العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

النّافذة العراقيّة المفتوحة على إيران

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٠٤ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬السماح‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬بتسديد‭ ‬ديونه‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬بالدولار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬توقف‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬تزويد‭ ‬العراق‭ ‬بالغاز‭ ‬الذي‭ ‬يستعمله‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬فإن‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬التدفق‭ ‬يومياً‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

وليس‭ ‬ذلك‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬إنه‭ ‬يتم‭ ‬بعلمها‭ ‬وبتدبير‭ ‬منها‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬قد‭ ‬تعهدت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬لوزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنها‭ ‬ستشدد‭ ‬رقابتها‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬تهريب‭ ‬الدولار،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬رفعت‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬مصرفها‭ ‬المركزي‭ ‬الذي‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مصارف‭ ‬حامت‭ ‬حولها‭ ‬الشبهات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وصار‭ ‬يزود‭ ‬مصارف‭ ‬جديدة‭ ‬بالدولار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مزاد‭ ‬يومي‭ ‬يُباع‭ ‬فيه‭ ‬الدولار‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬سعره‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الصرف‭ ‬المحلية،‭ ‬ضماناً‭ ‬لأرباح‭ ‬شركات‭ ‬الصرافة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬عملية‭ ‬سرقة‭ ‬رسمية‭ ‬تُستنزف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أموال‭ ‬الدولة‭ ‬لحساب‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ (‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬شخصاً‭)‬،‭ ‬كلهم‭ ‬يعملون‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬المليشيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬وتحت‭ ‬حمايتها‭. ‬

وليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المليشيات‭ ‬أنشأت‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬مصارف‭ ‬وهمية‭ ‬تابعة‭ ‬لها،‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يتم‭ ‬شراء‭ ‬الدولار‭ ‬رسمياً‭ ‬وإيصاله‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬لا‭ ‬تُلحق‭ ‬بالحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬اكتشافها‭ ‬أمريكياً‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر،‭ ‬فتلجأ‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصارف‭ ‬الأهلية‭ ‬العراقية،‭ ‬بما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

ظاهرياً،‭ ‬يبدو‭ ‬العراقيون‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنهم‭ ‬ضحكوا‭ ‬على‭ ‬خبراء‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حين‭ ‬وقعوا‭ ‬معهم‭ ‬اتفاق‭ ‬ثقة،‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬العراقي‭ ‬بموجبه‭ ‬مع‭ ‬المصارف‭ ‬الأهلية‭ ‬المشبوهة‭. ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأمريكيون‭ ‬قد‭ ‬ضحكوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬حين‭ ‬فوّضوا‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤديه،‭ ‬لأنه‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬أسباب‭ ‬وجودها‭ ‬واستمرار‭ ‬بقائها؟

ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الأمريكيون‭ ‬عن‭ ‬حكومة‭ ‬محمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني‭. ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬حصة‭ ‬في‭ ‬اختيارها،‭ ‬فإيران‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬تُعيّن‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬يعرف‭ ‬الأمريكيون‭ ‬أن‭ ‬السوداني‭ ‬إيراني‭ ‬الهوى‭ ‬والعقيدة‭ ‬والتوجهات‭. ‬فهل‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬يُكلف‭ ‬رجل‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬بمهمة‭ ‬يُراد‭ ‬بها‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بإيران؟

لجأ‭ ‬العراقيون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تنكشف‭ ‬فيها‭ ‬حيلتهم‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬مصارف‭ ‬بأسماء‭ ‬جديدة،‭ ‬كلها‭ ‬مستلهمة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمفاهيم‭ ‬الدينية‭ ‬الطائفية‭ ‬كالبر‭ ‬والطاعة‭ ‬والغفران‭ ‬والتسامح‭ ‬والغدير‭ ‬وأشبال‭ ‬علي‭ ‬وعاشوراء‭ ‬وسواها،‭ ‬ونسيان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬المصارف‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬الأمريكيون‭ ‬تحت‭ ‬أسمائها‭ ‬خطوطاً‭ ‬حمراً‭. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬فإن‭ ‬المصارف،‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬كيانات‭ ‬ورقية‭ ‬تُدار‭ ‬عملياتها‭ ‬من‭ ‬البيوت‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬الأمريكيين‭ ‬ولديهم‭ ‬عملاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفصل‭ ‬من‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬الهشة؟

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬ننضم‭ ‬إلى‭ ‬حفلة‭ ‬الكذب‭ ‬إذا‭ ‬صدقنا‭ ‬ذلك‭. ‬اليوم‭ ‬وغداً‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭ ‬ستفرض‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عقوباتها‭ ‬على‭ ‬مصارف‭ ‬أهلية‭ ‬عراقية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يؤثر‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬إيران‭.‬‮  ‬

مشكلة‭ ‬العراق‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬طلب‭ ‬الدولار‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬اقتصادها‭ ‬الكبير‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬بسبب‭ ‬توسعها‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬مليشياتها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬أيضاً‭. ‬إيران‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬جيباً‭ ‬تمد‭ ‬فيه‭ ‬يدها‭ ‬لتأخذ‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭. ‬إنها‭ ‬لصوصية‭ ‬أسهمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الشرعية‭ ‬عليها‭.‬

فلولا‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬اخترعته‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬لما‭ ‬تمكنت‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لإراداتها‭ ‬وحاجاتها‭. ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬الأحوال،‭ ‬لم‭ ‬يتخلّ‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬محنتها،‭ ‬وهي‭ ‬تواجه‭ ‬العقوبات‭ ‬الإيرانية‭. ‬ولو‭ ‬تذكرنا‭ ‬الحصار‭ ‬الذي‭ ‬فُرض‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬لأدركنا‭ ‬حجم‭ ‬ومسافة‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الحصارين‭.‬

لقد‭ ‬خُطط‭ ‬لذلك‭ ‬الحصار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مميتاً،‭ ‬أما‭ ‬حصار‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬النافذة‭ ‬العراقية،‭ ‬فإن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الحصار‭ ‬الشامل،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬المقارنات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬الحساس‭ ‬لا‭ ‬تجوز،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تفصح‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأنها‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬تجريدية‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ثابت‭ ‬أن‭ ‬الإمدادات‭ ‬المالية‭ ‬العراقية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬وتحت‭ ‬عناوين‭ ‬مختلفة،‭ ‬هيمنت‭ ‬مسألة‭ ‬استيراد‭ ‬الغاز‭ ‬الإيراني‭ ‬المُستعمل‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬عشرين‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مائة‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬العراق‭ ‬لقاء‭ ‬بيع‭ ‬النفط‭. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ميزان‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬كان‭ ‬يشير‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬مقاربة‭. ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬مصارف‭ ‬أهلية‭ ‬عراقية‭ ‬يُشتبه‭ ‬بأنها‭ ‬تمد‭ ‬إيران‭ ‬بالدولار‭ ‬تزداد‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬صعوبة‭ ‬بسبب‭ ‬تدهور‭ ‬سعر‭ ‬صرف‭ ‬الدينار‭ ‬العراقي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يُربك‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العراقي،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يصيب‭ ‬هدفه‭ ‬الحقيقي‭.‬‮  ‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا