العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

في مواجهة الطائفية

عرضت‭ ‬أمس‭ ‬أهم‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬تضمنتها‭ ‬وثيقة‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬الجسور‭ ‬بين‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬مؤتمر‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭.‬

بالطبع‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬العلماء‭ ‬المسلمون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬وأن‭ ‬يؤكدوا‭ ‬وحدة‭ ‬المسلمين‭ ‬ويحذروا‭ ‬من‭ ‬الطائفية‭ ‬والصراعات‭ ‬المذهبية‭ ‬وينبهوا‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭.. ‬وهكذا‭. ‬هذا‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬أكبر‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬بكثير‭. ‬نعني‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬الطائفية‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمذهبية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬لها‭ ‬أبعاد‭ ‬أكبر‭ ‬وأخطر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬أن‭ ‬يتصدى‭ ‬لها‭ ‬العلماء‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭.‬

الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تواجه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬أزمة‭ ‬كبرى‭.. ‬أزمة‭ ‬استفحال‭ ‬الطائفية‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭.‬

الأزمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مصدرها‭ ‬الأساسي‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬أو‭ ‬علماء‭ ‬اتباع‭ ‬مذاهب‭ ‬مختلفة‭.‬

المصدر‭ ‬الأساسي‭ ‬للأزمة‭ ‬أن‭ ‬الطائفية‭ ‬أصبحت‭ ‬جوهر‭ ‬استراتيجية‭ ‬سياسية‭ ‬كبرى‭ ‬لتدمير‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬وإغراقها‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬والصراع‭ ‬وإضعاف‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عموما‭ ‬بما‭ ‬يهيئ‭ ‬الظروف‭ ‬لاختراقه‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬مقدراته‭.‬

هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬مجيء‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامي‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الطائفية‭ ‬البعد‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬استراتيجيته‭ ‬للنفوذ‭ ‬والهيمنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭.‬

منذ‭ ‬مجيء‭ ‬النظام‭ ‬شرع‭ ‬فورا‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬الفتن‭ ‬والصراع‭ ‬الطائفي‭ ‬الشيعي‭ ‬السني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وتحريض‭ ‬الشيعة‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬وتكريس‭ ‬الوعي‭ ‬الطائفي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الولاء‭ ‬الوطني‭ ‬الجامع‭ ‬والمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬للدول‭ ‬للعربية‭.‬

وأقدم‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬عشرات‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن،‭ ‬وقام‭ ‬بتسليح‭ ‬وتمويل‭ ‬مليشيات‭ ‬طائفية‭ ‬مسلحة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭.‬

عبر‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬العميلة‭ ‬وعبر‭ ‬تكريس‭ ‬الخطاب‭ ‬الطائفي‭ ‬التخريبي‭ ‬نجح‭ ‬النظام‭ ‬الايراني‭ ‬في‭ ‬استراتيجيته‭ ‬بتدمير‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬توجد‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المليشيات‭ ‬وفي‭ ‬فرض‭ ‬نفوذها‭ ‬وسطوتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬هي‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭.‬

الدول‭ ‬الغربية‭ ‬أيضا‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬الطائفية‭ ‬وعلى‭ ‬تأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬لتحقيق‭ ‬استراتيجية‭ ‬تمزيق‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإضعافها‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬تحالفت‭ ‬أمريكا‭ ‬مثلا‭ ‬أثناء‭ ‬أحداث‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬والجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وأرادت‭ ‬تمكينها‭ ‬من‭ ‬الحكم‭.‬

يعني‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬الطويلة‭ ‬الماضية‭ ‬واجهت‭ ‬مخططا‭ ‬التقت‭ ‬فيه‭ ‬الإرادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬مع‭ ‬الإرادة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬الطائفية‭ ‬والفتن‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭.‬

والنتيجة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬تواجه‭ ‬أزمة‭ ‬طائفية‭ ‬كبرى‭ ‬استفحلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬التهديدات‭ ‬لأمن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬واستقرارها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومستقبلها‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الطائفية،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬موقف‭ ‬العلماء‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭. ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭.‬

لكن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭ ‬يتطلب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬يتطلب‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وطنية‭ ‬سياسية‭ ‬شاملة‭.‬

مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬لمحاربة‭ ‬الطائفية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬جانبين‭ ‬كبيرين‭:‬

الأول‭: ‬طرح‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬لمحاربة‭ ‬الطائفية‭ ‬وترسيخ‭ ‬الولاء‭ ‬الوطني‭ ‬الجامع‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬نظرية‭ ‬وعملية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

والثاني‭: ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬للدول‭ ‬والقوى‭ ‬التي‭ ‬تشعل‭ ‬الفتن‭ ‬والصراعات‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭.‬

من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬عربي‭ ‬لمحاربة‭ ‬الطائفية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬وللمليشيات‭ ‬والقوى‭ ‬العميلة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

من‭ ‬دون‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬لتكريس‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬ومحاربة‭ ‬الطائفية،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ردع‭ ‬إيران‭ ‬وعملائها،‭ ‬سيبقى‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬يبذله‭ ‬العلماء‭ ‬وغيرهم‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬محدودا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وحده‭ ‬كفيلا‭ ‬بمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الطائفية‭ ‬وتجاوزها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا