العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أمريكية عظيمة.. وأمريكي وقح!

بقلم: د. منار الشوربجي

الثلاثاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬‭...‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬ولم‭ ‬يخبرني‭ ‬أحد،‭ ‬فماذا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬أو‭ ‬أفعل؟‭ ‬قالوا‭ ‬إنهم‭ ‬ببساطة‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬ميلًا‭ ‬كمنطقة‭ ‬عازلة‭. ‬ثم‭ ‬دمروا‭ ‬إمداداتكم‭ ‬للمياه‭ ‬والكهرباء‭. ‬قصفوا‭ ‬مستشفياتكم‭ ‬ومدارسكم‭ ‬وطرقاتكم‭.. ‬قالوا‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬للسلام‭. ‬ثم‭ ‬دمروا‭ ‬بيوتكم‭ ‬وهدموا‭ ‬بقالياتكم‭. ‬منعوا‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬ووضعوا‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬السجون‭. ‬قصفوا‭ ‬الأولاد‭ ‬والبنات‭ ‬بالقنابل‭ ‬العنقودية‭... ‬قالوا‭ ‬إنه‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭... ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬قتلوا‭ ‬وجرحوا‭ ‬40‭ ‬ألفًا‭ ‬من‭ ‬رجالكم‭ ‬ونسائكم‭ ‬وأطفالكم‭. ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬ولم‭ ‬يخبرني‭ ‬أحد،‭ ‬فماذا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬أو‭ ‬أفعل؟

وصفوا‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬يصرخ‭ ‬ألمًا‭ ‬بالأنقاض‭... ‬ألم‭ ‬تقرأوا‭ ‬منشوراتهم‭ ‬التي‭ ‬يُسقطونها‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المقاتلة؟‭ ‬قالوا‭ ‬لكم‭ ‬ارحلوا‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تطيعوا؟‭ ‬فها‭ ‬هو‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬يمكنكم‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬مياهه‭ ‬والبقاء‭ ‬عليها،‭ ‬ما‭ ‬المشكلة؟‭ ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬ولم‭ ‬يخبرني‭ ‬أحد،‭ ‬فماذا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬أو‭ ‬أفعل؟‭... ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬أموالي‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬ثمن‭ ‬القنابل‭ ‬والطائرات‭ ‬والدبابات‭ ‬التي‭ ‬استخدموها‭ ‬لذبح‭ ‬عائلاتكم‭. ‬لكنني‭ ‬لست‭ ‬شيطانة‭ ‬وشعب‭ ‬بلدي‭ ‬ليس‭ ‬بهذا‭ ‬السوء‭. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬تتوقعه‭ ‬ممن‭ ‬يدفعون‭ ‬الضرائب‭ ‬ويشاهدون‭ ‬التلفزيون‭ ‬الأمريكي؟‭ ‬هلا‭ ‬أدركتم‭ ‬ما‭ ‬أقصد‭. ‬أعتذر‭. ‬أنا‭ ‬فعلًا‭ ‬أعتذر‭ ‬بشدة‭.‬

تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬لم‭ ‬تُكتب‭ ‬بالأمس‭ ‬ولا‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬غزة،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬بعض‭ ‬فقرات‭ ‬قصيدة‭ ‬بديعة‭ ‬كتبتها‭ ‬الكاتبة‭ ‬والشاعرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬السوداء‭ ‬جوون‭ ‬جوردون‭ ‬أثناء‭ ‬غزو‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1982‭. ‬عنوان‭ ‬القصيدة‭ ‬‮«‬أعتذر‭ ‬لكل‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬لبنان‮»‬‭. ‬وجوردون‭ ‬لم‭ ‬تسمها‭ ‬‮«‬اعتذار‭ ‬لكل‭ ‬اللبنانيين‮»‬‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تقصد‭ ‬أيضًا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬استشهدوا‭ ‬في‭ ‬مذبحة‭ ‬صابرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬وعائلاتهم‭. ‬والقصيدة‭ ‬بما‭ ‬احتوته‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬مؤلمة‭ ‬تذكرنا‭ ‬بأن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تُرتكب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬ممتدة‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التطابق،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬إزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬المدنيين،‭ ‬ومرورًا‭ ‬باستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬المحرمة‭ ‬دوليًا‭ ‬وسجن‭ ‬الأطباء،‭ ‬ووصولا‭ ‬للحرمان‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القصيدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأولى‭ ‬ولا‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬جون‭ ‬جوردون‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬فلسطين‭.‬

‭..‬فهي‭ ‬أيضًا‭ ‬صاحبة‭ ‬العبارة‭ ‬الشهيرة‭ ‬ذات‭ ‬الدلالة‭: ‬‮«‬وُلدت‭ ‬امرأة‭ ‬سوداء،‭ ‬والآن‭ ‬صرت‭ ‬فلسطينية‮»‬‭. ‬وجوردون‭ ‬دفعت‭ ‬ثمنًا‭ ‬غاليا‭ ‬نظير‭ ‬موقفها‭. ‬فحين‭ ‬هُوجمت‭ ‬لم‭ ‬تتراجع،‭ ‬بل‭ ‬نشرت‭ ‬مقالًا‭ ‬كتبت‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬أتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لأنني‭ ‬أمريكية،‭ ‬والأموال‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬تلك‭ ‬الفظائع‭ ‬ممكنة‭. ‬أتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬صابرا‭ ‬وشاتيلا،‭ ‬لأن‭ ‬الواضح‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لوقف‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المذابح‭ ‬والمحارق‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬أعلن‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬وأعمل‭ ‬جاهدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬يوم‭ ‬أستطيع‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أنقذ‭ ‬حياة‭ ‬ولو‭ ‬آدمي‭ ‬واحد‮»‬‭. ‬ازداد‭ ‬الهجوم‭ ‬عليها‭. ‬تلقت‭ ‬تهديدات‭ ‬بالقتل‭. ‬اتهموها‭ ‬بالعداء‭ ‬للسامية‭. ‬حرموها‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬للكتابة‭ ‬والنشر‭. ‬حتى‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬السوداء،‭ ‬همشتها‭ ‬وتجاهلتها‭. ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭.‬

تذكرت‭ ‬اعتذار‭ ‬جوردون‭ ‬وأنا‭ ‬أشاهد‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬بلادها‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬والأسرع‭ ‬والأكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬لتخفيف‭ ‬معاناة‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬توافق‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬الفارق‭ ‬شاسع‭ ‬بين‭ ‬الأمريكية‭ ‬صاحبة‭ ‬الضمير‭ ‬الحي،‭ ‬ووزير‭ ‬خارجية‭ ‬بلادها‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬شروطًا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تنفيذها‭ ‬قبل‭ ‬تخفيف‭ ‬معاناة‭ ‬البشر‭! ‬فهو‭ ‬بذلك‭ ‬التصريح‭ ‬ارتكب‭ ‬جريمة‭ ‬دولية‭. ‬وكأن‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬ليست‭ ‬كافية‭.‬

فقد‭ ‬صرح‭ ‬الوزير‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحفي‭ ‬نفسه‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وافقت‭ ‬على‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكدت‭ ‬مصادر‭ ‬أمريكية‭ ‬وإسرائيلية‭ ‬أنه‭ ‬كذب‭ ‬بواح‭!‬

أمامنا‭ ‬‮«‬أمريكتان‮»‬،‭ ‬إحداهما‭ ‬أكثر‭ ‬عدلًا‭ ‬وإنصافًا‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا