العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في التجربة التنموية السعودية.. لا شيء مستحيل (4)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون

الخميس ١٠ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

تناول‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬المعنون‭ ‬مرئيات‭ ‬أولية‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة2030‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الموسوم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬مستحيل‭.. ‬ملامح‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬لرؤية‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية2030‮»‬‭ ‬متابعة‭ ‬دقيقة‭ ‬لمسارات‭ ‬الرؤية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬إطلاقها‭ ‬لتبشر‭ ‬بمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬مميزة‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬التنموي‭ ‬المستلهم‭ ‬لمتطلبات‭ ‬الحاضر‭ ‬والمدرك‭ ‬لضرورات‭ ‬المستقبل،‭ ‬عبر‭ ‬اعتماد‭ ‬خطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬‮«‬15‭ ‬سنة‮»‬،‭ ‬بغية‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالعملية‭ ‬التنموية‭ ‬فكرا‭ ‬وتطبيقا،‭ ‬وبما‭ ‬يحقق‭ ‬أهداف‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬وجذب‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬وتوظيف‭ ‬مزاياها‭ ‬النسبية‭ ‬والتنافسية‭ ‬لما‭ ‬يخدم‭ ‬المواطن‭ ‬ويرفع‭ ‬من‭ ‬مستواه‭ ‬المعيشي‭ ‬ويعظم‭ ‬رفاهيته،‭ ‬وبما‭ ‬ينعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬إنتاجيته‭ ‬وعطائه‭ ‬لوطنه‭ ‬ومجتمعه‭. ‬فجاءت‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬مخاض‭ ‬تجربة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة،‭ ‬قادت‭ ‬الى‭ ‬مرئيات‭ ‬جديدة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬نضجا‭ ‬تنمويا،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬تبلور‭ ‬وعي‭ ‬سياسي‭ ‬جديد،‭ ‬وإدراك‭ ‬عميق‭ ‬بفشل‭ ‬سياسات‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المتغايرة‭ ‬وفقا‭ ‬لمعطياتها‭ ‬الآنية‭ ‬فقط‭. ‬فعلى‭ ‬صعيد‭ ‬النضج‭ ‬التنموي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬الايرادات‭ ‬النفطية‭ ‬أمرا‭ ‬مجديا‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬المملكة‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬ومصدر‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬دخلها‭ ‬القومي‭ ‬ليس‭ ‬بشكل‭ ‬رديف‭ ‬للإيرادات‭ ‬النفطية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بديل‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬عنها،‭ ‬وذلك‭ ‬هدف‭ ‬كبير‭ ‬يتطلب‭ ‬استثمارات‭ ‬شتى‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬وقطاعات‭ ‬عديدة‭ ‬تحقق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬عالية،‭ ‬كالقطاع‭ ‬السياحي‭ ‬بكامل‭ ‬مقوماته‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتاريخية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭. ‬ومما‭ ‬يميز‭ ‬الرؤية‭ ‬أنها‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬معايير‭ ‬ومؤشرات‭ ‬رقمية‭ ‬ملزم‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفيذي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬بالوصول‭ ‬اليها‭ ‬وتحقيقها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية‭ ‬المحددة‭ ‬مسبقا،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬ييسر‭ ‬عملية‭ ‬التقييم‭ ‬والمراقبة‭ ‬على‭ ‬التنفيذ‭. ‬كما‭ ‬تميزت‭ ‬بتجاوزها‭ ‬عقدة‭ ‬الخضوع‭ ‬التفصيلي‭ ‬لمرئيات‭ ‬بيوت‭ ‬الخبرة‭ ‬الاجنبية‭ ‬التي‭ ‬تصوغ‭ ‬الرؤى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭. ‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة‭ ‬مرئياتها‭ ‬ومقومات‭ ‬بيئتها‭ ‬الوطنية‭ ‬والعربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬الرؤية،‭ ‬فجاءت‭ ‬بحق‭ ‬رؤية‭ ‬سعودية‭ ‬عربية‭ ‬إسلامية‭ ‬تستلهم‭ ‬وتنمي‭ ‬وتطلق‭ ‬خصوصيتها‭ ‬لتكون‭ ‬قاعدة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المستقل،‭ ‬ولتقدم‭ ‬للعالم‭ ‬أنموذجا‭ ‬تنمويا‭ ‬جديدا‭. ‬لذا‭ ‬فقد‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬مكامن‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬والمتمثلة‭ ‬بالمكانة‭ ‬الروحية‭ ‬للمملكة‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬ومن‭ ‬القدرات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬المحركة‭ ‬لتنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمية‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬بوصفها‭ ‬بوابة‭ ‬للعالم‭.‬

وقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬رؤية‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭ ‬هي‭: ‬المجتمع‭ ‬الحيوي،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬المزدهر،‭ ‬والوطن‭ ‬الطموح‭. ‬وهذه‭ ‬المحاور‭ ‬تتكامل‭ ‬وتتسق‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬تجسدها‭ ‬الرؤية‭. ‬ومما‭ ‬يثلج‭ ‬الصدر‭ ‬إدراك‭ ‬الرؤية‭ ‬المتنامي‭ ‬لأهمية‭ ‬توفير‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية،‭ ‬فقد‭ ‬أكّدت‭ ‬الالتزام‭ ‬بتوطين‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬موضحة‭ ‬أن‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭ ‬لتوطين‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬أنشطة‭ ‬صناعية‭ ‬وخدمات‭ ‬مساندة‭ ‬كالمعدات‭ ‬الصناعية‭ ‬والاتصالات‭ ‬وتقنية‭ ‬المعلومات،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭.‬

كما‭ ‬اهتمت‭ ‬الرؤية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬الوطني‭ ‬عبر‭ ‬التوسع‭ ‬النوعي‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬وقطاع‭ ‬الصيد‭ ‬البحري‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بناء‭ ‬مخزونات‭ ‬استراتيجية‭ ‬بمستويات‭ ‬آمنة‭ ‬وكافية‭ ‬لمعالجة‭ ‬الحالات‭ ‬الطارئة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬قطاع‭ ‬الخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬خدمات‭ ‬الموانئ‭ ‬والسكك‭ ‬الحديدية‭ ‬والطرقات‭ ‬والمطارات‭.  ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬السياحة‭ ‬الدينية‭ ‬ممثلة‭ ‬بالحج‭ ‬والعمرة‭ ‬وزيارة‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬فإنّ‭ ‬الرؤية‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬أعداد‭ ‬المعتمرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬لمنظومة‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬وإقامة‭ ‬وغيرها‭ ‬والارتقاء‭ ‬بجودتها‭. ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬تطوير‭ ‬السياحة‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتراثية‭ ‬والبحرية‭ ‬والعائلية‭ ‬والترفيهية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مناشط‭ ‬السياحة‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭. ‬كما‭ ‬أكّدت‭ ‬الرؤية‭ ‬أهمية‭ ‬تنمية‭ ‬قطاع‭ ‬التعدين‭ ‬وزيادة‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬تمتلك‭ ‬مخزونات‭ ‬معدنية‭ ‬كبيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬كالألمنيوم‭ ‬والفوسفات‭ ‬والذهب‭ ‬والنحاس‭ ‬واليورانيوم‭ ‬وغيرها،‭ ‬وقد‭ ‬حققت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬نجاحات‭ ‬باهرة‭. ‬القطاع‭ ‬العملاق‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬ركزت‭ ‬عليه‭ ‬الرؤية‭ ‬هو‭ ‬القطاع‭ ‬العقاري،‭ ‬حيث‭ ‬تمتلك‭ ‬المملكة‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬الاراضي،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بكرا،‭ ‬وهي‭ ‬تمثل‭ ‬خزينا‭ ‬استثماريا‭ ‬مأمولا‭. ‬كما‭ ‬اهتمت‭ ‬الرؤية‭ ‬بقطاع‭ ‬الاعمال‭ ‬الخاص،‭ ‬فقد‭ ‬نصت‭ ‬الرؤية‭ ‬على‭ ‬‮«‬سنسهل‭ ‬ونسرع‭ ‬عملية‭ ‬منح‭ ‬التراخيص‭ ‬لأصحاب‭ ‬الأعمال،‭ ‬وسيكون‭ ‬الأثر‭ ‬التنموي‭ ‬للمشروعات‭ ‬هو‭ ‬المرجعية‭ ‬والأساس‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وسنهيئ‭ ‬بيئة‭ ‬مشجعة‭ ‬للاستثمار‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬كما‭ ‬سنسهل‭ ‬حركة‭ ‬الأفراد‭ ‬والبضائع،‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬التنقل‭ ‬والإقامة‭ ‬أكثر‭ ‬سهولة‭ ‬ويسرا،‭ ‬وسنسهل‭ ‬إجراءات‭ ‬الجمارك‭ ‬في‭ ‬المنافذ‭ ‬كافة‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬وفّت‭ ‬بذلك‭ ‬وأتاحت‭ ‬فرصا‭ ‬نوعية‭ ‬قل‭ ‬نظيرها‭ ‬لنهضة‭ ‬قطاع‭ ‬الأعمال‭ ‬الوطني‭ ‬أولا‭ ‬وجذب‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬ثانيا‭.‬

 

‭ ‬{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا