العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأمة.. واستعادة وعيها الحضاري!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خاتمة‭ ‬الأمم،‭ ‬ورسولها‭ ‬هو‭ ‬خاتم‭ ‬الأنبياء،‭ ‬ومعجزته‭ ‬خاتمة‭ ‬المعجزات،‭ ‬أنزلها‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬وأظهرها‭ ‬على‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رسوله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬لتثبت‭ ‬صدق‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬بلاغه‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أسوة‭ ‬بإخوانه‭ ‬الرسل‭ ‬الكرام،‭ ‬وكما‭ ‬امتازت‭ ‬معجزة‭ ‬رسول‭ ‬الإسلام‭ ‬بأنها‭ ‬المعجزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الباقية‭ ‬والخالدة،‭ ‬بأنها‭ ‬سجل‭ ‬حافل‭ ‬بأنباء‭ ‬من‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬الأنبياء،‭ ‬وقصصهم‭ ‬مع‭ ‬أقوامهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬معجزة‭ ‬الإسلام‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬المعجزة‭ ‬والمنهاج‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الكتب‭ ‬المنزلة‭ ‬على‭ ‬الأنبياء‭ ‬السابقين‭ ‬المنهاج‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬المعجزة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وأنزلنا‭ ‬إليك‭ ‬الكتاب‭ ‬بالحق‭ ‬مصدقًا‭ ‬لما‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬ومهيمنًا‭ ‬عليه‭ ‬فاحكم‭ ‬بينهم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬تتبع‭ ‬أهواءهم‭ ‬عمَّا‭ ‬جاءك‭ ‬من‭ ‬الحق‭ ‬لكلٍ‭ ‬جعلنا‭ ‬منكم‭ ‬شرعةً‭ ‬ومنهاجًا‭ ‬ولو‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬لجعلكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬ولكن‭ ‬ليبلوكم‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬آتاكم‭ ‬فاستبقوا‭ ‬الخيرات‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬مرجعكم‭ ‬جميعًا‭ ‬فينبئكم‭ ‬بما‭ ‬كنتم‭ ‬فيه‭ ‬تختلفون‭) ‬المائدة‭/ ‬48‭. ‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الأمة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬بعد‭ ‬ضعف،‭ ‬وقدرة‭ ‬بعد‭ ‬عجز،‭ ‬وتقدم‭ ‬بعد‭ ‬تخلف،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬بدعًا‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬تجري‭ ‬عليها‭ ‬السنن‭ ‬كما‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬غيرها،‭ ‬وهي‭ ‬قادرة‭ ‬إذًا‭ ‬أخذت‭ ‬بأسباب‭ ‬النهوض‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬قوية‭ ‬إذًا‭ ‬أخذت‭ ‬بأسباب‭ ‬القوة،‭ ‬متقدمة‭ ‬إذًا‭ ‬أخذت‭ ‬بأسباب‭ ‬التقدم،‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬التزام‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭ ‬الذي‭ ‬دلت‭ ‬عليه‭ ‬الآيات‭ ‬المباركات‭ ‬التي‭ ‬وضحته‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الأنعام،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬قل‭ ‬تعالوا‭ ‬أتل‭ ‬ما‭ ‬حرم‭ ‬ربكم‭ ‬عليكم‭ ‬ألا‭ ‬تشركوا‭ ‬به‭ ‬شيئًا‭ ‬وبالوالدين‭ ‬إحسانا‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬أولادكم‭ ‬من‭ ‬إملاق‭ ‬نحن‭ ‬نرزقكم‭ ‬وإياهم‭ ‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬الفواحش‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬بطن‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬حرم‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬بالحق‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تعقلون‭) ‬الأنعام‭ (‬151‭) (‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬مال‭ ‬اليتيم‭ ‬إلا‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أحسن‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬أشده‭ ‬وأوفوا‭ ‬الكيل‭ ‬والميزان‭ ‬بالقسط‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬نفسًا‭ ‬إلا‭ ‬وسعها‭ ‬وإذا‭ ‬قلتم‭ ‬فاعدلوا‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬قربى‭ ‬وبعهد‭ ‬الله‭ ‬أوفوا‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تذكرون‭ (‬152‭) ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬صراطي‭ ‬مستقيمًا‭ ‬فًاتبعوه‭ ‬ولا‭ ‬تتبعوا‭ ‬السبل‭ ‬فتفرق‭ ‬بكم‭ ‬عن‭ ‬سبيله‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تتقون‭ (‬153‭)) ‬سورة‭ ‬الأنعام‭.‬

وأما‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المعاني،‭ ‬وتمثلها‭ ‬سلوكًا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬أمثلة‭ ‬يشار‭ ‬إليها‭ ‬بالبنان،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ومن‭ ‬يطع‭ ‬الله‭ ‬والرسول‭ ‬فأولئك‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬النبيين‭ ‬والصديقين‭ ‬والشهداء‭ ‬وحسن‭ ‬أولئك‭ ‬رفيقا‭) ‬النساء‭ / ‬69‭.‬

إذًا،‭ ‬فالقرآن‭ ‬الحكيم‭ ‬يرسم‭ ‬لنا‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬السوي،‭ ‬ويحدد‭ ‬لنا‭ ‬سمات‭ ‬المجتمع‭ ‬الفاضل‭ ‬الذي‭ ‬تنشده‭ ‬البشرية‭ ‬وتسعى‭ ‬إليه،‭ ‬ولقد‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬ودولة‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة،‭ ‬وأثبت‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدون‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬الشريعة‭ ‬الإلهية‭ ‬الخالصة،‭ ‬والمعاصرة‭ ‬وألا‭ ‬تكون‭ ‬بينهما‭ ‬خصومة‭ ‬أو‭ ‬تنازع‭.‬

والأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أمة‭ ‬معدة‭ ‬إعدادًا‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬متطلبات‭ ‬العصر‭ ‬دون‭ ‬الجور‭ ‬أو‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬الإسلام‭ ‬وقيمه‭ ‬التي‭ ‬قَعَّدَ‭ ‬لها‭ ‬الإسلام‭ ‬القواعد‭ ‬المنظمة‭ ‬والحامية‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬اعتداء‭.‬

فالأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تستمد‭ ‬شرائعها‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬منزل،‭ ‬فوحدتها‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬عقيدتها‭ ‬الراسخة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬هذه‭ ‬أمتكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬ربكم‭ ‬فاعبدون‭) ‬الأنبياء‭ / ‬92‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تستمد‭ ‬وسطيتها‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭ ‬‮…‬‭) ‬البقرة‭ /‬143‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬المهمة‭ ‬الجليلة‭ ‬والعظيمة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لها،‭ ‬فنجدها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭: (‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭ ‬‮…‬‭) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬110‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لحمل‭ ‬رسالة‭ ‬الإسلام،‭ ‬واختار‭ ‬الإسلام‭ ‬لها،‭ ‬فامتازت‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬بأنها‭ ‬أتباع‭ ‬النبي‭ ‬الخاتم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬ما‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬أبا‭ ‬أحدٍ‭ ‬من‭ ‬رجالكم‭ ‬ولكن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬وخاتم‭ ‬النبيين‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬عليما‭) ‬الأحزاب‭ / ‬40‭.‬

وهي‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬الأمة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬المعجزة‭ ‬التي‭ ‬أظهرها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬رسوله‭ ‬ونبيه‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬تثوب‭ ‬إليه‭ ‬كلما‭ ‬عصفت‭ ‬بها‭ ‬العواصف،‭ ‬وادلهمت‭ ‬بها‭ ‬الخطوب‭ ‬والمحن‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا