في خطوة لتعزيز دورها في ضبط أسواق النفط وتحقيق استقرارها؛ اتجهت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، إلى توسيع عضويتها، بالسعي لتحقيق انضمام أذربيجان، والمكسيك، وماليزيا، وبروناي إليها، فيما يبلغ الإنتاج اليومي لهذه الدول 3,1 ملايين برميل، أي ما يقارب إنتاج الإمارات العربية المتحدة بواقع (المكسيك 1,7 مليون برميل يوميًا، ماليزيا 600 ألف برميل يوميًا، أذربيجان 750 ألف برميل يوميًا، وبروناي 100 ألف برميل يوميًا).
وفيما تسعى «المنظمة» في الوقت الراهن إلى سعر 80 دولارا للبرميل، فقد كان سعر خام برنت يدور حول 75 دولارا للبرميل، ولهذا أعلنت «السعودية»، تمديدا طوعيا لخفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا، وأعلنت «روسيا»، خفضا بمقدار نصف مليون برميل يوميًا، وضم أعضاء جدد يلتزمون بسياسات «الأوبك»، من شأنه تعويض أي خلل في الالتزام من خلال الدائرة الأوسع «أوبك بلس»، في ظل عدم اليقين الذي يسود السياسة الدولية حاليًا، وتطورات ومآلات الحرب الروسية الأوكرانية.
وفي واقع الأمر، تختلف الحاجة إلى كامل الإنتاج النفطي بين الدول الأعضاء في «أوبك بلس»، إذ ليس لديهم حاجة روسيا، التي تحتاج إلى كل عائدات نفطها؛ بسبب الحرب التي تخوضها والعقوبات المفروضة عليها، فيما ثارت شكوك حول مقدار تخفيض إنتاجها، وأسعار بيعه للأسواق الآسيوية، خاصة للمشترين الكبار الصين والهند، ولهذا دعت «أوبك بلس»، مصادر مستقلة للتحقق من أرقام الخفض الفعلية للإنتاج والمبيعات الروسية.
وبرغم أن التخفيضات التي قامت بها «المنظمة»، لم تؤد إلى ارتفاع الأسعار؛ فإن هذه التخفيضات مؤداها بحسب «وكالة الطاقة الدولية»، أن يشهد سوق النفط شحًا في المعروض في النصف الثاني لعام 2023. وفي تقرير مناقض، أشارت تحليلات «مورجان ستانلي»، إلى أنه رغم توقعات تراجع المخزون في 2023، فإن التقديرات تشير إلى وجود فائض في النصف الأول لعام 2024، مع نمو الإمدادات من خارج الأوبك، بوتيرة أسرع من الطلب.
وفي هذا الصدد، كان وزير الطاقة الإماراتي قد أعلن أن التخفيضات الإضافية كافية لتحقيق التوازن في سوق النفط، وأن بلاده لن تشارك في أي تخفيضات جديدة للإنتاج، إذ إنها تضخ بالفعل أقل كثيرًا من طاقتها، وأنه مع وجود انخفاض في الاستثمارات النفطية في كثير من الدول، فإنه على «المنظمة»، دعوة أعضاء جدد للانضمام، فكلما زاد عدد أعضائها زادت سهولة مهمتها، وضمان أن يحصل العالم على ما يكفيه من النفط في المستقبل، وأنه كلما كان داخل التحالف 60 أو 80% من المنتجين في «أوبك بلس»، فإن ذلك يجعلها تؤدي عملاً أفضل بالتأكيد.
ومن المعلوم، أن «أوبك»، تضم في الوقت الحالي 13 عضوًا، وتضم «أوبك بلس»، إضافة إليهم؛ (روسيا، والبحرين، وأذربيجان، وبروناي، وكازخستان، وماليزيا، والمكسيك، وسلطنة عُمان، والسودان، وجنوب السودان)، أي إن الأعضاء الجدد في أوبك هم بالفعل أعضاء في «أوبك بلس». ويعزز انضمام أعضاء جدد لأوبك دورها في صياغة مستقبل الطاقة العالمي، وفي التنمية الدولية.
وفي 5 يوليو، انطلقت فعاليات مؤتمر «أوبك»، الدولي في نسخته الثامنة، والذي يعد من أهم الأحداث الرئيسية على أجندة الطاقة العالمية في استشراف وصياغة مستقبل قطاع الطاقة العالمي. وناقش المؤتمر الذي عقد في «فيينا» مجموعة واسعة من القضايا، تضمنت مستقبل الطاقة في العالم، والاستثمارات النفطية، واستقرار السوق، وأمن الطاقة، والتكنولوجيا والابتكار، وسبل التوصل لسوق نفط دولية آمنة ومستقرة من خلال تعزيز التعاون والحوار، فيما شهد مشاركات دولية واسعة من وزراء الدول الأعضاء في المنظمة وحلفائها والمعنيين بقطاع الطاقة والشركات والبنوك. ومن المعلوم، أن أولى دورات انعقاده في «فيينا» كانت عام 1969. وعلى مدى دوراته السابقة توسعت القضايا التي يتناولها، وأصبحت تشمل قضايا عديدة، كالتمويل الدولي والتنمية المستدامة والبيئة، وتحقيق الانتقال العادل والمنطقي للطاقة، بما يدعم جهود الاستدامة ومواجهة تداعيات التغير المناخي.
وقبيل انعقاد مؤتمر «أوبك» الدولي، كان الاجتماع الوزاري العادي رقم «168»، والاجتماع «49» للجنة المراقبة الوزارية المشتركة، والاجتماع الوزاري الـ«35»، لأوبك وغير الأعضاء، وقد ناقشت هذه الاجتماعات الثلاثة سياسة الإنتاج الجماعي لـ23 منتجًا أعضاء تحالف «أوبك بلس»، فيما تجاوزت تخفيضات الإنتاج اليومية 3 ملايين برميل، كما ناقشت سبل تعزيز الاستقرار في السوق، وأشارت التوقعات حينئذ إلى أن هناك ميلاً لإجراء تخفيضات جديدة لمواجهة مخاوف الركود الاقتصادي في ضوء الرفع المتكرر لأسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الأمريكي.
ومع ذلك، فإن هذه الاجتماعات انتهت إلى تبني سياسة خفض الإنتاج كما هي دون تغيير في عام 2023، وتعديل شهر الأساس الذي تحسب من خلاله حصص الإنتاج والامتثال بدءًا من العام المقبل. وبهذا، يصبح إجمالي إنتاج النفط في تحالف «أوبك بلس»، 40.46 مليون برميل يوميًا، بدءًا من أول يناير 2024 حتى 31 ديسمبر من هذا العام.
وفي بيان رسمي منفصل أعلنت «السعودية»، تمديد خفضها الطوعي للإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا حتى نهاية 2024، بالاتفاق مع «أوبك بلس»، ثم أعلنت خفض مليون برميل يوميًا ابتداءً من يوليو ولمدة شهر قابل للتجديد، كما أعلنت «الإمارات»، و«العراق»، و«الكويت»، تمديد الخفض الطوعي للإنتاج حتى نهاية 2024، فيما أعلنت «سلطنة عُمان»، تمديد خفضها الطوعي البالغ 40 ألف برميل حتى نهاية ديسمبر 2024. وفي نوفمبر القادم، ينعقد الاجتماع الوزاري لأوبك بلس، مع اتجاه إلى تحويل التخفيضات الطوعية إلى اتفاق رسمي لتحسين المصداقية والمسؤولية.
ووفقا لتقرير «أوبك»، في 19 مايو الماضي، فإنها تتوقع نمو الطلب على النفط في النصف الثاني لعام 2023، بنحو 2.33 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 101,9 مليون برميل يوميًا، كما تتوقع نمو الطلب في الصين بمقدار 800 ألف برميل يوميًا. وتتوقع «المنظمة»، أن يصل إجمالي العرض من خارجها إلى 67,19 مليون برميل يوميًا، محققًا نموا بمقدار 1,43 مليون برميل يوميًا، وهذا النمو في العرض يأتي من جانب الولايات المتحدة والبرازيل والنرويج وكندا وكازخستان وغوايانا.
علاوة على ذلك، فإن تقديرات «أوبك»، تقترب من تقديرات «وكالة الطاقة الدولية»، التي تتوقع نمو الطلب العالمي بمقدار 2,2 مليون برميل يوميًا ليصل إجماليه إلى 102 مليون برميل يوميًا، ونمو العرض من خارج الأوبك بمقدار 1,5 مليون برميل يوميًا، ليصل إجماليه إلى 67 مليون برميل يوميًا، كما تقترب من تقديرات «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية»، التي تتوقع نمو الطلب العالمي بمقدار 1,56 مليون برميل يوميًا ليصل إجماليه إلى 100,99 مليون برميل يوميًا، ونمو العرض من خارج «الأوبك»، بمقدار 1,89 مليون برميل يوميًا، ليصل إجماليه إلى 67,58 مليون برميل يوميًا.
وعليه، فإن توسيع العضوية يزيد من قدرة «صندوق الأوبك للتنمية الدولية»، الذي أسسته المنظمة عام 1976، كمؤسسة تمويل إنمائي حكومية دولية، بناءً على مخرجات مؤتمر الجزائر في مارس 1975؛ بهدف تعزيز التعاون المالي بين أعضاء منظمة أوبك، وسائر البلدان النامية ومساعيها في القضاء على الفقر.
وفي أول سنتين من نشاطه، قدم «الصندوق»، 71 قرضًا لــ58 دولة نامية، وحتى 1980 كان يُسمى «صندوق أوبك الخاص»؛ لكن منذ مايو 1980 تحول إلى كيان قانوني دائم تحت مسمى «صندوق الأوبك للتنمية الدولية». وتشمل مجالات تركيز أنشطته؛ (الزراعة، التعليم، الطاقة، القطاع المالي، الصحة، الصناعة، الاتصالات، النقل، إمدادات المياه والصرف الصحي)، فيما تعاون مع مبادرة الأمم المتحدة «الطاقة المستدامة للجميع»، وأنشأ في 2006 مرفق تمويل التجارة، وقدم العديد من المنح والمساعدات الفنية والإعانات الإغاثية في حالات الطوارئ، كما قدم دعمه للصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد»، والصندوق الاستنمائي التابع لصندوق النقد الدولي، والصندوق المشترك للسلع الأساسية التابع للأمم المتحدة.
وفي يناير 2023، جمع «صندوق أوبك للتنمية الدولية»، مليار دولار من بيع أول سنداته على الإطلاق، وهي سندات لمدة 3 سنوات بفائدة 4,5%، كسندات تنموية مستدامة، تخصص أموالها للأمن الغذائي والرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم والتوظيف ومشاريع الطاقة المتجددة. ومنذ قيامه، وحتى نهاية عام 2022، خصص أكثر من 24 مليار دولار لدعم مشروعات التنمية في أكثر من 125 دولة، وتقدر التكلفة الإجمالية لهذه المشروعات بنحو 190 مليار دولار، وتتركز رؤيته في المساهمة في إيجاد عالم تكون فيه التنمية المستدامة واقعًا يعيشه الجميع دون استثناء.
وفي يونيو الماضي، كان المنتدى الثاني للصندوق، والذي مثّل منبرًا للتعاون العالمي في معالجة القضايا العالمية الملحة، وخلاله وقع اتفاقًا بقيمة 20 مليون دولار مع بنك «بتسوانا»، لتقديم الدعم المالي للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، و30% منها لمشروعات المرأة، كما وقع اتفاقًا مع «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، حول تمويل مسّرع انتقال الطاقة، وهي مبادرة تسعى لتجميع أموال لاستثمارات الطاقة المتجددة، واتفاق تعاون مع برنامج الغذاء العالمي، واتفاق مع بنك التنمية الآسيوي؛ لتوفير تمويل مشترك لدعم النموذج التايلندي الجديد للتنمية المستدامة. أما أحدث أنشطته الداعمة للتنمية فقد كانت في يوليو، حيث قدم «قرضا»، بقيمة 100 مليون دولار إلى حكومة «الهند»، لتمويل مشروع طرق، وبه بلغ إجمالي تمويلاته للقطاع العام الهندي نحو 350 مليون دولار لحوالي 20 مشروعا.
على العموم، فإن اتجاه توسيع عضوية الأوبك، بينما يعزز قدرة صندوق التنمية الدولية التابع للمنظمة على الإسهام في جهود هذه التنمية؛ فإنه يمكنها من زيادة قدرتها على تحقيق الاستقرار لسوق أهم السلع في حياة الإنسان المعاصرة، بما يكفل تحقيق مصالح كلا الطرفين المنتج والمستهلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك