أول بحرينية تتدرج في الحقل التعليمي من معلمة روضة إلى معلمة جامعية وباحثة أكاديمية.. حصلت على رسالة الدكتوراه بعد التقاعد.. عضو مؤسس لجمعية البحرين للتنمية الإنسانية.. مدربة مهارات القيادة د. علياء سيد حسن اليوسف لـ«أخبار الخليج»:
يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة: «أصحاب الأحلام الكبيرة لا تهمهم متاعب الرحلة.. ولكن المهم أن يصلوا»!
نعم وحتى لو جاء الوصول متأخرا، فليس هناك أي وقت لبداية تحقيق ما تريده.. فقط ابدأ من أي نقطة، فلقد أثبتت التجارب أنه لا علاقة لأحلامنا بأعمارنا، لأنها لا تشيخ، وتظل مجرد أحلام ما لم تر النور.
من بين هذه التجارب المشار إليها بالبنان ما مرت به تلك المرأة البطلة، التي لم تضع سقفا لطموحاتها، وجعلت من أحلامها وسائل لاختبار قوة شخصيتها، ومدى صلابتها، لتؤكد أنه بداخل كل إنسان منا مجموعة من الأحلام الجميلة التي يسعى إلى تحقيقها عبر مشواره في الحياة، ولكي ترى النور تحتاج فقط إلى عزيمة وإصرار وتخطي لكل العقبات والعثرات التي من الممكن أن تصادفه.
علياء سيد حسن اليوسف، أكاديمية بإحدى الجامعات الخاصة، عضو مؤسس في جمعية البحرين للتنمية الإنسانية، ومدربة في مهارات القيادة، امرأة عاشقة للبذل والعطاء، مشوارها مليء بالتحديات والكفاحات والنجاحات، قررت بعد التقاعد أن تكافئ نفسها بتحقيق حلمها المؤجل 15 عاما وذلك بحصولها على رسالة الدكتوراه، وهو إنجاز تصفه بأنه الأجمل عبر مسيرتها الطويلة، لتؤكد للجميع أن الأحلام ليس لها عمر، وأن العطاء رسالة إنسانية لا بد أن تتواصل دون توقف طالما حيينا.
حول هذه التجربة الإنسانية والعملية الثرية كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك.
- لقد نشأت في أسرة شغوفة بالعلم والتعلم بشدة، وهذا ما منحني الحافز لإكمال مشواري العلمي بعد توقف لسنوات طوال، وصنع مني شخصية معطاءة في هذا المجال، فمنذ صغري كنت طفلة عاشقة لمهنة التعليم، حتى أصبحت هذه المهنة مستقبلا جزءا من حياتي، وأذكر أن والدي كان يقدر النجاح من صف لصف كثيرا، ويحتفل بنجاحنا بكل حماس، ويمنحنا هدايا ثمينة، الأمر الذي أعطى للنجاح في داخلنا قيمة كبيرة، ومعنى جميلا، وحافزا قويا لتحقيقه، حتى أنه لم يكن يفعل نفس الشيء عند الاحتفال بأعياد ميلادنا، وقد التحقت بجامعة البحرين لدراسة تخصص الحاسب الآلي، وكان حينئذ من التخصصات الجديدة، ورغم حماسي له نظرا لكونه شيئا مبتكرا إلا أنني مع الوقت لم أجد نفسي فيه، فقررت هنا إحداث نقلة في مساري العلمي.
كيف حدثت النقلة؟
- مع مرور الوقت والتجربة العملية اكتشفت شغفي في التعامل مع الناس والتواصل معهم، فأقدمت على إكمال دراستي في مجال الموارد البشرية، وذلك بعد حصولي على دبلوم مشارك في الحاسب الآلي، وحصلت على البكالوريوس في تخصص الأنظمة الإدارية ثم في الموارد البشرية.
أول محطة عملية؟
- في البداية عملت في رياض الأطفال وكان ذلك أثناء الدراسة الجامعية، وحدث ذلك بعد الإنجاب، وكنت قد تفرغت لأسرتي بعد حصولي على دبلوم الحاسب الآلي، وحين كبر أبنائي وأصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم قررت العودة إلى الدراسة من جديد، وحصلت على رسالة الدكتوراه في إدارة المعرفة، وذلك بعد التقاعد، وبذلك تحقق حلمي المؤجل حوالي 15 عاما، قضيتها ما بين الأسرة والعمل في رياض الأطفال والمدارس الخاصة، وبعد حصولي على الرسالة التحقت للعمل في التدريس من جديد بالجامعة والتي كانت قد قدمت لي كل الدعم للحصول على رسالة الماجستير حول تنمية الموارد البشرية.
كيف جاء قرار دراسة الدكتوراه؟
- بعد التقاعد، فكرت في مكافاة نفسي، وشعرت بأن تحقيق حلم الحصول على الدكتوراه هو أجمل مكافأة لي بعد سنوات من العمل والجهد والتعب من أجل الآخرين، وبالفعل أنفقت على دراستي من مكافاة نهاية الخدمة التي امتدت حوالي 28 عاما من العمل في إدارة رياض الأطفال والمدارس، جمعت خلالها بين مسؤوليات لكوني موظفة وأما وزوجة، هذا فضلا عن دوري المجتمعي من خلال المشاركة في تأسيس جمعية نسائية إنسانية حققت من خلالها رسالة مهمة في الحياة حيث التحقت بها أثناء فترة عملي برياض الأطفال، وكانت لي أهداف عدة من وراء ذلك.
ما أهم تلك الأهداف؟
- لقد لعبت دورا مهما من خلال ترؤسي برنامج التنمية الإنسانية «القيادة الأخلاقية والمواطنة الحاضنة للسلام» بالجمعية، ومدربة في هذا المجال، وكان عملي في الجمعية له أثر كبير على صعيد التطور الشخصي والذاتي، وذلك من خلال تسخير القدرات لتحقيق تنمية إنسانية مستدامة، وذلك انطلاقا من رؤية الجمعية والسعي إلى تحقيقها من خلال برنامجي القيادة الأخلاقية والمواطنة الحاضنة للسلام، الأمر الذي حفزني كثيرا نحو التنمية الإنسانية بشكل عام.
أهم إنجاز من خلال الجمعية؟
- من أهم إنجازاتي بالجمعية هو ترك أثر إيجابي لدى كثير من النساء، وإحداث نوع من التغيير الإيجابي في حياتهن وذلك عبر دوري التوعوي وتحسين جودة الحياة لهن من خلال ورش العمل المتنوعة التي أنظمها، وهو ما يشعرني بسعادة بالغة بل بوجودي في الحياة، وقد قامت الجمعية مشكورة بتمكين العضوات وتدريبهن على القيام بدورهن الاجتماعي على أكمل وجه، وعلى تقديم خدماتهن الإنسانية التي تركز على المرأة.
كيف كانت تجربة الدراسة بعد التقاعد؟
- تجربة الدراسة بعد التقاعد لم تكن سهلة، وقد يكون التحصيل العلمي في عمر متأخر صعبا بعض الشيء، ولكني لا أرى أن السن مثل عائقا بالنسبة إلي، خاصة إذا توفر الشغف، بل إنني شعرت بأن الدراسة جددت حياتي، ومنحتني الحيوية والنشاط، على عكس بعض المتقاعدين الذين يشعرون بأنه قد تم الاستغناء عنهم، وأنه لم يعد من ورائهم أي فائدة.
وماذا عن أصعب التحديات؟
- التحدي الأكبر الذي واجهني أثناء إعدادي بحث الدكتوراه هو مسؤوليتي الكاملة عنه من الألف إلى الياء، والاعتماد الكلي على النفس، وعلى التعلم الذاتي، وقد استغرق ذلك مني حوالي ثلاث سنوات، ورغم الآراء المحبطة من البعض وعلامات التعجب والاستغراب من البعض الآخر، إلا أنني كنت أبتسم في وجوههم لإيماني بقدراتي وبثقتي في نفسي، وبأن ما أبذله من جهد ومال هو أهم استثمار لي أنجزته عبر مشواري، فقد كنت أسأل نفسي دوما لماذا أقف عند هذا الحد؟ وما المانع من إكمال المشوار؟ وحين أفكر في الإجابة عن تساؤلاتي كان يحضرني دوما مقولة والدتي لي إن الخطوات والتحديات الصغيرة قد تحقق النجاح الكبير، الأمر الذي كان يمثل بالنسبة إلي حافزا كبيرا، ومن طرائف الأمور أنني حين تخرجت في الدكتوراه كان ابني الأصغر يدرس الماجستير.
ما بعد الدكتوراه؟
- بعد حصولي على رسالة الدكتوراه منذ عامين بالانتساب لإحدى الجامعات البريطانية، بدأت البحث عن عمل من جديد، فعدت إلى التدريس في الجامعة هذا فضلا عن عملي في مجال الأبحاث، وذلك لأنني على قناعة بأن التقاعد ليس مجرد راحة واستجمام، بل استمرارية في العطاء، وهذه هي السعادة الحقيقية بالنسبة لي، المهم أن يكون الإنسان قادرا على القيام بأدواره ومسؤولياته ويتمتع بمهارة إدارة الوقت، وكم أنا فخورة لكوني أول بحرينية تتدرج في الحقل التعليمي من معلمة روضة إلى معلمة جامعية وباحثة أكاديمية.
كيف ترين الجيل الجديد من خلال عملك بالجامعة؟
- أنا أرى أن البعض من هذا الجيل لا يتمتع بشغف التعلم، بل هدفه هو تحقيق النجاح في حد ذاته، فضلا عن التركيز على النواقص وعدم تقدير ما يتمتع به من نعم، وأعتقد أن أهم ما يحتاج إليه الشباب هو التوجيه والإرشاد لاكتشاف الطاقات بداخلهم، وتوعيتهم بأن الحياة ليست مادة وتنافسا، بل هي جد واجتهاد وتعلم، ولله الحمد استطعت مساعدة بعض الشباب في النظر إلى الكثير من الأمور بشكل إيجابي، والإيضاح لهم بأن التعثر ليس إلا فترة يتم بعدها العودة بشكل أقوى.
درس علمتك الحياة إياه؟
- لقد علمتني تجارب الحياة كيف أتعامل مع الألم بحيث يمكنني تحويله إلى طاقة إيجابية تنعكس على الآخرين من حولي، وتدريبهم على الوقاية من الوقوع في نفس الأخطاء من جديد، والعمل على رفع منسوب الخير لديهم.
أبحاث تطمحين في العمل عليها؟
- أتمنى إجراء أبحاث تتعلق بالتنمية الإنسانية، وترتبط بالقضايا التي تعنى بها مشاريع الجمعية، كالتنشئة الاجتماعية، ومفاهيم برنامجي المواطنة الحاضنة للسلام والقيادة الأخلاقية، وأن أترك بصمة جميلة خاصة بي من خلال ذلك بوطني الغالي وأن أكون قدوة حسنة لأبنائي الذين قدموا لي الكثير من الدعم عبر مسيرتي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك