العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في الإسلام.. الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠١ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬الحلال‭ ‬بَيِّنْ‭ ‬والحرام‭ ‬بَيِّنْ،‭ ‬وبينهما‭ ‬مشتبهات‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬فمن‭ ‬اتقى‭ ‬الشبهات‭ ‬استبرأ‭ ‬لدينه‭ ‬وعرضه،‭ ‬ومن‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الشبهات‭ ‬كراعٍ‭ ‬يرعى‭ ‬حول‭ ‬الحمى،‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬فيه،‭ ‬ألا‭ ‬وإن‭ ‬لكل‭ ‬ملك‭ ‬حمى،‭ ‬ألا‭ ‬وإن‭ ‬حمى‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬محارمه،‭ ‬ألا‭ ‬وإن‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬مضغة،‭ ‬إذًا‭ ‬صلحت‭ ‬صلح‭ ‬الجسد‭ ‬كله،‭ ‬وإذا‭ ‬فسدت‭ ‬فسد‭ ‬الجسد‭ ‬كله‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬القلب‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

إذًا،‭ ‬فالحلال‭ ‬بَيِّنْ‭ ‬والحرام‭ ‬بَيِّنْ‭ ‬وبينهما‭ ‬سياج‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬المغناطيسي‭ ‬وهي‭ ‬المتشابهات‭ ‬إذًا‭ ‬اقترب‭ ‬منها‭ ‬المسلم‭ ‬جذبته‭ ‬إليها،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬آدم‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الشجرة‭ ‬المنهي‭ ‬عنها‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الأكل‭ ‬منها،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وقلنا‭ ‬يا‭ ‬آدم‭ ‬اسكن‭ ‬أنت‭ ‬وزوجك‭ ‬الجنة‭ ‬وكلا‭ ‬منها‭ ‬رغدًا‭ ‬حيث‭ ‬شئتما‭ ‬ولا‭ ‬تقربا‭ ‬هذه‭ ‬الشجرة‭ ‬فتكونا‭ ‬من‭ ‬الظالمين‮»‬‭ ‬البقرة‭ / ‬35‭.‬

وما‭ ‬دام‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فالسؤال‭ ‬الذي‭ ‬نطرحه‭ ‬على‭ ‬العَلْمانيين،‭ ‬وحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نطرحه‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬ينكرون‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننادي‭ ‬بإقامة‭ ‬دولة‭ ‬يكون‭ ‬الإسلام‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬المرجعية‭ ‬التي‭ ‬نرجع‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬شؤوننا‭ ‬بينما‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يقيموا‭ ‬دولهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬شاءوا‭ ‬من‭ ‬المرجعيات،‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أسسٍ‭ ‬دينية‭ ‬مثل‭: ‬الفاتكان‭ ‬ودولة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وأن‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العَلْمانية‭ ‬يؤسسون‭ ‬أحزابًا‭ ‬دينية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مباح‭ ‬لهم‭ ‬ومحرم‭ ‬علينا‭.! ‬

ومن‭ ‬حقوق‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬مراعاتها‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مبدأ‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬هو‭ ‬القاعدة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬الدول‭ ‬الاسلامية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بشرطين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬وهما‭: ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬والعمل‭ ‬الخالص‭ ‬له‭ ‬تعالى،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يكون،‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تضبط‭ ‬حياة‭ ‬المؤمن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام،‭ ‬وفِي‭ ‬حالة‭ ‬تعذر‭ ‬الحلال‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب‭ ‬يبيح‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬للمؤمن‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الحرام‭ ‬ليدفع‭ ‬الهلاك‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬والعَلْمانية‭ ‬لا‭ ‬تقيم‭ ‬وزنًا‭ ‬للحلال‭ ‬والحرام‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬كلوا‭ ‬من‭ ‬طيبات‭ ‬ما‭ ‬رزقناكم‭ ‬واشكروا‭ ‬لله‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬إياه‭ ‬تعبدون‭(‬172‭) ‬إنما‭ ‬حرم‭ ‬عليكم‭ ‬الميتة‭ ‬والدم‭ ‬ولحم‭ ‬الخنزير‭ ‬وما‭ ‬أهل‭ ‬به‭ ‬لغير‭ ‬الله‭ ‬فمن‭ ‬اضطر‭ ‬غير‭ ‬باغٍ‭ ‬ولا‭ ‬عادٍ‭ ‬فلا‭ ‬إثم‭ ‬عليه‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬غفور‭ ‬رحيم‭(‬173‭)‬‮»‬‭ ‬البقرة‭.‬

لقد‭ ‬تضمنت‭ ‬هاتان‭ ‬الآيتان‭ ‬الحلال‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬والحرام‭ ‬منه،‭ ‬وصنف‭ ‬ثالث‭ ‬هو‭ ‬طعام‭ ‬الاضطرار،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬المسلم‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الحرام‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬حتى‭ ‬ييسر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الحلال،‭ ‬وبهذا‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬عذر‭ ‬للمسلم‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬يبحه‭ ‬له‭ ‬الشارع‭ ‬الحكيم‭ ‬سبحانه‭.‬

إذاً،‭ ‬فإقامة‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬أسسٍ‭ ‬دينية،‭ ‬وعلى‭ ‬مبدأ‭ ‬من‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬حق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ترعاه‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تنادي‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تحكم‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تزعم‭ ‬أنها‭ ‬دولٌ‭ ‬إسلامية،‭ ‬وليعلم‭ ‬العَلْمانيون‭ ‬أن‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬ليس‭ ‬مقصورًا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬حلال‭ ‬وحرام‭ ‬في‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭.. ‬وهناك‭ ‬حلال‭ ‬وحرام‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق،‭ ‬فالكذب‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬محرم،‭ ‬والغيبة‭ ‬والنميمة،‭ ‬والظلم،‭ ‬والسرقة‭ ‬والرشوة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬والأقوال‭ ‬محرمة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وفِي‭ ‬مجال‭ ‬المعاملات،‭ ‬الغش‭ ‬محرم،‭ ‬والتطفيف‭ ‬في‭ ‬الأوزان‭ ‬والمكاييل‭ ‬محرم‭ ‬أيضًا‭. ‬

وشهادة‭ ‬الزور‭ ‬محرمة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬ورمي‭ ‬المحصنات‭ ‬الغافلات‭ ‬المؤمنات‭ ‬محرم‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬شديد‭ ‬الحرمة،‭ ‬والزنا‭ ‬محرم،‭ ‬والتبني‭ ‬محرم‭ ‬أيضًا‭.‬

والحكم‭ ‬بغير‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬محرم،‭ ‬والخوض‭ ‬في‭ ‬أموال‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬استأمنها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬يتولى‭ ‬شئون‭ ‬المسلمين‭ ‬محرمة‭ ‬أيضًا،‭ ‬بل‭ ‬شديدة‭ ‬الحرمة‭. ‬

إذًا،‭ ‬فهذه‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬تأسيسها،‭ ‬ويحرص‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تحصينها‭ ‬بقيم‭ ‬العدل،‭ ‬والرحمة‭ ‬ويرسي‭ ‬دعائمها‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شئونها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزهد‭ ‬فيه‭ ‬الًعَلْمانيون‭ ‬ويحذرون‭ ‬منه‭ ‬لهذا‭ ‬هم‭ ‬يسعون‭ ‬جاهدين‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬وفِي‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة‭ ‬والتي‭ ‬حققت‭ ‬العدل‭ ‬ونشرت‭ ‬الرحمة‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬مواطني‭ ‬هذه‭ ‬الدولة،‭ ‬وحققت‭ ‬معنى‭ ‬المواطنة‭ ‬التي‭ ‬تفخر‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الحديثة،‭ ‬والتي‭ ‬مضمونها‭ ‬المساواة‭ ‬التامة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أديانهم‭ ‬وقومياتهم‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬رب‭ ‬الجميع،‭ ‬وعطاء‭ ‬الربوبية‭ ‬حق‭ ‬لكل‭ ‬الناس،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬إبراهيم‭ ‬رب‭ ‬اجعل‭ ‬هذا‭ ‬بلدًا‭ ‬آمنًا‭ ‬وارزق‭ ‬أهله‭ ‬من‭ ‬الثمرات‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬منهم‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬قال‭ ‬ومن‭ ‬كفر‭ ‬فأمتعه‭ ‬قليلًا‭ ‬ثم‭ ‬أضطره‭ ‬إلى‭ ‬عذاب‭ ‬النار‭ ‬وبئس‭ ‬المصير‮»‬‭ ‬البقرة‭ / ‬126‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬نريدها،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬تحكمنا‭ ‬لأنها‭ ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬نحاسب‭ ‬على‭ ‬أساسها،‭ ‬ويكون‭ ‬مصيرنا‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬الجنة‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬النار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا