العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الانتخابات الرئاسية والركائز الاستراتيجية الأمريكية

بقلم: توفيق رباحي {

الثلاثاء ٠١ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

تقوم‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬ركائز‭: ‬الالتزام‭ ‬المطلق‭ ‬بدعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والمواقف،‭ ‬واستمرار‭ ‬تدفق‭ ‬الإمدادات‭ ‬النفطية‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬والخلافات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬منذ‭ ‬وصول‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬عام‭ ‬1979‭. ‬أُضيف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬موضوع‭ ‬الجماعات‭ ‬الجهادية‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وزعمها‭ ‬تهديد‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي‭. ‬ورغم‭ ‬الاستثمار‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموارد‭ ‬والتجنيد‭ ‬والدعاية،‭ ‬لم‭ ‬يرقَ‭ ‬موضوع‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجهاديين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬ركيزة‭ ‬رابعة‭ ‬ثابتة‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

تتداخل‭ ‬هذه‭ ‬الركائز‭ ‬فتعزز‭ ‬إحداهما‭ ‬الأخرى‭ ‬لتُبقي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حبيسة‭ ‬مأزق‭ ‬عسكري‭ ‬واستراتيجي‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

في‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭ ‬قد‭ ‬يتراجع‭ ‬حضور‭ ‬إحدى‭ ‬الركائز‭ ‬الثلاث‭ ‬مقارنة‭ ‬بالاثنتين‭ ‬الأخريين،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأفل‭ ‬حضور‭ ‬كل‭ ‬الركائز‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬بحيث‭ ‬يعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬الفراغ‭ ‬غالب‭ ‬وبأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باتت‭ ‬غائبة‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬تأثير‭.‬

حتى‭ ‬مع‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬ومن‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬بايدن،‭ ‬وبينهما‭ ‬سعي‭ ‬ترامب‭ ‬لسحب‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬التزاماتها‭ ‬الدولية،‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسية،‭ ‬عجزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬التواري‭ ‬كليا‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬إعادة‭ ‬انتشار‭ ‬تكتيكي‭ ‬وظرفي‭.‬

تدفع‭ ‬مجمعات‭ ‬الصناعة‭ ‬الحربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السياسيين‭ ‬والمشرِّعين‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬إبقاء‭ ‬جذوة‭ ‬الحضور‭ ‬مشتعلة،‭ ‬ونُذر‭ ‬التوتر‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يشيع‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بان‭ ‬وجود‭ ‬ودور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭.‬

هناك‭ ‬طرف‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ومن‭ ‬ورائه‭ ‬إبقاء‭ ‬جذوة‭ ‬التوتر‭ ‬مشتعلة‭ ‬ونُذر‭ ‬الحرب‭ ‬قائمة،‭ ‬عن‭ ‬حرص‭ ‬مجمعات‭ ‬التصنيع‭ ‬الحربي‭: ‬إسرائيل‭ ‬واللوبيات‭ ‬الداعمة‭ ‬لها‭.‬

تدفع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬نحو‭ ‬صراع‭ ‬أمريكي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭.. ‬سياسي،‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬عسكري،‭ ‬استراتيجي،‭ ‬ولو‭ ‬اجتمعت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬فسيكون‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬الجائزة‭ ‬الكبرى‭. ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تخشاه‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬عداوة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬المسلحة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران،‭ ‬قد‭ ‬يبدأ‭ ‬الأمريكيون‭ ‬في‭ ‬التساؤل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بلادهم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬فعلا‭ ‬إلى‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

حضر‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬المناظرة‭ ‬الرئاسية‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وكمالا‭ ‬هاريس‭ ‬مؤخرا،‭ ‬لكنه‭ ‬حضور‭ ‬اهتم‭ ‬بركيزتين‭ ‬فقط،‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬وتغييب‭ ‬واضح‭ ‬لأهمية‭ ‬تدفق‭ ‬الامدادات‭ ‬النفطية‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بينما‭ ‬اختفى‭ ‬موضوع‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجهاديين‭ ‬تماما،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬منتظرا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭.‬

لا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬التغييب‮»‬‭ ‬أيّ‭ ‬تغيير‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬المقاربة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة،‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬الفائز‭ ‬فيها‭.‬

ذلك‭ ‬ان‭ ‬كمالا‭ ‬هاريس‭ ‬لو‭ ‬فازت‭ ‬فسوف‭ ‬تواصل‭ ‬المحاولة‭ ‬بكل‭ ‬قواها‭ ‬كما‭ ‬حاول‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقون‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تسويق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬الدعوة‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬تطبيع‭ ‬جديدة‭. ‬ومن‭ ‬نافلة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ورقته‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأزماته‭.‬

طبيعة‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬منحت‭ ‬بموجبها‭ ‬واشنطن‭ ‬لنفسها‭ ‬صفة‭ ‬شرطي‭ ‬العالم،‭ ‬وتداخل‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬ثم‭ ‬بروز‭ ‬المنافسة‭ ‬الصينية‭ ‬والإزعاج‭ ‬الروسي،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬تجعل‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬الجميع‭ ‬وتستعمل‭ ‬الجميع‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬مقسَّمة‭ ‬تلقائيا‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬أو‭ ‬فضاءات‭ ‬متجانسة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬فإن‭ ‬المخططين‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬متمسكون‭ ‬بالتعامل‭ ‬معها‭ ‬فرادى‭ ‬ووحدات‭. ‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬انتخابات‭ ‬2024‭ ‬ستجري‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬شرق‭ ‬أوسطي‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬عنوانه‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬واحتمالات‭ ‬اشتعال‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها،‭ ‬كانت‭ ‬المناظرة‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬وهاريس‭ ‬فرصة‭ ‬للمرشحَين‭ ‬لتأكيد‭ ‬تشابه‭ ‬سياساتهما‭ (‬وسياسات‭ ‬جميع‭ ‬المرشحين،‭ ‬سابقا‭ ‬ولاحقا‭) ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬القائم‭. ‬

كرَّست‭ ‬المناظرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬المقاربة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يستطيعه‭ ‬بعض‭ ‬المرشحين،‭ ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬محددة،‭ ‬طرح‭ ‬سردية‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بالتمرد‭ ‬عن‭ ‬المألوف،‭ ‬ثم‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬سقف‭ ‬معيّن‭. ‬النموذج‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2024‭ ‬ما‭ ‬طرحته‭ ‬المرشحة‭ ‬كمالا‭ ‬هاريس‭ ‬وحديثها‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وضرورة‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬الحرب‭ ‬فورا‭. ‬هذا‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬تستطيعه‭. ‬وقبلها‭ ‬فعل‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬او‭ ‬قريبا‭ ‬منه‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭.‬

لكن‭ ‬بعد‭ ‬الكلام‭ ‬نصف‭ ‬المعسول‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬تتواصل‭ ‬شحنات‭ ‬السلاح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬قنابل‭ ‬خارقة‭ ‬للتحصينات‭ ‬وصواريخ‭ ‬موجهة‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬وتتواصل‭ ‬المساعدة‭ ‬الاستخبارية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شريكة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬جزائري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا