العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الثقافة العربية وتحديات التغيير والإصلاح

بقلم: د. عمرو الشوبكي

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

اعتبر‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬والباحثين‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬الطرح‭ ‬المعاصر‭ ‬لقضية‭ ‬‮«‬المستبد‭ ‬العادل‮»‬‭ ‬أساسه‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬واعتبر‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬أنها‭ ‬نتاج‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وأن‭ ‬العرب‭ ‬يفضلون‭ ‬قيمة‭ ‬العدل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬ربطت‭ ‬بالاستبداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الحرية‭.. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالسياق‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يستدعي‭ ‬قيمًا‭ ‬بعينها‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والتراث‭ ‬ويستبعد‭ ‬أخرى‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإرث‭ ‬الثقافي‭ ‬لأي‭ ‬أمة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬بمفرده‭ ‬خياراتها‭ ‬السياسية،‭ ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬سياقات‭ ‬معاشة‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهناك‭ ‬سياقات‭ ‬أخرى‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬أخرى‭.‬

‭ ‬فيقينًا‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاحتلال‭ ‬ومواجهة‭ ‬إسرائيل‭ ‬كان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مُخلّص‭ ‬أو‭ ‬منقذ‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬‮«‬مستبدًا‭ ‬عادلًا‮»‬،‭ ‬فركز‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬الموروث‭ ‬الحضاري‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الحرية،‭ ‬لأسباب‭ ‬مرتبطة‭ ‬بطبيعة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬والأحلام‭ ‬الكبرى‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المخلص‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬‮«‬مستبدًا‭ ‬عادلًا‮»‬‭ ‬أطلت‭ ‬برأسها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انقسام‭ ‬ومواجهات‭ ‬أهلية،‭ ‬فهناك‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وحتى‭ ‬السودان‭ (‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭) ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مخلص‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬مستبدًا،‭ ‬فالمهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رجلا‭ ‬قويا‭ ‬وعادلا‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬المأزومة،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انقسامات‭ ‬أو‭ ‬حروب،‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مخلِّص‭ ‬أو‭ ‬منقذ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬الناس‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والنخب‭ ‬الموجودة‭.. ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬دعم‭ ‬الاستبداد‭.‬

مطلوب‭ ‬التمييز‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬المنقذ‭ ‬أو‭ ‬المُخلِّص‭ ‬والمستبد‭ ‬العادل،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬المخلِّصين‮»‬‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وظهر‭ ‬قادة‭ ‬وسياسيون‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬التقليدي‭ ‬وقدموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مجددين‭ ‬للنظام‭ ‬القائم‭ ‬ومن‭ ‬خارج‭ ‬أطره‭ ‬التقليدية‭ ‬وقواه‭ ‬السائدة،‭ ‬وحملوا‭ ‬في‭ ‬طيات‭ ‬خطابهم‭ ‬معاني‭ ‬تقول‭ ‬إنهم‭ ‬‮«‬منقذون‮»‬‭ ‬لبلادهم‭ ‬من‭ ‬مساوئ‭ ‬النظام‭ ‬القائم‭ ‬ومن‭ ‬هيمنة‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة‭.‬

معيار‭ ‬نجاح‭ ‬هؤلاء‭ ‬متوقف‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬إعطاء‭ ‬أنفسهم‭ ‬أي‭ ‬حصانة‭ ‬خاصة‭ ‬تحولهم‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬المجدد‭ ‬إلى‭ ‬العادل‭ ‬ولو‭ ‬المستبد،‭ ‬والتزامهم‭ ‬بالآليات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وبقواعد‭ ‬دولة‭ ‬القانون،‭ ‬وأن‭ ‬ظهور‭ ‬نخب‭ ‬وحركات‭ ‬سياسية‭ ‬تطرح‭ ‬أفكارا‭ ‬بديلة‭ ‬للمنظومة‭ ‬السائدة‭ ‬أمر‭ ‬حميد‭ ‬ويسهم‭ ‬في‭ ‬تجديد‭ ‬النظم‭ ‬القائمة‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬تكرس‭ ‬الاستبداد،‭ ‬وإنما‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬سياقات‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬تستدعي‭ ‬قيم‭ ‬الاستبداد‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الثقافات،‭ ‬والمطلوب‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬صيغة‭ ‬المنقذ‭ ‬والبطل‭ ‬القومي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الاستبداد‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬جديدة‭ ‬يتحول‭ ‬فيها‭ ‬المنقذون‭ ‬إلى‭ ‬مجددين‭.‬

فكما‭ ‬كان‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬زاخرا‭ ‬بآلاف‭ ‬المجددين‭ ‬والمصلحين،‭ ‬فإننا‭ ‬نحتاج‭ ‬حاليًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نستدعي‭ ‬من‭ ‬ثقافتنا‭ ‬وتراثنا‭ ‬فكر‭ ‬المصلحين‭ ‬ورسائلهم،‭ ‬وليس‭ ‬فكر‭ ‬أي‭ ‬رموز‭ ‬أخرى‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا