العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مخاطر سيطرة المليشيات المسلحة في العراق

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ١٧ أغسطس ٢٠٢٣ - 02:00

لن‭ ‬يكون‭ ‬خبراً‭ ‬مفاجئا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬خصميه‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬الإطار‭ ‬التنسيقي،‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬وهادي‭ ‬العامري،‭ ‬هما‭ ‬اللذان‭ ‬يديران‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭ ‬ويتحكمان‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬رئيسها‭ ‬محمد‭ ‬شياع‭ ‬السوداني،‭ ‬ويسيطران‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬بعدما‭ ‬خسرا‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأخيرة‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬حدثاً‭ ‬طبيعياً‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬صراع‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬النظام‭ ‬الطائفي‭. ‬فالأول‭ ‬يستمد‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬قُدر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يؤسسها‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬عبر‭ ‬سنين‭ ‬حكمه‭ ‬الثمانية،‭ ‬والثاني‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬رجل‭ ‬إيران‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬لا‭ ‬لأنه‭ ‬إيراني‭ ‬الجنسية‭ ‬والهوى‭ ‬والعقيدة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬قرباً‭ ‬من‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ولائه‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭.‬

ولكن‭ ‬الصادم‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الصدر‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الاثنين‭ ‬بعدما‭ ‬سمحا‭ ‬لقيس‭ ‬الخزعلي‭ ‬زعيم‭ ‬مليشيا‭ ‬عصائب‭ ‬أهل‭ ‬الحق‭ ‬بمشاركتهما‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬صارا‭ ‬يشعران‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬إمكان‭ ‬أن‭ ‬يكتسحهما‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المحلية‭ ‬المقبلة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬زعيم‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬خطراً‭ ‬يهدد‭ ‬شعبيته‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬إرثه‭ ‬العائلي‭ ‬الذي‭ ‬فشل‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬الاهتداء‭ ‬إلى‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬إليه‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سره‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬الخزعلي‭ ‬إفشاءه‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التلاعب‭ ‬به،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬نسف‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الصدرية‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يملك‭ ‬زعيم‭ ‬مليشيا،‭ ‬كانت‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬هي‭ ‬الأقل‭ ‬عدداً‭ ‬وأضعف‭ ‬عدّة‭ ‬بين‭ ‬الميليشيات،‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يملكه‭ ‬خصوم‭ ‬الصدر‭ ‬التقليديون؟

بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قيس‭ ‬الخزعلي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬جيش‭ ‬المهدي‭ ‬وأحد‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬بدايات‭ ‬انشقاقه‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬زمن،‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬بارتياح‭ ‬إلى‭ ‬تقلبات‭ ‬مزاج‭ ‬الصدر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تعتبره‭ ‬رأس‭ ‬حربة‭ ‬فيما‭ ‬يُسمى‭ ‬بـ«المقاومة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭. ‬كان‭ ‬الصدر‭ ‬يقاتل‭ ‬الأمريكان‭ ‬مضطراً‭ ‬ويفاوضهم‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬شركاءه‭ ‬الشيعة‭ ‬يودون‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭. ‬استطاع‭ ‬الخزعلي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬أن‭ ‬يخترق‭ ‬الحاجز‭ ‬الذي‭ ‬يفصله‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬ليكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مليشياته‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ينفذ‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬إنهاك‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والقيام‭ ‬بضربات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬زمنها‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬مكانها‭.‬

من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يتورط‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬مباشرة‭ ‬مستفيداً‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬الصدر،‭ ‬أنجز‭ ‬الخزعلي‭ ‬مهمات‭ ‬قتالية،‭ ‬أثلجت‭ ‬قلوب‭ ‬الإيرانيين‭ ‬حين‭ ‬صارت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬إسنادهم‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬قواتها‭ ‬والمتعاونين‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬طواقم‭ ‬الشركات‭ ‬الأمنية‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬حزبيّ‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الشيعة‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬تحوم‭ ‬حوله‭ ‬شبهات‭ ‬جرائم‭ ‬كثيرة‭ ‬ارتُكبت‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2007‭ ‬و2008‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعدما‭ ‬وضعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تنظيمه‭ ‬المسلح‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬لكن‭ ‬الوقائع‭ ‬أثبتت‭ ‬حقيقتين‭: ‬أولاهما،‭ ‬أن‭ ‬الحزبيين‭ ‬العراقيين‭ ‬الشيعة‭ ‬الموالين‭ ‬لإيران‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الإيراني‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعراق،‭ ‬وثانيتهما،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬غير‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬بصدام‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمليشيا‭ ‬هاجمت‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬وقتلت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬جنودها‭ ‬وخطفت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬المتعاونين‭ ‬معها‭.‬

مثل‭ ‬معلمه‭ ‬الصدر‭ ‬لم‭ ‬يتخلّ‭ ‬الخزعلي‭ ‬عن‭ ‬عباءة‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬وعمامته،‭ ‬ومثله‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬الهفوات‭ ‬حين‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬السياسة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬خصوم‭ ‬الصدر‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الشيعي‭ ‬لم‭ ‬يناصبوه‭ ‬العداء‭ ‬بسبب‭ ‬حسابات‭ ‬تعلموها‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬أجهزة‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭. ‬كان‭ ‬انتقال‭ ‬الخزعلي‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬متاحا‭ ‬وحظي‭ ‬بمباركة‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيعية‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬زعماؤها‭ ‬على‭ ‬إلحاقه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬القائمة‭ ‬إرضاءً‭ ‬لإيران،‭ ‬معتقدين‭ ‬أنه‭ ‬سيبقى‭ ‬هناك‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ابن‭ ‬مدينة‭ ‬الصدر‭ (‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬سُميت‭ ‬مدينة‭ ‬الثورة‭ ‬ومدينة‭ ‬صدام‭) ‬ليتوقف‭ ‬عند‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬الآخرون‭ ‬لحركته‭. ‬ومثل‭ ‬معلمه‭ ‬لم‭ ‬ينكفئ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬امتيازات‭ ‬مالية‭ ‬وسياسية‭ ‬اعتبرها‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬استحقاقه‭ (‬النضالي‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يصبو‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬قيادي‭ ‬يثبت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أنه‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬سيكون‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المذهب‭ ‬واجهة‭ ‬لها‭. ‬ما‭ ‬يخيف‭ ‬منافسيه‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الفريقين‭ (‬الصدر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والمالكي‭ ‬والعامري‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭) ‬أن‭ ‬زعيم‭ ‬العصائب‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ثقة‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بوابة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬كفاءة‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬اجتياح‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الصدر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطاب‭ ‬وممارسة‭ ‬تردان‭ ‬الاعتبار‭ ‬إلى‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممَن‭ ‬شعروا‭ ‬أن‭ ‬الصدر‭ ‬قد‭ ‬خذلهم‭ ‬حين‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬أصواتهم‭ ‬هارباً‭ ‬إلى‭ ‬عزلته‭.‬

استفاد‭ ‬قيس‭ ‬الخزعلي‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الصدر‭ ‬وخصومه‭ ‬التنسيقيين‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬مواقعه‭ ‬داخل‭ ‬البيئة‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الصدر‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬بيئته‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬فيها‭ ‬واختبر‭ ‬شفرات‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬سقف‭ ‬مطالباته‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الامتيازات،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التشكيلة‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬يعلن‭ ‬أن‭ ‬حصته‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬تحتله‭ ‬حركته‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التمثيل‭ ‬الشيعي‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬الشيعي‭ ‬القديم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوة‭ ‬جديدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكتسح‭ ‬المجالس‭ ‬البلدية‭ ‬في‭ ‬المحافظات‭ ‬ذات‭ ‬الأغلبية‭ ‬الشيعية‭ ‬وبغداد،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬التحول،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يطوي‭ ‬صفحة‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية،‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬بمثابة‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬ستدخل‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬حكومات‭ ‬محلية‭ ‬تديرها‭ ‬مليشيا،‭ ‬ستحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬عمليات‭ ‬الفساد‭ ‬لمصلحتها‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا