أعود إلى الكتابة بعد انقطاع عام على فقدي لوالدتي رحمها الله، أعود لأكتب تنفيذاً لوصيتها رحمها الله لأن يبقى قلمي حراً طليقاً، يكتب بصدق تحرياً للكلمة الهادفة، والرؤية السديدة لإعلاء وجودنا الإنساني، وصون وطننا وما حبانا الله به من فطرة سليمة ودين وقيم، تحث على السلام والخير.
ومن خير الصدف أن اشحذ همتي واكتب عن واقع اعيشه تزامناً مع احتفاء مملكتنا ووزارة خارجيتنا باليوم الدبلوماسي، فالكل يدرك ويلمس ما وصلت اليه دبلوماسيتنا من أداء دولي ومكانة فاعلة في محيطنا الإقليمي بفضل السياسة الخارجية التي أرسي قواعدها مليكنا المعظم، وكنت قد كتبت كثيراً عن العمل الدبلوماسي، لكني هذه المرة أود أن اطرح سؤالاً جدلياً مهماً: من هو الدبلوماسي، وما هي أطر الدبلوماسية بعيداً عن الرسمية.
فأنا قد عاصرت على مدى عشر سنوات وأكثر وزيرين للخارجية وستة وكلاء وانتقلت الى عدة عواصم وأعرف جيدا كل رسميات العمل، لكني طوال هذه الفترة وجدت عملاً دبلوماسيّاً موازيّاً لا يقل أهمية، في إنجاح تجربتنا البحرينية، وسوف اعطيكم الأمثلة التالية من واقع: -
- بحرينيون يعملون في الأمانة العامة لمجلس التعاون
من المعروف أن وزارة خارجيتنا تبتعث دبلوماسيين للعمل في مقر الأمانة العامة بمجلس التعاون الخليجي، يعملون فيها جنباً إلى جنب مع الدبلوماسيين الخليجيين، لكنني وجدت في هذا الصرح بحرينيين ليسوا دبلوماسيين، بل تم التعاقد معهم لكفاءتهم واختصاصهم وخبرتهم، وبالاقتراب منهم وجدت أداءهم يوازي الدبلوماسي، في حرصهم على ابراز الصورة المشرفة عن البحرين عملاً وإنجازاً واخلاقاً واحتراماً، فسوسن وخليل ومحمد وغيرهم يحملون البحرين في قلوبهم، ويعملون بإخلاص رغم عدم صلتهم الرسمية بالسفارة، لكنهم أول الناس ترحيباً لو تمت دعوتهم والاستعانة بهم.
- سفيرة بحرينية بلا حقيبة تخدم وطنها والأمم:
الدكتورة نعيمة القصير، الممثل الأسبق لمكتب منظمة الصحة العالمية بالقاهرة، هذه المرأة تسد وتكفي عن سفير، فأول اهتماماتها أن تصل الى كل بحريني وافد للدراسة أو العمل وتحتويه، ولا تبخل عليه بمشورة أو نصيحة وضيافة، والحق أنها غير ملزمة في ذلك، لأن هذا الدور أساساً دور السفير ومن يتبعه من مستشارين ودبلوماسيين بما لديهم من إمكانات مادية واختصاصات عملية، لكن هذه المرأة تعطي ولا تنتظر مقابلا، وقد بلغت الان سن التقاعد، والمرتجى أن تتاح لها فرصة لنقل خبرتها وتقديم دروس للدبلوماسيين المستجدين، كي يتعلموا سياسة فتح القلوب قبل المكاتب.
- زوجة دبلوماسي من نهر السين إلى نهر الأردن
أم خليفة، امرأة بحرينية شابة استضافت البحرينيين واسبغت عليهم بالضيافة وجمّلت أبناءها نور وخليفة باللباس البحريني في كل مناسبة وطنية بباريس، لم تكتف بدورها كزوجة دبلوماسي تحضر معه المناسبات والاستقبالات، بل تفاعلت مع الناس وشاركتهم في الفعاليات، وعكست صورة المرأة البحرينية بالإمكانات المتاحة لديها، فهي ليست بزوجة سفير وهذا يفرق ماديا، ولكنها زوجة دبلوماسي، ومع ذلك وضعت لنفسها بصمة ولا تزال تعطي وتقدم في كل مكان تنقل فيه مع زوجها، في مقابل زوجات لا يرغبن حتى في مرافقة أزواجهن وتحمل متطلبات العمل الدبلوماسي.
تلك أمثله اسوقها، والقائمة تطول، فكل منا يمكنه أن يكون دبلوماسيا، فيما لو آمن بدوره ودفعه حبه لوطنه الى إظهار بحرينيته أينما كان، والدبلوماسية في أبسط تعريفاتها نقل رسالة، فما بالكم بمن ينقل وطنا على عاتقه أينما حل وارتحل، ويتجمل به أمام العالم كله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك