زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مكسب القمار «بنت»
كنت لحين من الدهر أمضي الكثير من الوقت في لعب الورق مع بعض الأقارب والأصدقاء خلال العطل الأسبوعية والعامة، وأصيح مثل غيري منتشيا بكسب جولة، ثم اقترح بعضهم جعل المنافسات أكثر «سخونة»، بإدخال ما أسماه الحافز المادي الرمزي، فصار رابح الجولة يكسب نقودا تكفي لشراء مشروب بارد أو ساخن او سندويتش. وبعد أن لقي نظام الحوافز المزعوم رواجا، تم رفع قيمته النقدية، وعندها بدأ البعض في ممارسة الغش، ثم صار الخاسر يغضب ويسبّ نفسه و«الدنيا»، فأدركت شلّتنا كلها أن القمار «فرّاق الحبايب» كما نقول في السودان، ونعني أنه يفرق بين الأحباب ويشتت شملهم، وبالنسبة لي كانت تلك قاصمة العلاقة بيني وبين الورق وألعابه كليا.
من الآفات الاجتماعية المسكوت عنها شُلل الميسر التي توجد في كل المدن تقريبا، وتتألف عادة من «أصدقاء» أو أناس يعرفون بعضهم البعض جيدا ولا يسمحون لغريب بالانضمام إليهم، لأنهم يدركون ان ما يفعلونه أمر مستهجن اجتماعيا وقانونيا ودينيا. ما يحيرني هو: كيف يمكن أن تكون صديقي ثم تسلب مني على طاولة القمار راتبي بالكامل أو ربما بيتي وسيارتي. وحتى لو لم تكن صديقا لمن تقامر معهم كيف ترضى لنفسك تجريدهم من مالهم وممتلكاتهم، وحتى لو كنت وثنيا أو هندوسيا أو سكسفونيا كيف تقبل لنفسك إعاشة عائلتك من مال مسلوب من آخرين؟ شخصيا أعتقد أنه أهون على نفسي أن أتعرض للسرقة أو النشل من قبل لصّ محترف من وراء ظهري من أن يسلبني شخص أعرفه مالي، بضربة حظ، ولكن بالمقابل فإنني لو كنت مقامرا لما كان من حقي أن أتضايق من أن صديقا جردني من مالي في مائدة قمار، لأنني شاركته المقامرة بهدف الاستيلاء على أمواله وأموال الآخرين.
وإليكم حكاية استقيتها من تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية عن الفتاة الباكستانية رشيدة بيغوم، التي طالب صديق والدها الراحل بـ«امتلاكها». وما حدث هو أن والد رشيدة خسر قبل وفاته كل ما معه من مال على مائدة القمار، بل وصار مدينا للمدعو لال حيدر بمبلغ يعادل 160 دولارا، فما كان منه كمقامر محترف و«صاحب كلمة» يحترم «شرف المهنة!!!» إلا أن كتب مستندا يتنازل فيه لحيدر عن ابنته التي كانت قد أكملت عامها الأول وقتها. ومؤخرا طالب حيدر بالفتاة بموجب صك التنازل الذي وقع عليه والدها، الذي توفي منذ سنوات، بعد علة أمهلته طويلا. والدة رشيدة لم ترض لابنتها المهانة وقدمت لحيدر المال الذي عجز زوجها المتوفى عن سداده بالتمام والكمال، ولكن حيدر تمسك بشروط «البيع»، وطالب بحقه في اقتناء فتاة آخر موديل عمرها 17 سنة: لا البنت رشيدة ملكي وأنا غلطان اللي سمحت لها بالبقاء مع أمها نحو 16 سنة بدلا من أن أربيها على يدي ثم أتزوج بها متى ما شئت.
عادة أتفادى في مقالاتي تسبيب الغم والنكد للقراء، ولكنني ارتأيت التطرق إلى حكاية رشيدة للتدليل على وجهة نظري القائلة إن مضار القمار أفدح من مضار المخدرات. وفي غالب الأحوال فإن مدمن المخدرات لا يؤذي، على نحو مباشر إلا نفسه، في حين أن مدمن القمار قد يؤذي في ليلة واحدة سبع أو تسع عائلات متوسط عدد أفراد كل منها خمسة. ومدمن المخدرات قد يتوب ويثوب إلى رشده ويكف أذاه عن نفسه وعن أهله، ولكن حتى لو تاب مدمن القمار فإن الأذى الذي ألحقه بالآخرين على مر السنين لا يزول وينتهي. زاملت خلال عملي بالتدريس شخصاً عبقرياً كان قادراً على تدريس الفيزياء والجغرافيا واللغة الانجليزية بكفاءة عالية، ولكنه كان مدمن قمار ولا يعطي زوجته وعياله أي نقود، والأنكى من ذلك أنه كان يقامر وهو تحت تأثير الخمر، وبعد وفاته وأثناء قيامنا بجمع ممتلكات العائلة في بيت كانت تستأجره، وجدنا مبالغ طائلة محشوة بين الكتب وداخل أحذية قديمة وفي شقوق الجدران. كان الراحل قد خبأها وهو سكران ليقامر بها لاحقا، ونسي أمرها فيما يبدو، وبوفاته تحسنت أحوال عائلته المادية.. فتأمل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك