يقول الشاعر والكاتب والفيلسوف الأمريكي المعاصر كريس جامي: «القدرة على الإبداع هو الخلق بالقلب.. والبناء بالعقل»!
بالفعل، القادرون على الإبداع هم من يفكرون بشكل مختلف، ويحكمون العاطفة والعقل عند اتخاذ أي خطوة، ويواصلون المحاولة بنظرة إيجابية للأشياء، ولا توجد في قاموسهم كلمة مستحيل، والأهم يحبون ما يفعلون.
هذا هو النهج الذي سارت عليه تلك المرأة العصامية المكافحة عبر مسيرتها، والتي لم تستسلم لأي عثرات أو انكسارات، بل توحدت معها، وحققت انتصارات بطولية في معركة البقاء، وأثبتت أن كل سقوط يتبعه نهوض، وأن الضربات مهما كانت شدتها يكون التعافي منها قويا بقدر قسوتها.
نوال إبراهيم البصري، سيدة أعمال من طراز خاص، صاحبة خبرة تمتد إلى أكثر من 13 عاما في القطاع المصرفي، حين تعرضت للفصل التعسفي من أحد البنوك، رددت في نفسها مقولة: «لا تنظر إلى الخلف.. أنت لن تسير في ذلك الاتجاه»، فاختزنت همومها وأوجاعها، وتعالت عليها، وحولتها إلى بداية جديدة بحماس أشد، وإلى وقود لانطلاقة قوية في عالم الأعمال الحرة، وذلك من خلال إطلاق مشروع يتعلق بالأعراس هو الأول من نوعه بالبحرين، يجمع بين التصوير التوثيقي وتجارة فساتين الزواج، لتؤكد أن كل أزمة يفيض منها العطاء والخير والنجاح، وأن النعم الكبيرة تأتي بالمثابرة الاستثنائية.
حول هذه التجربة الملهمة كان الحوار التالي:
متى بدأت هواية التصميم؟
- بدأت هواية التصميم منذ طفولتي، فقد كنت عاشقة بشدة لفن الرسم بشكل عام وشاركت في عديد من المسابقات علي مستوى البحرين، وأذكر أنني فزت في المرحلة الابتدائية عن لوحة تطرقت فيها إلي ذوي الاحتياجات الخاصة ، هذا فضلا عن ممارستي لهواية التصوير في سن صغير للغاية، وقد أهدتني والدتي كاميرا في المرحلة الإعدادية لإشباع تلك الهواية، وبالفعل كنت أقوم بالتصوير في مختلف المناسبات، وكنت متفوقة دائما في دراستي، ومن الأوائل في كل المراحل التعليمية، وتم تكريمي في الثانوية العامة من قبل الراحل رئيس الوزراء السابق، وكثيرا ما تمنيت أن أصبح مهندسة في المستقبل إلا أنني توجهت الي مسار آخر مختلف تماما.
وما هو ذلك المسار؟
- لقد توجهت إلي دراسة المحاسبة في جامعة البحرين حيث حصلت على بعثة دراسية في هذا التخصص، وذلك تماشيا مع رغبتي في الاقتداء بوالدتي المصرفية إلي جانب عشقي لمادة الرياضيات بشكل عام، وبالفعل دخلت القطاع المصرفي بعد تخرجي مباشرة حيث كنت من بين الطلبة المتميزين الذين تم اختيارهم من قبل أحد البنوك خلال العام الدراسي الأخير، وبعد التخرج بدأت مشواري العملي، واكتسبت خبرة طويلة عبر سبع سنوات من العمل الجاد والدؤوب بذلك البنك، ثم انتقلت إلى العمل لدى بنك آخر مدة أربع سنوات، ثم جاءت الصاعقة التي قلبت حياتي رأسا على عقب بعد خبرة مصرفية امتدت إلى أكثر من 13 عاما، وأحدثت أهم نقلة في مشواري إنسانيا وعمليا.
حدثينا عن تلك النقلة المهمة؟
- لقد فوجئت بقرار البنك بالاستغناء عن عدد من الموظفين ضمن سياسة تقليص النفقات وكنت من بينهم، وبالطبع كان خبر فصلي كالصاعقة بالنسبة إلي، الأمر الذي أصابني بالصدمة وباكتئاب شديد في البداية، حيث كنت مشوشة للغاية، وكان أمامي خيارات متعددة، فقررت المواصلة وعدم الاستسلام والنهوض من جديد، رغم كل المخاوف وتفرغت لهواية التصوير التي لازمتني منذ الصغر، واخترت ممارستها بأسلوب مميز ومختلف، وهو ما يطلق عليه التصوير التوثيقي، حيث كنت من أوائل من احترفوه، ويمكن القول إن خروجي من البنك بهذه الطريقة أثر كثيرا في شخصيتي، وبدل من نظرتي إلى الحياة ولأمور كثيرة.
كيف كانت البداية الجديدة؟
-كنت قد بدأت القيام بتصوير الأعراس خلال عملي بالبنك، وذلك بعد أن شعرت بحاجة البعض إلى أسلوب مبتكر للتصوير غير التقليدي الذي اعتدنا عليه، وهو ما واجهته أنا شخصيا في حفل زواجي، حيث لم تكن صوري بالمستوى المطلوب ، ومن هنا قررت احتراف هذه المهنة بشكل مميز ، حيث كنت أصور المناسبات العامة والخاصة، وقد شجعني على خوض هذا المشروع زوجي الذي يعمل مصورا أيضا، ودخلت المجال من أوسع أبوابه وذاع صيتي لكوني من أوائل الذين احترفوا التصوير التوثيقي، وحققت شهرة واسعة ولله الحمد ، ثم فكرت في التوسع، وإدخال حرفة أخرى ضمن عملي الحر.
مثل ماذا؟
-لقد فكرت في إدخال حرفة تجارة فساتين الأعراس ومستلزماتها وهو مشروع مكمل لما أقوم به فعليا، وبالفعل توسع مشروعي وأصبح أكثر شمولية حتي إنني خرجت به إلى المملكة العربية السعودية، وفي البداية كنت مستأجرة لمكتب إداري، ثم افتتحت محلا كبيرا في الجنبية، لاستيعاب التطور الذي طرأ على مشروعي.
مراحل تطور المشروع؟
- هذا المشروع سهل على كل فتاة مقدمة علي الزواج رحلة البحث عن فستان العرس، ويقوم بتقديم خدمة متكاملة لها تجمع بين التصوير والتصاميم المختلفة لفساتين الأعراس في مكان واحد، ثم توسعت أكثر وقدمت كذلك فساتين السهرة، وكل ما يتعلق بالعرس ومستلزماته، وكان أول مشروع من نوعه يتعلق بالأعراس، ولكن للأسف تزامن افتتاحه مع اندلاع جائحة كورونا الأمر الذي فرض علي مواجهة الكثير من التحديات.
أهم التحديات؟
بالطبع واجهت مشاكل كثيرة بسبب الإغلاق الذي عم العالم أجمع من وراء جائحة كورونا، الأمر الذي كبدني خسائر كبيرة، خاصة وأنني سخرت كل ما أملك من رأسمال في سبيل إطلاق هذا المشروع، ولكن بعد عدة أشهر حدث الانفراج شيئا فشيئا، وكان العمل خلال العامين الأولين صعبا ومحدودا، ولم يحدث أن جنيت أي أرباح في تلك المدة، ثم تحسنت الأوضاع وتطور المشروع وعرفه الناس وحقق صيتا ذائعا، علما بأن كل الفساتين من تصميمي ويتم تنفيذها في مصانع عالمية بعدد من الدول الأوروبية ، ومؤخرا افتتحت مشروعا آخر في نفس المجال أيضا.
وما هو؟
- إلي جانب مشروعي الأول الذي يجمع بين التصوير وفساتين الزفاف، قررت افتتاح مشروع آخر مكمل له لتأجير فساتين الأعراس، وذلك لمواكبة أذواق ومستويات ومتطلبات كل الفئات والطبقات، وهو مشروع حديث العهد أتمنى التوفيق فيه وتحقيق النجاح من خلاله، ويقدم أزياء من تصاميمي تم صنعها كذلك في أوروبا وبأسعار تناسب الجميع، ومقره وسط عدد من المحلات التي تعمل في نفس المجال.
نصيحتك للشباب؟
-لا شك أنني مررت بأزمات عديدة وبمراحل صعبة وبصدمات كانت من الممكن أن تكسرني، وخاصة بعد أن فقدت وظيفتي تعسفيا وكذلك خلال جائحة كورونا، الأمر الذي أوقعني تحت ضغوطات نفسية شديدة، ولكني بالإرادة والإصرار عزمت علي النهوض والمواصلة في كل مرة أتعثر فيها، لذلك أنصح أي شاب لا تضع نفسك تحت رحمة الوظيفة حتي لو كانت في الجهات الحكومية، فليس هناك شيء مضمون في هذه الحياة أو العصر الذي نعيشه، وابحث دائما عن شغفك وعن فرصة بديلة تبدع فيها قبل أن تخونك الظروف وحصن نفسك ضد غدر الزمان، فالجميع معرض له في أي وقت، وهذا ما حاولت غرسه في نفوس أبنائي إلي جانب غيرها من المبادئ.
ماذا غرست في نفوس أبنائك؟
أهم قيمة حرصت علي تعليمها لأبنائي وغرسها في نفوسهم هي أهمية العلم وعدم التخوف من العمل الحر أو الفشل في تجربته، وأنه ليس هناك مستحيل ، فنحن نعيش اليوم زمن المشاريع الخاصة، وبصفة عامة يمكن القول إنني متفائلة تجاه ما يحمله الجيل الجديد من فكر متطور، فهو يملك الكثير من الوعي فيما يتعلق بضرورة حصر أنفسهم داخل دائرة الوظيفة أو التخصصات التقليدية، وفئة عريضة من شبابنا يتوجه في الوقت الراهن نحو مجالات مبتكرة مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي علي سبيل المثال لا الحصر، إيمانا منهم بأنها هي المستقبل.
حلمك؟
-حلمي الكبير بعد كل ما حققته ولله الحمد هو مزيد من التطور والتوسع في مشاريعي سواء علي الصعيد المحلي أو الخارجي، وأن أحافظ على السمعة الطيبة التي صنعتها بجهدي وتعبي سنوات طويلة، وأن أترك بصمة مميزة في مجالي، وأواصل مسيرة مشاركة الناس في مناسباتهم السعيدة والجميلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك