العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ماذا وراء تراجع الدور الأوروبي في المنطقة والعالم؟

بقلم: د. عمرو حمزاوي

الثلاثاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

‎من‭ ‬يبحث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬منطقتنا‭ ‬وأحوال‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬المتنافسة‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح‭ ‬بين‭ ‬الخليج‭ ‬والمحيط،‭ ‬سيكتشف‭ ‬المحدودية‭ ‬البالغة‭ ‬للدور‭ ‬الراهن‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬همها‭ ‬الوحيد‭ ‬هو‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭.‬

‎وإذا‭ ‬كان‭ ‬استنفار‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬طاقاتها‭ ‬لمواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬‭ ‬الأوكرانية‭ ‬يمثل‭ ‬سببا‭ ‬أساسيا‭ ‬للتراجع‭ ‬الأوروبي‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬مثلما‭ ‬يشكل‭ ‬تعقد‭ ‬صراعات‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬نشبت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬2023‭ ‬سياقا‭ ‬طاردا‭ ‬للجهود‭ ‬الأوروبية،‭ ‬فإن‭ ‬ثمة‭ ‬أسبابا‭ ‬أخرى‭ ‬تستحق‭ ‬التسمية‭ ‬والتفسير‭.‬

‎فقد‭ ‬أسفر‭ ‬الابتعاد‭ ‬التدريجي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬حلفائها‭ ‬التقليديين‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وهم‭ ‬ولعقود‭ ‬طويلة‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬ضماناتهم‭ ‬الأمنية‭ ‬وسلاحهم‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬استخراج‭ ‬وتكرير‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬ووارداتهم‭ ‬الصناعية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي؛‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬دفعهم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شراكات،‭ ‬بل‭ ‬وتحالفات‭ ‬بديلة،‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬كالصين‭ ‬وروسيا‭.‬

‎رتب‭ ‬الابتعاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬الخليج،‭ ‬وكذلك‭ ‬تراجع‭ ‬اهتمام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمجمل‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬ومن‭ ‬الضمانات‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬ومن‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬رعتها‭ ‬لتطوير‭ ‬علاقات‭ ‬واسعة‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة،‭ ‬دوما‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وصادرات‭ ‬السلاح‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بقضايا‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭.‬

‎ضيق‭ ‬تراجع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إذا،‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬حركة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬أن‭ ‬ينشطوا‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬حين‭ ‬تنشط‭ ‬حليفتهم‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭. ‬وها‭ ‬هم‭ ‬يستسلمون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬لغياب‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب،‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬باستثناء‭ ‬مواجهة‭ ‬بقايا‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬وفي‭ ‬لبنان‭ ‬المتروك‭ ‬لفشل‭ ‬الدولة،‭ ‬وفي‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬والاستيطان‭ ‬والتطرف‭ ‬والعنف‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬والعجز‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬حلول‭ ‬سياسية‭ ‬يجرى‭ ‬التفاوض‭ ‬عليها‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وضمان‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬ولإخراج‭ ‬القوات‭ ‬الأجنبية‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬المليشيات‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬نشط‭ ‬بها‭ ‬الأوروبيون،‭ ‬كحرب‭ ‬اليمن‭ ‬وإدارة‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬فلم‭ ‬تسفر‭ ‬جهودهم‭ ‬عن‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭.‬

‎تابع‭ ‬الأوروبيون‭ ‬تنامى‭ ‬الدور‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬قلق‭ ‬شديد،‭ ‬وفسروه‭ ‬استراتيجيا‭ ‬كخصم‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬نفوذ‭ ‬الغرب‭ ‬بشقيه‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬مثلما‭ ‬باتت‭ ‬الدبلوماسيات‭ ‬الأوروبية‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ (‬خاصة‭ ‬غربها‭) ‬كعملية‭ ‬إزاحة‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬هدفها‭ ‬طرد‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬خوف‭ ‬الأوروبيين‭ ‬من‭ ‬تنامى‭ ‬دور‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وعجزهم‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬دور‭ ‬وأوراق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فرض‭ ‬استسلامهم‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬صراعية‭ ‬لدور‭ ‬الصين‭. ‬وتلك‭ ‬قراءة‭ ‬تصطنع‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬في‭ ‬منطقتنا،‭ ‬وتدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬محاصرة‭ ‬دورها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬وساطتها‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والسعودية‭ ‬قد‭ ‬ترتب‭ ‬سلاما‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وتخفض‭ ‬من‭ ‬مناسيب‭ ‬الصراع‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وعموم‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتلاقى‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬أوروبا‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬خوف‭ ‬الأوروبيين‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬توجسهم‭ ‬من‭ ‬استحواذ‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬حصص‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬الخليج‭ ‬وعموم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ومن‭ ‬تنامى‭ ‬صادرات‭ ‬السلاح‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يفقد‭ ‬أوروبا،‭ ‬خاصة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وألمانيا،‭ ‬سوقا‭ ‬مهمة‭ ‬لتصدير‭ ‬أسلحتهم‭.‬

‎راقب‭ ‬الأوروبيون‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬كيف‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأول‭ ‬لبلدان‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وتشعبت‭ ‬علاقات‭ ‬الصين‭ ‬والخليج‭ ‬لتتجاوز‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة‭ ‬والمنتجات‭ ‬الصناعية‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬ومشروعات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬وصادرات‭ ‬السلاح‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تضاعفت‭ ‬حصة‭ ‬صادرات‭ ‬السلاح‭ ‬الصينية‭ ‬بين‭ ‬2018‭ ‬و2022‭ ‬بنسبة‭ ‬200‭ ‬بالمائة‭ ‬وصارت‭ ‬تستحوذ‭ ‬على‭ ‬5‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ويؤشر‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬تنامى‭ ‬الدور‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني‭ ‬الصيني‭.‬

‎تابع‭ ‬الأوروبيون‭ ‬ذلك،‭ ‬مثلما‭ ‬تابعوا‭ ‬إكثار‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬آسيا‭ ‬حيث‭ ‬الفوائد‭ ‬‮«‬العظيمة‮»‬‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتجاريا‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬وحيث‭ ‬الميدان‭ ‬الأوسع‭ ‬للمنافسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬مقولات‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ركزت‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وبمعزل‭ ‬تام‭ ‬عن‭ ‬تناقضات‭ ‬المصالح‭ ‬والسياسات‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭. ‬طورت‭ ‬الصين‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بها‭ ‬تعاون‭ ‬اقتصادي‭ ‬وتجارى‭ ‬وعسكري‭ ‬ضخم،‭ ‬ووسعت‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬صارت‭ ‬معه‭ ‬الشركات‭ (‬الحكومية‭) ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬موردي‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬لمشروعات‭ ‬رؤية‭ ‬2030،‭ ‬ورفعت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬استثماراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬واستثمارات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وحافظت‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬الجيدة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تتشارك‭ ‬معها‭ ‬مجالات‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوير‭ ‬التكنولوجي‭ ‬ومشروعات‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬ومكنت‭ ‬العلاقات‭ ‬الوطيدة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬والسعودية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تناقضات‭ ‬المصالح‭ ‬والسياسات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬أمن‭ ‬الخليج‭ ‬وفي‭ ‬اليمن،‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬الوساطة‭ ‬الناجحة‭ ‬لاستئناف‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بينهما‭ ‬واعتماد‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شئون‭ ‬الغير‭ ‬كأساس‭ ‬للأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬اليمن‭.‬

‎نجحت‭ ‬الصين‭ ‬أيضا‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬الجيدة‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المتعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬أسفر‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬انضمام‭ ‬مصر‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وإيران‭ ‬كدول‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬تجمع‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬ونتج‭ ‬عنه‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬مؤتمرات‭ ‬قمة‭ ‬متتالية‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وبين‭ ‬أطراف‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬متعددة‭.‬

‎الحقيقة‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬خوف‭ ‬الأوروبيين‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬نفوذ‭ ‬الغرب‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬وصعود‭ ‬الصين‭ ‬له‭ ‬سياقات‭ ‬عالمية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭. ‬وهنا‭ ‬الأمر‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يتعين‭ ‬تناوله‭ ‬بالتفسير‭.‬

‎في‭ ‬خطاب‭ ‬ألقته‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬طالبت‭ ‬السيدة‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين،‭ ‬رئيسة‭ ‬مفوضية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بضرورة‭ ‬صياغة‭ ‬سياسة‭ ‬أوروبية‭ ‬موحدة‭ ‬تجاه‭ ‬الصين‭. ‬وحددت‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬التوازن‭ ‬الغائب‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬مع‭ ‬العملاق‭ ‬الآسيوي،‭ ‬حماية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ (‬خاصة‭ ‬بلدانه‭ ‬الصغيرة‭) ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التبعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬للصين‭. ‬وقد‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬صينية‭ ‬محتملة‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬الذي‭ ‬تستورد‭ ‬بلدانه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العملاق‭ ‬الآسيوي‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬بفعل‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬لما‭ ‬يشبه‭ ‬الابتزاز‭ ‬الروسي‭ ‬الموظف‭ ‬لإمدادات‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والبترول‭ ‬كوسيلة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بهدف‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬قراراتهم‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭.‬

‎ولمواجهة‭ ‬الصين،‭ ‬أكدت‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬دعائم‭ ‬التحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لكي‭ ‬يتمكن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬تحجيم‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬علاقات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬واستثمارية‭ ‬ضخمة‭ ‬ومتشعبة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬ولذلك‭ ‬تبدو‭ ‬أوروبا‭ ‬وكأنها‭ ‬تسارع‭ ‬الخطى‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬خانات‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬تستهدف‭ ‬أمريكيا‭ ‬إضعاف‭ ‬الصين‭ ‬وأوروبيا‭ ‬تجنب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التبعية‭ ‬لتكنولوجيتها‭ ‬وصادراتها‭ ‬واستثماراتها‭.‬

‎أما‭ ‬فيما‭ ‬خص‭ ‬روسيا،‭ ‬فالتنازعات‭ ‬والتناقضات‭ ‬الأوروبية‭ ‬‭ ‬الأوروبية‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬خط‭ ‬سياسي‭ ‬واضح‭ ‬وترتب‭ ‬دعما‭ ‬عسكريا‭ ‬وماليا‭ ‬مستمرا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وتحفظا‭ ‬أو‭ ‬امتناعا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭.‬

‎ليس‭ ‬في‭ ‬تبعية‭ ‬الأوروبيين‭ ‬للسياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وتأثرهم‭ ‬بحالها،‭ ‬صعودا‭ ‬وهبوطا،‭ ‬سوى‭ ‬تعبير‭ ‬استراتيجي‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬وفي‭ ‬كافة‭ ‬أقاليم‭ ‬العالم‭ ‬الواقعة‭ ‬خارجها‭.‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬علوم‭ ‬سياسية،‭ ‬وباحث‭ ‬بجامعة‭ ‬ستانفور‭ ‬الأمريكية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا