العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية

الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬مؤتمرٌ‭ ‬كبيرٌ‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمفتين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المذاهب‭ ‬والطوائف‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬

المؤتمر‭ ‬أصدر‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬أعماله‭ ‬وثيقة‭ ‬مهمة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬وثيقة‭ ‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬

الوثيقة‭ ‬مطولة‭ ‬وتفصيلية‭ ‬وتضم‭ ‬28‭ ‬بندا،‭ ‬ويمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬ودعت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الآتية‭:‬

أولا‭: ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬أمة‭ ‬واحدة،‭ ‬وأن‭ ‬الوحدة‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمسلمين‭ ‬واجب‭.‬

تقول‭ ‬الوثيقة‭: ‬‮«‬المسلمون‭ ‬أمّةٌ‭ ‬واحدةٌ،‭ ‬يَعبدون‭ ‬ربّاً‭ ‬واحداً،‭ ‬ويتلُون‭ ‬كتاباً‭ ‬واحدا،‭ ‬ويتّبعون‭ ‬نبياً‭ ‬واحداً،‭ ‬ويَجمعُهم‭ ‬مهما‭ ‬تناءت‭ ‬بهم‭ ‬الديار‭ ‬قبلةٌ‭ ‬واحدة،‭ ‬وقد‭ ‬شرّفهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬الجامع‮»‬‭. ‬وتؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوحدة‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمسلمين‭ ‬واجبٌ‭ ‬ديني‭ ‬متأصل‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الشعوب‭ ‬المسلمة‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬تأكيد‭ ‬وحدة‭ ‬المسلمين‭ ‬تذكر‭ ‬الوثيقة‭ ‬الوحدة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬تحقيقُ‭ ‬مقاصد‭ ‬التشريع‭ ‬في‭ ‬حِفظ‭ ‬الضروريات‭ ‬الخمس؛‭ ‬فـ‭(‬الدين‭ ‬مرتكز‭ ‬الهوية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومحورُها‭)‬،‭ ‬و‭(‬حرمةُ‭ ‬النفس‭ ‬تعني‭ ‬الكرامة،‭ ‬والأمن،‭ ‬والحياة‭)‬،‭ ‬و‭(‬رعايةُ‭ ‬العقل‭ ‬تحفظ‭ ‬توازن‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الإفراط‭ ‬والتفريط،‭ ‬أو‭ ‬الخروج‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬جادة‭ ‬الحكمة‭ ‬والرَّشَد،‭ ‬أو‭ ‬الانسياق‭ ‬في‭ ‬مزالق‭ ‬الخَطَل‭ ‬والسفه‭)‬،‭ ‬و‭(‬حمايةُ‭ ‬العِرض‭ ‬صيانةٌ‭ ‬لقيم‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬حفظ‭ ‬حرمة‭ ‬أفراده،‭ ‬وسلامة‭ ‬جماعته‭)‬،‭ ‬و‭(‬حفظُ‭ ‬المال‭ ‬مشتمل‭ ‬على‭ ‬حراسته‭ ‬من‭ ‬الاعتداء،‭ ‬وصيانته‭ ‬من‭ ‬التعدي‭ ‬والفساد‭)‬،‭ ‬وإذْ‭ ‬تعددت‭ ‬الدول‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬المعاصر‭ ‬فثمة‭ ‬ضرورة‭ ‬سادسة‭ ‬هي‭ (‬حفظ‭ ‬الوطن،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مساس‭ ‬بهويته،‭ ‬أو‭ ‬أمنه،‭ ‬أو‭ ‬مكتسباته،‭ ‬أو‭ ‬عموم‭ ‬مصالحه‭)‬‮»‬‭.‬

ثانيا‭: ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬تعدد‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬ليس‭ ‬مدعاة‭ ‬للفرقة‭.‬

تقول‭ ‬الوثيقة‭: ‬تعدُّد‭ ‬المذاهب‭ ‬والرؤى‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬يُحْسَب‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬السنن‭ ‬الكونية‭ ‬القَدَريَّة‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬بحتمية‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتنوع‭ ‬لحكمةٍ‭ ‬أرادها‭ ‬الخالق‭ ‬جل‭ ‬وعلا،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬يعودُ‭ ‬إلى‭ ‬عواملَ‭ ‬منهجيةٍ،‭ ‬تتعلق‭ ‬بأُسُس‭ ‬منطلقات‭ ‬المدارس‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وإلى‭ ‬متغيراتٍ‭ ‬تتصل‭ ‬بظروف‭ ‬مكانية‭ ‬وزمانية‭ ‬وعرفية،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬تلك‭ ‬السُّنة‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬بوعي‭ ‬وحكمة،‭ ‬وفي‭ ‬طليعة‭ ‬ذلك‭ ‬الحذرُ‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الفُرقة‭ ‬والشتات؛‭ ‬فإنّ‭ ‬ما‭ ‬يَجمع‭ ‬أتباع‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‭ ‬أكبرُ‭ ‬مما‭ ‬يفرّقهم،‭ ‬وإن‭ ‬ما‭ ‬يوحّدهم‭ ‬من‭ ‬مستحقات‭ ‬الأخوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أعظمُ‭ ‬ممّا‭ ‬تتعدد‭ ‬فيه‭ ‬رؤاهم‭.‬

ثالثا‭: ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬التعصب‭ ‬المذهبي‭ ‬والطائفي‭.‬

تقول‭ ‬الوثيقة‭: ‬‮«‬المشتركاتُ‭ ‬الإسلاميَّةُ‭ ‬مبادئُ‭ ‬راسخةٌ‭ ‬تَجمع‭ ‬في‭ ‬رحابها‭ ‬الواسعة‭ ‬تنوّع‭ ‬الأُمّة،‭ ‬وتتجلى‭ ‬بها‭ ‬مقومات‭ ‬الوَحْدَة،‭ ‬ومشاعرُ‭ ‬الأُلْفة‭ ‬والمسؤولية‭ ‬المشتركة،‭ ‬لتزرع‭ ‬بوعيها‭ ‬الداخلي‭ ‬مناعة‭ ‬ذاتية‭ ‬تواجه‭ ‬بها‭ ‬مخاطر‭ ‬التعصبات‭ ‬المذهبية‭ ‬والنعَرات‭ ‬الطائفية‮»‬‭.‬

كما‭ ‬تقول‭ ‬الوثيقة‭: ‬‮«‬الشعاراتُ‭ ‬الطائفيةُ‭ ‬والحزبية‭ ‬بممارساتها‭ ‬المُثيرة‭ ‬للصدام‭ ‬والصراع‭ ‬المذهبي‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬نكبات‭ ‬الأمة،‭ ‬في‭ ‬امتدادٍ‭ ‬تاريخيٍّ‭ ‬مؤلمٍ‭ ‬شَهِدَ‭ -‬بين‭ ‬مد‭ ‬وجزر‭ ‬إشعالَ‭ ‬فتيلِ‭ ‬الغُلُوّ‭ ‬الطائفي‭ ‬وإثارة‭ ‬الفتن،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مآسٍ‭ ‬تعددت‭ ‬مصائبها،‭ ‬وانتهت‭ ‬إلى‭ ‬أحقاد‭ ‬وضغائن،‭ ‬فكان‭ ‬التناحرُ‭ ‬والتدابر،‭ ‬وممارساتُ‭ ‬التهميش‭ ‬البغيض‭ ‬لمكوناتٍ‭ ‬تربطها‭ ‬أخوة‭ ‬الدين‭ ‬ومقاصد‭ ‬الإسلام‭ ‬الكبرى،‭ ‬وما‭ ‬مُني‭ ‬الإسلام‭ ‬وسعِدَ‭ ‬أعداؤه‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬العته‭ ‬الطائفي‭ ‬والسفه‭ ‬الحزبي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬فتن‭ ‬أخرى‭ ‬تسوق‭ ‬إليها‭ ‬المطامع‭ ‬والأهواء‮»‬‭.‬

كما‭ ‬تحذر‭ ‬الوثيقة‭ ‬من‭ ‬الفتن،‭ ‬وتفادي‭ ‬أسبابها،‭ ‬والتصدي‭ ‬للمحرّضين‭ ‬عليها‭ ‬والمروِّجين‭ ‬لها،‭ ‬والتنديدُ‭ ‬بإثارتها‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬وفي‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬بعامة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العبارات‭ ‬والشعارات‭ ‬والممارسات‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬تَستهدف‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬الأخوّة‭ ‬الإسلامية‭. ‬

رابعا‭: ‬تعطي‭ ‬الوثيقة‭ ‬اهتماما‭ ‬خاصا‭ ‬لدور‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التلاحم‭ ‬ومحاربة‭ ‬التعصب‭ ‬المذهبي‭ ‬والطائفي‭.‬

تقول‭ ‬الوثيقة‭: ‬‮«‬الخطابُ‭ ‬الإسلامي‭ ‬الإعلامي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الأخوة‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬التنوع‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ونشر‭ ‬الوعي‭ ‬بذلك‭ ‬وتصحيح‭ ‬المفاهيم‭ ‬المغلوطة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مع‭ ‬التصدي‭ ‬للحملات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬المسيئة‭ ‬للإسلام‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬مصدرها‭ ‬ومكانها،‭ ‬مع‭ ‬حث‭ ‬المسلمين‭ (‬وبخاصةٍ‭ ‬المكونات‭ ‬المسلمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الإسلامية‭) ‬على‭ ‬أن‭ ‬يمثّلوا‭ ‬حقيقة‭ ‬دينهم،‭ ‬وأن‭ ‬يتحملوا‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬الجسيمة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬صحيحة‭ ‬تعرِّف‭ ‬بدينهم‭ ‬القويم‮»‬‭.‬

كما‭ ‬تذكر‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬التوظيف‭ ‬السلبي‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬والجديدة‭ ‬يُصعد‭ ‬الخلافات‭ ‬ويثير‭ ‬العداوات‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وحريٌّ‭ ‬بالرسالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬أن‭ ‬تعتمدَ‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة،‭ ‬والحوار‭ ‬الهادف‭ ‬الذي‭ ‬يُؤلف‭ ‬ويقَرِّبُ،‭ ‬وَفْق‭ ‬قيم‭ ‬الأُخُوّة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتبادل‭ ‬النصح‭ ‬الصادق‭ ‬دون‭ ‬مزايدة،‭ ‬ولا‭ ‬استعلاء،‭ ‬ولا‭ ‬تعنيف،‭ ‬ولا‭ ‬تشهير‭.‬

هذه‭ ‬أهم‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬وثيقة‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬تقرر‭ ‬إقامة‭ ‬مؤتمر‭ ‬سنوي‭ ‬حول‭ ‬نفس‭ ‬الموضوع‭. ‬كما‭ ‬تقرر‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬تنسيقية‭ ‬مشتركة‭ ‬باسم‭: ‬‮«‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬بين‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‮»‬‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المؤتمر‭ ‬مهم‭ ‬والوثيقة‭ ‬لها‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬إذ‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الكوارث‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬اليوم‭.. ‬كارثة‭ ‬الطائفية‭ ‬والصراع‭ ‬الطائفي‭ ‬والمذهبي‭. ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬ان‭ ‬ينبه‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المذاهب‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬الوثيقة‭.‬

لكن‭ ‬للأسف‭ ‬القضية‭ ‬أخطر‭ ‬وأبعد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬بكثير‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا