العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٩٠ - السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحاجة إلى مبادرة دولية قبل انهيار فرص السلام

بقلم: د. نبيل فهمي

الجمعة ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

نظراً‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬بلغته‭ ‬الشراسة‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لن‭ ‬تكفي‭ ‬الإجراءات‭ ‬الموقتة‭ ‬المتزايدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية،‭ ‬فما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬التوترات‭ ‬وانتشار‭ ‬الألم‭ ‬العميق‭ ‬هو‭ ‬دبلوماسية‭ ‬شجاعة‭ ‬وطموحة‭ ‬وخلاقة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إدامة‭ ‬دورة‭ ‬العنف،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إن‭ ‬أخذنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭ ‬الوجودية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬والقادة‭ ‬الإسرائيليين‭.‬

تنبغي‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬وحل‭ ‬القضايا‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭- ‬الإسرائيلي‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬سياسية‭ ‬مفصلة‭ ‬يرسخها‭ ‬قرار‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬المطروحة‭ ‬جوهرية‭ ‬ومتينة‭ ‬بحيث‭ ‬تعالج‭ ‬المشكلات‭ ‬الملحة‭ ‬والفورية،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬نهاية‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬فلسطين‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بغية‭ ‬الدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬تغيير‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬الديناميات‭ ‬السياسية‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعي‭ ‬الطرفين‭ ‬وحثهما‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬الانتقام‭ ‬وحتى‭ ‬نبذ‭ ‬القادة‭ ‬المتعنتين‭ ‬إن‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭.‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أساوي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬بين‭ ‬المحتل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬ذلك‭ ‬الشعب‭ ‬الواقع‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬منذ‭ ‬سبعة‭ ‬عقود،‭ ‬لكن‭ ‬الألم‭ ‬والمعاناة‭ ‬من‭ ‬الجهتين‭ ‬قد‭ ‬ولّدا‭ ‬ثقافة‭ ‬ثأر‭ ‬وقصاص‭ ‬متبادلة‭ ‬بعد‭ ‬عمليات‭ ‬سلام‭ ‬فاشلة‭ ‬متكررة‭ ‬ودوامة‭ ‬عنف‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭.‬

يشكل‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭ ‬للصراع‭ ‬العربي‭- ‬الإسرائيلي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الشق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فيعيش‭ ‬الناس‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال،‭ ‬شهادة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬يولد‭ ‬العنف،‭ ‬ورأينا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬المستوطنين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬ودفاع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬ديارهم‭ ‬وأراضيهم،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬حل‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬عبر‭ ‬إنهاء‭ ‬الأعمال‭ ‬العدوانية‭ ‬موقتاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭ ‬القضية‭ ‬الأساسية‭ ‬لن‭ ‬يوفر‭ ‬الأمان‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ولن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬للفلسطينيين‭.‬

يعود‭ ‬سبب‭ ‬الفشل‭ ‬المتكرر‭ ‬لعمليات‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭- ‬الإسرائيلي‭ ‬لامتداد‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬تغير‭ ‬خلالها‭ ‬القادة‭ ‬السياسيون‭ ‬كما‭ ‬تغير‭ ‬النهج‭ ‬القائم،‭ ‬وخير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬أوسلو‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إسحق‭ ‬رابين‭ ‬والجهود‭ ‬التالية‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬وفاة‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭.‬

أما‭ ‬استئناف‭ ‬عملية‭ ‬سلام‭ ‬مطولة‭ ‬ومبهمة‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين،‭ ‬فلن‭ ‬يكتسب‭ ‬زخماً‭ ‬ولن‭ ‬يتسم‭ ‬بالصدقية‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حشد‭ ‬الدعم‭ ‬الضروري‭ ‬من‭ ‬جمهوري‭ ‬الطرفين‭ ‬لحل‭ ‬القضايا‭ ‬النهائية‭ ‬الصعبة‭ ‬مثل‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬والتدابير‭ ‬الأمنية‭ ‬ووضع‭ ‬القدس‭ ‬واللاجئين‭ ‬والتعويضات‭ ‬المالية،‭ ‬إلخ‭.‬

بلغت‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬مفترق‭ ‬طرق،‭ ‬وأمامنا‭ ‬بدائل‭ ‬على‭ ‬طرفي‭ ‬نقيض،‭ ‬فإما‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬الشامل‭ ‬أو‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬الثأر‭ ‬والقصاص‭ ‬المدمرة‭.‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬الخيار‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬يمكن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الخسارة‭ ‬المأسوية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬ضحية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سدى،‭ ‬ويمكن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬على‭ ‬رغم‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تكبدوها،‭ ‬فقد‭ ‬ضمنوا‭ ‬أمنهم‭ ‬إلى‭ ‬أمد‭ ‬بعيد‭.‬

وأفضل‭ ‬السبل‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬سلام‭ ‬شاملة‭ ‬تعالج‭ ‬القضايا‭ ‬الفورية‭ ‬والمزمنة،‭ ‬تدون‭ ‬دولياً‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬لمجلس‭ ‬أمن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتتصدى‭ ‬للأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬والملحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وقف‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬ووقف‭ ‬المناوشات‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬ومعالجة‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتوفير‭ ‬المساعدات‭ ‬وتبادل‭ ‬الرهائن‭ ‬وتحقيق‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬حدود‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬الطفيفة‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬وتوفر‭ ‬حلولاً‭ ‬محددة‭ ‬لوضع‭ ‬القدس‭ ‬وحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بالعودة‭ ‬أو‭ ‬بالتعويض‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬تدابير‭ ‬أمنية‭ ‬مفصلة‭ ‬لحماية‭ ‬الطرفين‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬المباغتة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتؤكد‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬انعقاد‭ ‬قمتها‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬والتي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للأراضي‭ ‬العربية‭ ‬سيمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬ككل‭. ‬وتستدعي‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الركائز‭ ‬توسيعاً‭ ‬وتفصيلاً‭ ‬قد‭ ‬يحدثان‭ ‬بوتيرة‭ ‬متفاوتة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬معالجتها‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬تحت‭ ‬إطار‭ ‬موحد‭ ‬يمنحها‭ ‬أهمية‭ ‬عاجلة‭ ‬وتوجيهاً‭ ‬واضحاً‭.‬

طرحت‭ ‬المحادثات‭ ‬السابقة‭ ‬وفرة‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬التفصيلية‭ ‬المعاصرة‭ ‬للمفاوضات‭ ‬العربية‭- ‬الإسرائيلية‭ ‬وهي‭ ‬مليئة‭ ‬بالمعادلات‭ ‬والتسويات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجميع‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب،‭ ‬والشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينقص‭ ‬هو‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬للقيادات‭ ‬السياسية‭ ‬للأطراف‭ ‬المعنية‭.‬

يظل‭ ‬مطروحا‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬دورها‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬1973،‭ ‬لكن‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬لإسرائيل‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬متعذراً،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬تجرد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬دورها‭ ‬كوسيط‭ ‬محايد‭ ‬للسلام،‭ ‬ولا‭ ‬تقبل‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬تولي‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬غير‭ ‬الدائمين‭ ‬رعاية‭ ‬المبادرة‭ ‬خياراً‭ ‬تكتب‭ ‬له‭ ‬الحياة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬تفعيل‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمادة‭ ‬99‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لأسباب‭ ‬إنسانية‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬صعب‭ ‬المنال،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬شديد‭ ‬الاضطراب‭ ‬ووسط‭ ‬علاقات‭ ‬يشوبها‭ ‬التردد‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬العالم‭ ‬العظمى،‭ ‬لكن‭ ‬تكرار‭ ‬ممارسات‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬التساهل‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬المظالم‭ ‬ومزيد‭ ‬من‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء‭.‬

{ وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬السابق

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا