬بدهشة‭ ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬أمريكا‭ ‬لها‭ ‬عرضا‭ ‬بشراء‭ ‬‮«‬تايوان‮»‬‭ ‬أو‭ ‬تحاول‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لطف‭ ‬الله‭ ‬كبيرا‭ ‬فيكتفي‭ ‬رجل‭ ‬العقارات‭ -‬وليس‭ ‬الكاوبوي‭- ‬الأمريكي‭ ‬بنظرته‭ ‬الجديدة‭ ‬‮«‬للمجال‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قصره‭ ‬المؤسسون‭ ‬الأوائل‭ ‬للدولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬‮«‬الأمريكتين‮»‬‭ ‬الشمالية‭ ‬والجنوبية،‭ ‬فإذا‭ ‬بترامب‭ ‬يأخذ‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭.‬

انعكاسات‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬وحلف‭ ‬الأطلنطي‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬والتوجه‭ ‬الأمريكي‭ ‬نحو‭ ‬آسيا،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تظل‭ ‬مؤجلة‭ ‬حتى‭ ‬تستقر‭ ‬الأمور‭ ‬الداخلية‭ ‬الخاصة‭ ‬بتقليص‭ ‬الدولة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومراجعة‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وما‭ ‬تستطيع‭ ‬فعله‭. ‬

المشهد‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وإعلان‭ ‬النصر‭ ‬المؤزر،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة،‭ ‬وصواريخ‭ ‬حماس‭ ‬تعبر‭ ‬إلى‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬وصواريخ‭ ‬الحوثيين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭!.‬

{ كاتب‭ ‬ومفكر‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا