العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العدوان الإسرائيلي الهمجي قتل فرحة رمضان في غزة

بقلم: غادة الحداد

السبت ١٣ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

انتظرت‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬مختلفا‭ ‬عن‭ ‬سابقيه؛‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬عنف‭ ‬ووحشية‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬أو‭ ‬يتراجع‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لهذه‭ ‬السنة‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مسلمي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬2‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬كان‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬وقتا‭ ‬للتجمعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المبهجة،‭ ‬والتأمل‭ ‬الروحي،‭ ‬وتجديد‭ ‬الإيمان،‭ ‬ولمّ‭ ‬شمل‭ ‬الأسرة‭ ‬العزيزة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬ألقت‭ ‬الحروب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬بظلال‭ ‬قاتمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬نابضًا‭ ‬بالحياة‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬إن‭ ‬هجوم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المستمر،‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬32‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬وألحق‭ ‬الدمار‭ ‬بغزة،‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الأكثر‭ ‬دما‭ ‬ودمارا‭.‬

وحتى‭ ‬عندما‭ ‬أقابل‭ ‬المارة‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أتمنى‭ ‬لهم‭ ‬بأدب‭ ‬‮«‬رمضان‭ ‬كريم‮»‬‭.‬

تبدو‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحيات‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭ ‬ومؤلمة‭ ‬بل‭ ‬وصعبة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬جميع‭ ‬احتفالات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبهجة‭ ‬بحداد‭ ‬هادئ،‭ ‬لا‭ ‬تتخلله‭ ‬سوى‭ ‬أصداء‭ ‬الحرب‭ ‬والحزن‭ ‬والمصاعب‭.‬

في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬كنت‭ ‬سعيدًة‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬براتب‭ ‬لائق‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المهنية،‭ ‬وكنت‭ ‬مفعمة‭ ‬بإحساس‭ ‬جميل،‭ ‬حيث‭ ‬فاجأت‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬وأبناء‭ ‬إخوتي‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬22‭ ‬شخصًا‭ ‬بفانوس‭ ‬ملون،‭ ‬إيذانًا‭ ‬بدخول‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭.‬

كانت‭ ‬سعادتهم‭ ‬تغمر‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وتشي‭ ‬بالفرح،‭ ‬وقد‭ ‬أقسمت‭ ‬يومها‭ ‬أن‭ ‬أجعل‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الهدية‭ ‬طقوسًا‭ ‬سنويًّا‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادتي‭ ‬ستسحق‭ ‬بوحشية‭ ‬وعد‭ ‬الفرح‭ ‬هذا‭.‬

اليوم،‭ ‬تغير‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭. ‬يجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬وأبناء‭ ‬إخوتي‭ ‬أنفسهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الخيام‭ ‬ويواجهون‭ ‬الجوع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجبرتهم‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬النزوح‭ ‬والتشرد،‭ ‬فيما‭ ‬غادر‭ ‬آخرون‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬ملجأ‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬‮«‬العادية‮»‬‭ - ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬طبيعية‭ ‬أثناء‭ ‬الحصار‭ - ‬تكون‭ ‬الأسابيع‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬مليئة‭ ‬بالترقب‭ ‬والاستعداد‭.‬

ستعود‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬غزة‭ ‬عندما‭ ‬تزين‭ ‬الأسر‭ ‬والشركات‭ ‬شرفاتها‭ ‬وواجهات‭ ‬متاجرها‭ ‬بالفوانيس‭ ‬للترحيب‭ ‬بالشهر‭ ‬الكريم‭. ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬أخوات‭ ‬زوجي‭ ‬ساعدنني‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬شرفة‭ ‬منزلنا‭ ‬بهذه‭ ‬الفوانيس‭ ‬الصغيرة‭.‬

وقد‭ ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬التقليد‭ ‬العزيز،‭ ‬بقيادة‭ ‬الأمهات‭ ‬الشابات‭ ‬والشباب‭ ‬المتحمسين،‭ ‬جوًا‭ ‬نابضًا‭ ‬بالحياة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الأحياء‭. ‬إن‭ ‬منظر‭ ‬شوارع‭ ‬غزة‭ ‬المضيئة،‭ ‬بفضل‭ ‬المولدات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬أو‭ ‬الألواح‭ ‬الشمسية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالكهرباء‭ ‬المتقطعة،‭ ‬سوف‭ ‬يملأ‭ ‬قلبي‭ ‬بالبهجة‭.‬

لكن‭ ‬رمضان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬شهر‭ ‬حزين‭.‬

لقد‭ ‬خيم‭ ‬الصمت‭ ‬الكئيب‭ ‬على‭ ‬شوارع‭ ‬غزة‭ ‬الليلية‭ ‬النابضة‭ ‬بالحياة‭. ‬فحيث‭ ‬كانت‭ ‬الحياة‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬الآن‭ ‬ركام‭. ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬الأصوات‭ ‬المبهجة‭ ‬للأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يلعبون‭ ‬بصرخات‭ ‬القلب‭ ‬المفجعة‭ ‬لأولئك‭ ‬المحاصرين‭ ‬تحتها‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬غامرت‭ ‬بالتجول‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬الماضي‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمل‭ ‬الضئيل‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أملكه‭ ‬بمثابة‭ ‬إدراك‭ ‬مؤلم‭ ‬لمقدار‭ ‬ما‭ ‬فقدناه‭.‬

لم‭ ‬يتبق‭ ‬سوى‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأكشاك‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬أسواقًا‭ ‬خارجية‭ ‬مفعمة‭ ‬بالحيوية،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تعرض‭ ‬كميات‭ ‬ضئيلة‭ ‬من‭ ‬الليمون‭ ‬والباذنجان‭ ‬والطماطم‭ ‬وصابون‭ ‬الغسيل‭ ‬محلي‭ ‬الصنع‭. ‬كانت‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬مليئة‭ ‬بالحزن‭ ‬واليأس‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أبكي‭ ‬على‭ ‬فقدان‭ ‬تلك‭ ‬الذكريات‭ ‬العزيزة‭.‬

تم‭ ‬استبدال‭ ‬الأضواء‭ ‬والفوانيس‭ ‬الملونة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تزين‭ ‬الطرق‭ ‬بومضات‭ ‬القنابل‭ ‬القاسية‭ ‬والدمار‭ ‬التام‭.‬

أما‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مكتظة‭ ‬بالمصلين‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬إما‭ ‬فارغة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬خراب‭. ‬ويدعو‭ ‬الأئمة‭ ‬الآن‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬العبادة‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬منازلهم‭ ‬أو‭ ‬خيامهم‭ ‬المؤقتة‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الدمار‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬البصري‭.‬

وحلت‭ ‬محل‭ ‬أجواء‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان‭ ‬المليئة‭ ‬بصلاة‭ ‬التراويح‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬وتلاوة‭ ‬القرآن،‭ ‬أصوات‭ ‬انفجارات‭ ‬القنابل‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

أما‭ ‬الروائح‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تملأ‭ ‬شوارع‭ ‬غزة‭ ‬ومتاجرها‭ ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬ذكريات‭ ‬بعيدة‭. ‬وكانت‭ ‬الأسواق‭ ‬المزدحمة،‭ ‬مثل‭ ‬الزاوية،‭ ‬أقدم‭ ‬أسواق‭ ‬غزة،‭ ‬مليئة‭ ‬بدلاء‭ ‬من‭ ‬المخللات‭ ‬الحامضة‭ ‬والزيتون،‭ ‬وعلب‭ ‬من‭ ‬التمور‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأهرامات‭ ‬من‭ ‬البهارات،‭ ‬والفواكه‭ ‬المجففة،‭ ‬والمربيات،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الملونة‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض‭ ‬ودمار‭ ‬عارم‭.‬

عندما‭ ‬كنت‭ ‬صغيرة،‭ ‬كنت‭ ‬أتنقل‭ ‬عبر‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة‭ ‬والمزدحمة‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬دير‭ ‬البلح‭ ‬للاجئين‭ ‬أثناء‭ ‬عودتي‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭.‬

امتلأ‭ ‬الجو‭ ‬بأصوات‭ ‬النساء‭ ‬أثناء‭ ‬الطبخ،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بأصوات‭ ‬الملاعق‭ ‬وأدوات‭ ‬الطبخ‭. ‬كان‭ ‬كل‭ ‬منزل‭ ‬ينبعث‭ ‬منه‭ ‬رائحة‭ ‬مميزة‭ ‬تنفرد‭ ‬بها‭ ‬الوجبات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إعدادها‭ ‬بداخله‭.‬

كانت‭ ‬صديقتي‭ ‬العزيزة‭ ‬حمدة،‭ ‬التي‭ ‬قُتلت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بشكل‭ ‬مأساوي‭ ‬في‭ ‬غارة‭ ‬جوية‭ ‬على‭ ‬منزلها‭ ‬مع‭ ‬زوجها،‭ ‬تملك‭ ‬موهبة‭ ‬خاصة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الأطباق‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬الرائحة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنبعث‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬منزل‭ ‬أثناء‭ ‬الاستعدادات،‭ ‬بينما‭ ‬كنا‭ ‬نسير‭ ‬معًا‭ ‬نحو‭ ‬منازلنا‭. ‬كنت‭ ‬أعشق‭ ‬الساعة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬وصلاة‭ ‬المغرب‭.‬

عندما‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬لم‭ ‬يضطر‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬طهيه‭ ‬للإفطار،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬واضحة‭: ‬الملوخية‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحساء‭ ‬السميك‭ ‬اللذيذ،‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬نبات‭ ‬الملوخية،‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬الافتتاحية‮»‬‭ ‬التقليدية‭ ‬لوجبات‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬مثل‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمهات‭ ‬والجدات‭ ‬الفلسطينيات،‭ ‬اعتقدت‭ ‬والدتي‭ ‬أن‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬النابض‭ ‬بالحياة‭ ‬للملوخية‭ ‬يغرس‭ ‬التفاؤل‭ ‬ويجلب‭ ‬الحظ‭ ‬السعيد‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭.‬

جاء‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬مختلفا‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لدينا‭ ‬ترف‭ ‬الاختيار‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بوجباتنا‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬علب‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬نتلقاها‭ ‬في‭ ‬طرود‭ ‬المساعدات‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الصائمين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الصداع‭ ‬والتعب‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الطعام‭ ‬والكافيين،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬بالإرهاق‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬نعاني‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬ونقص‭ ‬الضروريات‭ ‬الأساسية‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭. ‬

يصوم‭ ‬الناس‭ ‬يومهم‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬الإفطار‭ - ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬باختيارهم،‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬افتقارهم‭ ‬إلى‭ ‬الطعام‭ ‬والماء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العدوان‭ ‬الذي‭ ‬يزرع‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬ويغتال‭ ‬الفرح‭.‬

وقال‭ ‬أخي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المستشفيات‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬ونحن‭ ‬صائمون،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬هل‭ ‬سنصاب‭ ‬بالصداع‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‮»‬‭. ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬بأي‭ ‬صداع‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭.‬

ترافق‭ ‬سحورنا‭ ‬الأول‭ ‬مع‭ ‬غارات‭ ‬جوية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬وقصف‭ ‬مدفعي‭ ‬على‭ ‬دير‭ ‬البلح‭. ‬تنهدت‭ ‬أمي‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬في‭ ‬رمضان‮»‬‭.‬

اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نكافئ‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالقطايف،‭ ‬وهي‭ ‬حلوى‭ ‬محبوبة‭ ‬وشعبية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬متوفرة‭. ‬والكيلوغرام‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬السكر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سعره‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬8‭ ‬شواكل‭ (‬2‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬85‭ ‬شيكلا‭ (‬23‭ ‬دولارا‭).‬

لقد‭ ‬تحولت‭ ‬روح‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ظل‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬لقد‭ ‬أفسحت‭ ‬الولائم‭ ‬والتجمعات‭ ‬المترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬المجال‭ ‬للوجبات‭ ‬المعلبة‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬العائلات‭ ‬تجتمع‭ ‬للاحتفال‭ ‬بل‭ ‬للحداد‭.‬

إن‭ ‬تدمير‭ ‬المنازل‭ ‬والأسواق‭ ‬والمدارس‭ ‬وفقدان‭ ‬الأحباء‭ ‬وتعطيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬جعلنا‭ ‬نتصارع‭ ‬مع‭ ‬الألم‭ ‬والخسارة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصورها‭.‬

لأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر،‭ ‬عانت‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬والمرض‭ ‬والمجاعة‭ ‬والتهجير‭ ‬والطرد‭ ‬والعطش‭. ‬انتظرت‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬مختلفاً‭ ‬عن‭ ‬سابقيه‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬عنف‭ ‬ووحشية‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬أو‭ ‬يتراجع‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭.‬

كنا‭ ‬نصلي‭ ‬ونلهج‭ ‬بالدعاء‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬رمضان‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نفقد‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬أحبابنا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬فقدنا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هذا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وأفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬والأقارب‭. ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬المنازل‭. ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬حياتنا‭. ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬الذكريات‭. ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬نصوم‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الطعام‭ ‬أو‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬الابتسام‭ ‬أو‭ ‬التجارب‭ ‬الروحية‭. ‬فقط‭ ‬الحزن‭ ‬واليأس‭ ‬يسكننا‭.‬

{ صحفية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا