العم أحمد مواطن عربي هاجر إلى البحرين في ريعان شبابه، حطت به رحال الغربة في أرض المنامة الطيبة وكان ذلك في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، عاش في البحرين أشهرا قليلة حيث لم يكتب الله له الرزق والعيش فيها، فكان عليه أن يشد الرحال مرة أخرى إلى بلد آخر بحثا عن الرزق وهذه سنة الله في خلقه قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) ولولا ارتحال البشر بحثا عن لقمة العيش الكريم والاستقرار لعاشت البشرية جميعها متزاحمة في مكان واحد.
الأشهر القليلة التي عاشها العم أحمد في البحرين وتحديداً في أزقة المنامة وضواحيها، كانت كفيلة بأن تركت في قلبه حبا عظيما لهذا البلد ولشعبها ولهوائها ورمالها وشطآنها رافقه هذا الحب طيلة حياته، انتقل للبحث عن عمل في المملكة العربية السعودية فعاش واستقر فيها قرابة 40 عاماً خلال هذه المدة سنحت له الظروف بزيارة البحرين بضع زيارات قصيرة لكن طيلة هذه السنوات كثيراً ما كان يمتدح البحرين وشعبها بل وكان يرى أنها أفضل البلاد العربية وأكثرها سماحة وبهجة للقلب، وهذا ليس كلام العم أحمد فقط بل كل من يزور المنامة يجد فيها ملامح وسمات وبساطة كالتي عايشها في بلده الأم، فينشأ حب تلقائي لهذه الديار في نفس كل زائر، يقول الكاتب صلاح الجودر؛ المنامة يوجد في أحيائها وأسواقها كثير من العائلات العربية القادمة من نجد والإحساء وعمان واليمن والعراق، وبجوارهم العجم والهنود والباكستانيون، وهناك أتباع الأديان من مسلمين (سنة وشيعة)، ومسيحيين ويهود وهندوس (بونيان) وبهائيين وبوذا وبهرة وسيخ، وصابئة ممن يعمل في صياغة الفضة، وجاء بعد ذلك الإنجليز والأمريكان والفرنسيين والفلبينيين، وغيرهم كثير عاشوا جميعهم متحابين متسامحين لا أحقاد ولا ضغائن بينهم فكانت السكينة والطمأنينة تحف البحرين وشعبها ومن يعش على أرضها وتحت سمائها.
العم أحمد بعد أن تقدم به العمر ونحل جسده ووهن عظمه عاد إلى بلده الأم ليعيش بها ما تبقى من عمره وبعد بضع سنوات كتب الله له العودة وزيارة البحرين من جديد فجاء ومكث بها عاما آخر من حياته ليعيد ذكريات شبابه وبداياته في هذه الأرض المباركة، ربما تغيرت ملامح كثيرة في معالمها وازداد أعداد الناس وتوسعت طرقاتها وارتفعت مبانيها وتطور كثير من ملامحها القديمة ولكنه ما زال يجد سمات الأصالة والتسامح والبساطة والمحبة والبشاشة والتعايش في وجوه شعبها لم تتغير، وربما تغير بعضها ولكن انطباعه الأول الذي غُرس في ذاكرته منذ قرابة نصف قرن ما زال يُسيطر على مشاعره وأحاسيسه ونظرته تجاه هذه الأرض المباركة وتجاه شعبها وقيادتها.
وعلى الرغم من الطمأنينة والراحة النفسية التي يشعر بها العم أحمد في أرض البحرين إلا أنه وجد نفسه مضطراً للرحيل عنها مجدداً والعودة إلى ما يسمى «وطنه الأم» ولم يمكث على رحيله سوى أيام قليلة حتى وافته المنية وانتقل إلى جوار ربه حاملاً في قلبه مشاعر فياضة لأرض البحرين ولشعبها، ولعلي أستخلص من قصة العم أحمد وعشقه ومحبته للبحرين ولشعبها ولقيادتها بأن كتب الله له أن يختم حياته كما بدأها في شبابه في أرض البحرين، هذه السجايا الطيبة والخصال الحميدة التي يتمتع بها شعب البحرين كانت سمة من السمات المميزة التي حرص قادة البحرين منذ مئات السنين على رعايتها وتنميتها والمحافظة عليها بل والاستثمار فيها، فهي منارة للمحبة والتسامح والتعايش والسلام، وهذا ما يؤكده صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم حفظه الله ورعاه في كل مناسبة يلتقي فيها الأعيان والوجهاء ورجالات البحرين ويؤكده قائلاً: «منذ القدم والبحرين وشعبها يجسدون مبادئ الصداقة والتسامح والاحترام المتبادل والانفتاح على العالم، وكلنا فخر بتنوعنا وتعددنا، وإيماننا الراسخ بأن لكل فرد الحق في التمتع بحياة آمنة وكريمة، واليوم لا تزال تلك القيم نبراساً ومصدر إلهام في كل ما نقوم به، كما كانت بالأمس القريب أساساً لميثاق العمل الوطني والدستور وستستمر لتكون إطاراً للإنجازات الوطنية في المستقبل»، يقول الشاعر:
هل البحرين يا طيبٍ توارث
شهادة غيرنا والكل حكابه.
ولي قلنا من البحرين يعني
تشوف الطيب فينا لا غرابه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك