هذه المرة لستُ من يدَّعي ويصف اجتماعات الأمم المتحدة حول التغير المناخي التي بلغ عددها حتى الآن 29 اجتماعاً، وتُعقد منذ 32 عاماً، وطافت وساحت في معظم دول العالم، بأنها عبثية، ولا فائدة منها، وتُعتبر مضيعة للوقت الثمين، والمال الغالي للشعوب.
فقد صرح وزير خارجية «بابو غينيا الجديدة» (Papua New Guinea) «جستن تاشينكو» (Justin Tckatchenko)، وهي من الجزر المنخفضة الواقعة مباشرة على المحيط الهادئ والواقعة شمال أستراليا، في الثامن من نوفمبر 2024، أي قبيل أيام من انعقاد الاجتماع رقم (29) للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي في 11 نوفمبر في مدينة باكو عاصمة أذربيجان، حيث قال ان «هذه الاجتماعات عبارة عن وعود فارغة ولم تتمخض عنها أي نتائج، ولذلك فهي اجتماعات مضيعة للوقت»، كما أضاف وزير خارجية «بابوا غينيا الجديدة» قائلاً: «نحن لن نتسامح بعد الآن مع الوعود الفارغة والتقاعس عن تنفيذ الوعود، بينما يعاني شعبنا من العواقب المدمرة لتغير المناخ، فلم يخرج أي شيء ملموس من مثل هذه الاجتماعات الكبرى متعددة الأطراف».
كما قال الوزير: «وقد دارتْ اجتماعات مؤتمر الأطراف الثلاثة الأخيرة في دوائر، ولم تسفر عن نتائج ملموسة للدول الجزرية الصغيرة، ولن يكون الاجتماع (29) مختلفاً، لذلك لن تشارك «بابوا غينيا الجديدة» على المستوى السياسي، فقد أظهر المجتمع الدولي عدم احترام تام لبلدان مثل بلدنا التي تؤدي دوراً حاسماً في التخفيف من تغير المناخ. لقد سئمنا من التهميش».
وهذه التصريحات القوية والشديدة اللهجة لم تأت من فراغ، وإنما بسبب عقودٍ طويلة من الاجتماعات المناخية التي أَطلقتُ عليها سابقاً «اجتماعات السياحة المناخية»، والتي لم تسفر عنها أي نتائج ملموسة وفاعلة ومؤثرة تؤدي إلى إحداث تغيير وبطءٍ في سخونة الأرض وارتفاع حرارتها، إضافة إلى عدم توفير الدعم المالي اللازم للدول التي تضررت بسبب عبث وفساد أيدي الدول الصناعية المتقدمة في البيئة لأكثر من قرنين.
فهذه الاجتماعات العبثية أصبحت عديمة الجدوى والفائدة، فالفساد البيئي للكرة الأرضية يسير في خطوات سريعة جداً وواسعة النطاق ولا توازيها ولا تواكبها أي قرارات دولية مناخية يتم تنفيذها لحماية استدامة الكرة الأرضية وخفض حرارتها ووقف التدهور الحاصل لها.
ومن أكثر الدول تضرراً لسخونة الأرض وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والأعاصير الناجمة عنها هي الدول الجزرية الصغيرة الواقعة مباشرة على سطح البحر، وخاصة في المحيط الهادئ، فأصاب هذه الدول التي تَلْحقُ بها سنوياً الخسائر في الأرواح، إضافة إلى الخسائر المادية في تدمير المرافق الساحلية، فهذه الدول أصابها الإحباط الشديد، واليأس المدقع، وعدم الوثوق بالمجتمع الدولي ممثلاً في هذه الاجتماعات المناخية السنوية، وعدم الاقتناع كليا بمصداقيتها وجديتها في محاربة التغير المناخي ودعم ومساعدة الدول الصغيرة الضعيفة التي تعاني من تداعيات هذا التغير المناخي.
ومثل هذه التصريحات التي وردت عن وزير خارجية «بابو غينيا الجديدة»، جاءت أولاً في 22 أغسطس 2024 من رئيس وزراء هذه الدولة «جيمس مارابي» (James Marape)، الذي أصدر بياناً من مكتب رئيس الوزراء والمجلس التنفيذي الوطني حول موقف دولته من اجتماعات التغير المناخي الدورية، وخاصة الاجتماع رقم (29). فقد برَّر البيان عدم مشاركة حكومته في الاجتماع المناخي «احتجاجاً على الدول أصحاب البصمة الكربونية الكبيرة في العالم، لإثبات بأن دول الغابات الكثيفة تطالب جدياً في معالجة قضايا التغير المناخي، وخاصة المواجهة العملية لقضية الحفاظ على الغابات كاستراتيجية للتخفيف من آثار التغير المناخي».
كما ورد في البيان الصادر عن رئيس الوزراء لتلك الدولة: «إن عدم حضورنا هذا العام للاجتماع سيشير إلى احتجاجنا على الدول الكبرى، هذه الدول الصناعية التي تمتلك بصمة كربونية كبيرة، لافتقارها إلى الدعم السريع لضحايا التغير المناخي من أمم الغابات والمحيطات، فنحن نحتج على الدول التي تشارك في الاجتماعات وتعلن الوعود والالتزامات ولكن لا تفي بها». كما أضاف أن: «اقتصادنا يحتاج إلى المال فنحن نحمي الأشجار التي تعتبر رئة الأرض، بينما تواصل الدول الصناعية انبعاثاتها، فهي لم تدفع لوسائل الحماية».
فهذا الإحباط المشهود من هذه الدولة الصغيرة الواقعة على المحيط والمعروفة بكتلة «أوسيس» (AOSIS Bloc)، أو ائتلاف دول الجزر الصغيرة، وهذا اليأس من مصداقية الدول الصناعية والغنية الكبرى من تنفيذ وعودها التي تقطعها على نفسها أثناء اجتماعات التغير المناخي، ليس فقط نابعا عن هذه المجموعة من الجزر وحدها، وإنما هو رأي سائد وعام، واقتناع كامل عند الكثير من الدول الضعيفة الفقيرة النامية والشديدة التضرر من تداعيات التغير المناخي، التي لا تمتلك في الوقت نفسه الموارد المالية من جهة، كما لا تمتلك الموارد والخبرات التقنية من جهة أخرى للتصدي لهذه التداعيات ومواجهتها وتخفيف قوتها وشدتها على مرافق دولها.
وفي تقديري، فإن هذا اليأس من اجتماعات التغير المناخي وضعف قراراتها وعدم تنفيذها سيتفاقم وسيزيد بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب مرة ثانية للبيت الأبيض. فهذا الرئيس أثبت في السنوات الماضية بأن عقيدته ضد التغير المناخي، وأنه لا يؤمن بواقعتيه، أو بدور ومساهمة أنشطة الإنسان التنموية في وقوع هذه الظاهرة المناخية، بل ويعتبرها «خدعة واحتيال»، كما إنه يتعالى على الأمم المتحدة، ولا يقدرها ولا يعترف بها، فلا يوجد عنده أي استعداد شخصي وحزبي للالتزام بأي قرارات تتمخض عن منظمات الأمم المتحدة عامة، فهو نفسه الذي انسحب رسمياً من منظمة «اليونسكو» في عام 2018، وأوقف الدعم المالي السنوي الذي يقدر بنحو 75 مليون دولار، كما أنه يستصغر اجتماعات التغير المناخي خاصة، ولذلك انسحب في الأول من يونيو 2017 بعد توليه مقاليد الحكم من تفاهمات باريس التي وقع عليها الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ولذلك فالاجتماع رقم (29) في باكو عاصمة أذربيجان سيكون أيضاً صدمة قوية أخرى للدول الفقيرة والنامية، فمن أهم بنود الاجتماع هو الجانب المالي وصندوق التغير المناخي، الذي من المفروض أن يمتلئ منذ عقود ومازال فارغاً بمبلغ قدره قرابة 2.4 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2035 لدعم ومساعدة الدول الفقيرة والمتضررة من تداعيات وكوارث التغير المناخي.
وطبعاً هذا المبلغ لن تتبرع به الدول الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها المسؤول الأول تاريخيا عن وقوع التغير المناخي وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي على رأسها الآن دونالد ترامب، مما يعني فشل آخر لمثل هذه الاجتماعات التي عبَّرت عنها الدول بأنها عبثية ومضيعة للوقت والجهد والمال.
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك