العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

أي صلة رحم؟!

ساعات‭ ‬قليلة‭ ‬وأدخل‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات،‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬هل‭ ‬سأخرج‭ ‬منها‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬يقول‭ ‬الأطباء‭ ‬إن‭ ‬مرضي‭ ‬نادر‭ ‬وعمليتي‭ ‬صعبة‭ ‬وطويلة‭ ‬ونادرة‭ ‬جدا‭ ‬ولكن‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أنا‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬شطارة‭ ‬طبيبي‭ ‬وإنني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬توكلت‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬سأكون‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أمهر‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬بلادي،‭ ‬فلم‭ ‬أرغب‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬أجري‭ ‬عمليتي‭ ‬الصعبة‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أهلي‭ ‬وناسي،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬علاج‭ ‬أي‭ ‬مريض‭ ‬في‭ ‬نفسيته،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أموت‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬حضن‭ ‬وحنان‭ ‬أمي‭ ‬وأهلي‭.‬

تقول‭ ‬صديقتي‭: ‬كنت‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬الباب‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬وأنا‭ ‬نصف‭ ‬مخدرة‭ ‬من‭ ‬الأدوية‭ ‬أنتظر‭ ‬دخولها‭ ‬عليّ،‭ ‬لأرى‭ ‬أي‭ ‬نظرة‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬حنان‭ ‬في‭ ‬عينيها‭ ‬الجميلتين،‭ ‬أختي‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬كثيرا‭ ‬رغم‭ ‬قسوتها‭ ‬أحيانا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬قمة‭ ‬في‭ ‬الحنان‭ ‬ولكن‭ ‬ظروف‭ ‬حياتها‭ ‬القاسية‭ ‬حولها‭ ‬إلى‭ ‬وحش‭ ‬غريب‭ ‬لا‭ ‬أعرفه،‭ ‬عندما‭ ‬قالوا‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬مريضة‭ ‬وسأجري‭ ‬عملية‭ ‬صعبة‭ ‬قالت‭ ‬بكل‭ ‬شموخ‭ ‬قاس‭ ‬إنها‭ ‬تمثل‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أصابها‭ ‬السرطان‭ ‬لن‭ ‬أزورها‭! ‬أضافت‭ ‬صديقتي‭: ‬لم‭ ‬أصدق‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬لأن‭ ‬الخلاف‭ ‬بيننا‭ ‬كان‭ ‬بسيطا‭ ‬جدا‭ ‬ولم‭ ‬أتخيل‭ ‬أن‭ ‬أختي‭ ‬من‭ ‬دمي‭ ‬ولحمي‭ ‬تقول‭ ‬ذلك،‭ ‬ولن‭ ‬يحن‭ ‬قلبها‭ ‬لتودعني‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أغادر‭ ‬الحياة‭! ‬لذلك‭ ‬تشبثت‭ ‬ببريق‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬وانتظرتها‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬وقبل‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬دخولي‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬ولكنها‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬لم‭ ‬تحضر‭ ‬ولم‭ ‬تتصل‭!! ‬فشعرت‭ ‬بأنني‭ ‬فقدت‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬جسدي‭ ‬بعدها‭.‬

تقول‭ ‬صديقتي‭: ‬أصبحنا‭ ‬نتكلم‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬ولكنني‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬مشاعري‭ ‬ناحيتها‭ ‬منذ‭ ‬خروجي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬وأصبحت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬كأي‭ ‬شخص‭ ‬غريب‭ (‬سلام‭ ‬عليكم‭ ‬السلام‭) ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬العائلية‭ ‬فقط‭. ‬أضافت‭: ‬والآن‭ ‬أختي‭ ‬كبرت‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يسأل‭ ‬عنها‭ ‬ويزورها‭ ‬يوميا‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬لها‭ ‬الأخت‭ ‬لأنني‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬مشاعري‭ ‬ناحيتها‭ ‬طبعا‭ ‬لأمور‭ ‬وتصرفات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬فعلتها‭ ‬معي‭ ‬ومع‭ ‬أخواتي‭ ‬بعد‭ ‬وقبل‭ ‬العملية،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حواليها‭ ‬إلا‭ ‬ولدها‭ ‬الوحيد‭ ‬ونحن‭ ‬نطمئن‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬لبعيد‭.‬

أكره‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬وحرام‭ ‬ولازم‭ ‬تهتمون‭ ‬فيها،‭ ‬يا‭ ‬ناس‭ ‬نحن‭ ‬بشر‭ ‬لحم‭ ‬ودم‭ ‬ومشاعر‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬جرحت‭ ‬وانكسر‭ ‬القلب‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬النسيان‭ ‬ومن‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬غير‭ ‬من‭ ‬لسع‭ ‬بالنار،‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬بطاقته‭ ‬وتحمله‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أحبها‭ ‬ولا‭ ‬أكرهها‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬أبدا‭ ‬قسوتها‭ ‬ووحشيتها‭ ‬عليّ،‭ ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬إهاناتها‭ ‬وتجريحها‭ ‬وتخليها‭ ‬عني‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬أوقات‭ ‬الضعف‭ ‬والعوز‭ ‬برغم أنني‭ ‬كنت‭ ‬أحبها‭ ‬وأحترمها‭ ‬كثيرا‭ ‬وأقسم‭ ‬أنني‭ ‬حاولت‭ ‬وتغاضيت‭ ‬كثيرا‭ ‬ولكن‭ ‬انتهى‭ ‬كل‭ ‬ذرة‭ ‬مشاعر‭ ‬لها‭ ‬فلا‭ ‬يقف‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬ويقول‭ ‬صلة‭ ‬رحم‭ ‬لو‭ ‬سمحتم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا