العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الوحدة.. من المنظور القرآني!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مصدرها‭ ‬فيما‭ ‬تأخذ‭ ‬أو‭ ‬تدع‭ ‬هو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والسنة‭ ‬الصحيحة‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬المصطفى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬وصلتها‭ ‬بالقرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬فعلينا‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬آياته‭ ‬المحكمات،‭ ‬وآيات‭ ‬الأحكام‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تنقسم‭ ‬إلى‭ ‬صنفين؛‭ ‬الصنف‭ ‬الأول‭: ‬الآيات‭ ‬المحكمات‭ ‬التي‭ ‬هن‭ ‬أم‭ ‬الكتاب،‭ ‬أما‭ ‬الصنف‭ ‬الثاني‭ ‬فهي‭: ‬الآيات‭ ‬المتشابهات،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الآيات‭ ‬المحكمات‭ ‬قطعية‭ ‬الدلالة‭ ‬والثبوت‭ ‬فإن‭ ‬الآيات‭ ‬المتشابهات‭ ‬قطعية‭ ‬الثبوت‭ ‬ظنية‭ ‬الدلالة،‭ ‬وللعقل‭ ‬الراشد‭ ‬مجال‭ ‬في‭ ‬التدبر‭ ‬والاعتبار،‭ ‬وفيها‭ ‬تختلف‭ ‬الأنظار،‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وللمسلمين‭ ‬ما‭ ‬يناسبهم‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬بحسب‭ ‬مقتضيات‭ ‬الأحوال‭ ‬وتغير‭ ‬الأزمنة‭ ‬والأمكنة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أنزل‭ ‬عليك‭ ‬الكتاب‭ ‬منه‭ ‬آيات‭ ‬محكمات‭ ‬هن‭ ‬أم‭ ‬الكتاب‭ ‬وأخر‭ ‬متشابهات‭ ‬فأما‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ‬زيغ‭ ‬فيتبعون‭ ‬ما‭ ‬تشابه‭ ‬منه‭ ‬ابتغاء‭ ‬الفتنة‭ ‬وابتغاء‭ ‬تأويله‭ ‬وما‭ ‬يعلم‭ ‬تأويله‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬والراسخون‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬يقولون‭ ‬آمنا‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬ربنا‭ ‬وما‭ ‬يذكر‭ ‬إلا‭ ‬أولوا‭ ‬الألباب‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬7‭).‬

إذن‭ ‬فصريح‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬المحكمات‭ ‬نزل‭ ‬بأحكام‭ ‬قطعية‭ ‬الثبوت‭ ‬قطعية‭ ‬الدلالة،‭ ‬أما‭ ‬الآيات‭ ‬محل‭ ‬النظر‭ ‬والاجتهاد‭ ‬فهي‭ ‬الآيات‭ ‬قطعية‭ ‬الثبوت‭ ‬ظنية‭ ‬الدلالة،‭ ‬وحين‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬قرآني‭ ‬نجد‭ ‬صريح‭ ‬الآيات‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة،‭ ‬وتحض‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إن‭ ‬هذه‭ ‬أمتكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬ربكم‭ ‬فعبدون‮»‬‭ (‬الأنبياء‭: ‬92‭).‬

يا‭ ‬لجلال‭ ‬النص‭ ‬القرآني،‭ ‬ويا‭ ‬لعظمة‭ ‬الدلالة‭ ‬القرآنية‭ ‬على‭ ‬أصالة‭ ‬معنى‭ ‬الوحدة‭ ‬وثباتها،‭ ‬بل‭ ‬لخلودها‭ ‬طالما‭ ‬هي‭ ‬متصلة‭ ‬بالعقيدة،‭ ‬حافظة‭ ‬لوشائج‭ ‬القربى‭ ‬بها‭. ‬

إن‭ ‬ارتباط‭ ‬الوحدة‭ ‬بالتوحيد‭ ‬يخلع‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬بعدًا‭ ‬أصيلًا،‭ ‬ورابطة‭ ‬إنسانية‭ ‬عظيمة،‭ ‬ولقد‭ ‬عودنا‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬ويعلي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬يجعل‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بالتوحيد،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬مكانة‭ ‬الوالدين‭ ‬والبر‭ ‬بهما‭: ‬‮«‬وقضى‭ ‬ربك‭ ‬ألا‭ ‬تعبدوا‭ ‬إلا‭ ‬إياه‭ ‬وبالوالدين‭ ‬إحسانا‭ ‬إما‭ ‬يبلغن‭ ‬عندك‭ ‬الكبر‭ ‬أحدهما‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‭ ‬فلا‭ ‬تقل‭ ‬لهما‭ ‬أفٍ‭ ‬ولا‭ ‬تنهرهما‭ ‬وقل‭ ‬لهما‭ ‬قولًا‭ ‬كريما‮»‬‭ (‬الإسراء‭: ‬23‭).‬

إذن‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬تعظيم‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬الشؤون،‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬يجعل‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بالعقيدة،‭ ‬فيعظم‭ ‬مقامها،‭ ‬ويعلو‭ ‬شأنها‭. ‬وحين‭ ‬نحاول‭ ‬تتبع‭ ‬أصل‭ ‬الوحدة‭ ‬ومدلولاتها‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬سنجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الأصالة،‭ ‬وتقوي‭ ‬وشائجها‭ ‬بكتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الذي‭ ‬تكفل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بحفظه،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭.‬

والوحدة‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬القرآني‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بالقرآن‭ ‬من‭ ‬ناحيتين،‭ ‬الأولى‭: ‬صلتها‭ ‬بالعقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬أرقى‭ ‬تجلياتها،‭ ‬فيكون‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬الوحدة‭ ‬التوحيد،‭ ‬أما‭ ‬الصلة‭ ‬الثانية‭ ‬للوحدة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬فنجدها‭ ‬في‭ ‬التزام‭ ‬الوسيلة‭ ‬الهادية‭ ‬إليها،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬واعتصموا‭ ‬بحبل‭ ‬الله‭ ‬جميعًا‭ ‬ولا‭ ‬تفرقوا‭ ‬واذكروا‭ ‬نعمة‭ ‬الله‭ ‬عليكم‭ ‬إذ‭ ‬كنتم‭ ‬أعداء‭ ‬فألف‭ ‬بين‭ ‬قلوبكم‭ ‬فأصبحتم‭ ‬بنعمته‭ ‬إخوانًا‭ ‬وكنتم‭ ‬على‭ ‬شفا‭ ‬حفرة‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬فأنقذكم‭ ‬منها‭ ‬كذلك‭ ‬يبين‭ ‬الله‭ ‬لكم‭ ‬آياته‭ ‬لعلكم‭ ‬تهتدون‮»‬‭ (‬آل‭ ‬عمران‭: ‬103‭)‬،‭ ‬وتجدها‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬شيوع‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام،‭ ‬نجدها‭ ‬في‭ ‬الصلاة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬الجماعة،‭ ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬صلاة‭ ‬الجماعة‭ ‬تفضل‭ ‬صلاة‭ ‬الفرد‭ ‬بسبع‭ ‬وعشرين‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬صلاة‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬يصلي‭ ‬المسلم‭ ‬منفردًا‭ ‬فإن‭ ‬ضمير‭ ‬الجماعة‭ ‬يظل‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬إياك‭ ‬نعبد‭ ‬وإياك‭ ‬نستعين‭(‬6‭) ‬اهدنا‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬صراط‭ ‬الذين‭ ‬أنعمت‭ ‬عليهم‭ ‬غير‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬الضالين‭(‬7‭)‬‮»‬‭ (‬الفاتحة‭).‬

هكذا‭ ‬يحافظ‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬الوحدة‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬ينفرد‭ ‬المسلم‭ ‬بعبادة‭ ‬من‭ ‬العبادات‭. ‬أيضًا‭ ‬نجد‭ ‬تجليات‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬فريضة‭ ‬الصوم،‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬اهتمام‭ ‬القرآن‭ ‬بهذا‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واضحًا‭ ‬جليًا‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬حرص‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح،‭ ‬وصلاة‭ ‬القيام،‭ ‬وصلاة‭ ‬العيد،‭ ‬وتجده‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬التزام‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فطرهم‭ ‬وإمساكهم،‭ ‬ويعود‭ ‬للمجالس‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬نشاطها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وحيويتها،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عبادة‭ ‬الزكاة،‭ ‬وفِي‭ ‬الحج‭ ‬بلغت‭ ‬الوحدة‭ ‬أعظم‭ ‬تجلياتها‭ ‬في‭ ‬التوحيد‭ ‬والوحدة‭ ‬فجميع‭ ‬الحجاج‭ ‬يلبون‭ ‬بدعاء‭ ‬واحد،‭ ‬ويطوفون‭ ‬حول‭ ‬بيت‭ ‬واحد،‭ ‬ويتجهون‭ ‬في‭ ‬صلاتهم‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭: ‬الأصلية‭ ‬والفرعية‭ ‬لأنهم‭ ‬يتحلقون‭ ‬حول‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭. ‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الوحدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬القرآني‭.. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬تجلياتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وشيوعها‭ ‬في‭ ‬آياته‭ ‬المبينات‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا