العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٩ - الخميس ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

يونيو في التاريخ المصري

شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬أغرب‭ ‬الشهور‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭. ‬

عندما‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬يونيو‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬أحد‭ ‬تقريبا‭ ‬إلا‭ ‬هزيمة‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬شهد‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬أكبر‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬شكّلت‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭.. ‬شهد‭ ‬أحداثا‭ ‬وتطورات‭ ‬عظيمة‭ ‬وانتصارات‭ ‬باهرة،‭ ‬وشهد‭ ‬أيضا‭ ‬انتكاسات‭ ‬كبرى‭. ‬ليست‭ ‬مبالغة‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬إليه‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬والدولة‭ ‬المصرية‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬وما‭ ‬استقر‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬لما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭.‬

‭ ‬لنتأمل‭ ‬الأحداث‭ ‬والتطورات‭ ‬التالية‭.‬

‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1805‭ ‬تم‭ ‬تنصيب‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬حاكما‭ ‬لمصر‭. ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬هذا‭ ‬الحاكم‭ ‬العبقري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬مصر‭ ‬الحديثة‭ ‬برؤيته‭ ‬وإنجازاته‭ ‬المشهودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬

‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1953‭ ‬تم‭ ‬إعلان‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لتدخل‭ ‬عهدا‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬رجال‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭.‬

‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬رحل‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬تطبيقا‭ ‬لاتفاقية‭ ‬الجلاء‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬وخرجت‭ ‬بموجبها‭ ‬كل‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وليصبح‭ ‬18‭ ‬يونيو‭ ‬عيدا‭ ‬للجلاء‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تحتفل‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬عام‭.‬

‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬أصبح‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬رئيسا‭ ‬لمصر‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭. ‬ومع‭ ‬تولي‭ ‬عبدالناصر‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬دخلت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التغيير‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الداخلية‭ ‬والسياسات‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭.‬

‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬وقعت‭ ‬الهزيمة‭ ‬الكبرى‭ ‬أمام‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬بما‭ ‬أسفرت‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية،‭ ‬سيناء‭ ‬والجولان‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهي‭ ‬الهزيمة‭ ‬التي‭ ‬كسرت‭ ‬أحلاما‭ ‬وحطمت‭ ‬آمالا،‭ ‬وكانت‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬كله‭.‬

في‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬اندلعت‭ ‬الثورة‭ ‬الشعبية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬حكم‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬وأنقذت‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬الضياع‭.‬

هذه‭ ‬أبرز‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭.‬

حين‭ ‬نتأمل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬والتطورات‭ ‬مجتمعة‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬تحولات‭ ‬التاريخ‭ ‬وأحواله‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستخلصه‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬وعبر‭.‬

التاريخ،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وإنما‭ ‬تاريخ‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬والأمم،‭ ‬لا‭ ‬يمضي‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬مستقيم،‭ ‬لا‭ ‬سلبا‭ ‬ولا‭ ‬إيجابا‭. ‬تاريخ‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬يحفل‭ ‬عادة‭ ‬بالانتصارات‭ ‬والإنجازات،‭ ‬وبالهزائم‭ ‬والانكسارات‭.. ‬يحفل‭ ‬عادة‭ ‬بما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬والأمل،‭ ‬وبما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الخجل‭ ‬والإحباط،‭ ‬لكن‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬موجودة‭ ‬وأن‭ ‬تستجمع‭ ‬مصادر‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتعدل‭ ‬مسيرة‭ ‬التاريخ‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬الدولة‭ ‬وقوة‭ ‬وتماسك‭ ‬المجتمع‭.‬

وإذا‭ ‬تأملنا‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬والتطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬سنكتشف‭ ‬فورا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬القوة‭ ‬الأعظم‭.. ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬حفظ‭ ‬الدولة‭ ‬وعدل‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬دوما‭.‬

الشعب‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬نصب‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬حاكما‭ ‬لمصر‭ ‬عبر‭ ‬علمائه‭ ‬ونخبته‭ ‬لتدخل‭ ‬مصر‭ ‬عصر‭ ‬البناء‭ ‬الحديث‭ ‬وعصر‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬القوية‭.‬

والشعب‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أجبر‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬عبر‭ ‬ثوراته‭ ‬ومقاومته‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للاحتلال،‭ ‬وعبر‭ ‬ثوراته‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬ثورة‭ ‬1919،‭ ‬ثم‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬البطولية‭ ‬التي‭ ‬سجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬القناة‭.‬

والشعب‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬الاستسلام‭ ‬والخضوع‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬هزيمة‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والمقاومة‭ ‬ودعم‭ ‬الجيش‭ ‬والقيادة‭ ‬حتى‭ ‬تحقق‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1973‭.‬

والشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أنقذ‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬وحمى‭ ‬كيان‭ ‬المجتمع‭ ‬عندما‭ ‬ثار‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬وهي‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬انحاز‭ ‬إليها‭ ‬جيش‭ ‬مصر‭ ‬الوطني‭.‬

هذا‭ ‬إذن‭ ‬هو‭ ‬درس‭ ‬التاريخ‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستخلصه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬والأحداث‭ ‬العاصفة‭ ‬الكبرى‭.. ‬إن‭ ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬ويحفظ‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والرهان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬الشعب‭. ‬

الدرس‭ ‬الأكبر‭ ‬الآخر‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬التراجع‭ ‬أو‭ ‬الانكسار‭ ‬أو‭ ‬الأزمات‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬العجز،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬اليوم،‭ ‬الاستسلام‭ ‬لليأس‭ ‬أو‭ ‬الإحباط‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل‭. ‬بالعكس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭ ‬بالذات‭ ‬يجب‭ ‬التحلي‭ ‬بالثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬التفكير‭ ‬منصبا‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬نعدل‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭.. ‬كيف‭ ‬نستخدم‭ ‬مصادر‭ ‬قوتنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعديل‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا