برز انحياز الإعلام الغربي بشكل واضح تجاه إسرائيل خلال حروبها في غزة ولبنان. وأشار «ويليام يومانز»، من جامعة «جورج واشنطن»، إلى التناقض الواضح في تغطية الصحف الأمريكية الكبرى، مثل «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«لوس أنجلوس تايمز»، لتقاريرها حول القتلى والجرحى الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أكتوبر 2023؛ مما يعكس ازدواجية المعايير الغربية في تناولها لهذه الحروب.
وفي تغطيته للأحداث التي شهدتها العاصمة الهولندية «أمستردام»، أوائل نوفمبر؛ ركز الإعلام الغربي على اتهامات معاداة السامية، تجاه مشجعي أياكس، بينما أغفل الإشارة إلى العنف الذي مارسه مشجعو «مكابي تل أبيب»، وأعمال الشغب التي قاموا بها. وركزت منصات إعلامية كـ«نيويورك تايمز»، و«بي بي سي»، على اتهامات بمعاداة السامية؛ استنادًا إلى حوادث «دهس وهروب» استهدفت الإسرائيليين؛ فيما بدت تغطيتها محدودة تجاه الحالات الموثقة -بما في ذلك الصور والفيديوهات- التي أظهرت مشجعي «مكابي»، وهم يرددون شعارات تدعو إلى إبادة الفلسطينيين في غزة، ويمارسون أعمال عنف وتخريب، على النحو الذي وصفه «نيكولاس ماكجيهان»، من منظمة «فيرسكوير»، بأنه «تحريف صارخ للحقائق».
وتاريخيا، لا تُعدّ مسؤولية بعض مشجعي كرة القدم الإسرائيليين عن إثارة العنف «ظاهرة جديدة». ووصف «فيليب باكنغهام»، و«كولين ميلار»، في مجلة «ذي أثلتيك»، أنصار نادي مكابي تل أبيب، بأن لهم «تاريخا إشكاليا»، يحوي كثيرا من الانتهاكات العنصرية، والعنف المتكرر، حيث يحظى مشجعوه «المتطرفون»، بسمعة سيئة؛ بسبب دعمهم للأيديولوجيات اليمينية، وارتكابهم انتهاكات وعنف ضد الفلسطينيين. وأوضحت «دويتشه فيله»، كيف هاجموا عام 2020، المحتجين الإسرائيليين ضد رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، باستخدام الهراوات والزجاجات المكسورة، وكرّروا شعارات عنصرية ضد اللاعبين العرب الإسرائيليين.
ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر2023، ازداد هذا النمط من العنف حدّة. وفي مارس 2024، أفادت وسائل إعلام يونانية، بإصابة رجل يحمل علم فلسطين، ونقله إلى المستشفى، إثر اشتباكات مع مشجعي فريق مكابي، أثناء مباراة جمعتهم بفريق «أولمبياكوس» من أثينا. وسجل «دينيس مينيتري»، في صحيفة «لوموند»، كيف قاطع مشجعو فريق «فيورنتينا» الإيطالي، مباراة فريقهم ضد فريق إسرائيلي آخر – «مكابي حيفا» – في ذات الشهر؛ احتجاجًا على الحرب في غزة، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي فُرضت لحماية مشجعي الفريق الإسرائيلي.
ومنذ أكتوبر 2023، رفض «الاتحاد الأوروبي لكرة القدم» (اليويفا)، دعوات من منظمات حقوقية، مثل «فير سكوير»، التي طالبت بمنع الفرق الإسرائيلية من المشاركة في المسابقات الأوروبية، بسبب انتهاكات إسرائيل المستمرة في غزة والأراضي المحتلة. وفي مثال آخر على تحيز المؤسسات الغربية لصالح إسرائيل، أصدر «اليويفا»، قرارًا ينص على إقامة جميع مباريات الفرق الإسرائيلية في المسابقات الأوروبية في أماكن محايدة داخل أوروبا، وهو ما يتناقض مع الطريقة التي تم من خلالها حظر جميع الفرق الروسية من هذه المسابقات بعد الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.
وفيما يتعلق بأعمال العنف التي شهدتها «أمستردام» في أوائل نوفمبر2024، أشار «جون هينلي»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن العنف اندلع مساء يوم 6 نوفمبر، عندما قام مثيرو الشغب الإسرائيليون بتمزيق الأعلام الفلسطينية من على واجهات المباني في المدينة، مردّدين شعارات معادية للفلسطينيين تؤيد الإبادة الجماعية ضد المدنيين في غزة، ثم هاجموا سيارة أجرة وخربوها، مضيفا أن اللقطات التي تم التحقق منها على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرتهم وهم يشعلون القنابل والألعاب النارية، ويهتفون احتفالًا بفكرة أنه «لن يبقى هناك أطفال في غزة بحلول نهاية الحرب».
ومع عدم اتخاذ الشرطة أي إجراء ضد هذا العنف، تكررت الحوادث مساء السابع من نوفمبر، بالتوازي مع تجمع حشد من المشجعين الإسرائيليين في ساحة «دام» في أمستردام، حيث رافقتهم الشرطة إلى الملعب استعدادًا لمباراة «مكابي»، ضد «أياكس». وبعد أن شاهدوا هزيمة فريقهم «5-0» على يد خصمهم الهولندي، أوضح «هينلي»، أن لقطات مصورة، أظهرت أنصار الفريق الإسرائيلي بالقرب من محطة السكك الحديدية المركزية، وهم يهتفون دعما للإبادة الجماعية، ويطلقون المزيد من الألعاب النارية، ويستولون على أعمدة سقالات حديدية، وألواح خشبية لاستخدامها في أعمالهم العدائية».
ومع ذلك، لم تنعكس سلسلة الأحداث التي أوردها «هينلي»، ووثقتها وسائل التواصل الاجتماعي في أغلب تقارير الإعلام الغربي. وركزت رواية «جيم تانكرسلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، على «سلسلة من الاعتداءات على المشجعين الإسرائيليين الزائرين»، دون تقديم تفاصيل جوهرية، حول ماهية هذه الاعتداءات. فيما زعمت صحيفة «الإندبندنت»، أن مثيري الشغب «سعوا بنشاط إلى مهاجمة المشجعين الإسرائيليين»، وقللت من أهمية العنف – المذكور أعلاه – والهتافات المناهضة للفلسطينيين، معتبرة إياها مجرد «حوادث تتعلق بالمشجعين قبل المباراة». وبينما أوضح «توبي ستيرلينغ»، من وكالة «رويترز»، أن مشجعي إسرائيل «تعرضوا للاستهداف من قبل مجموعات من البلطجية»؛ فإنه وصف العنف الذي تم توثيقه من قبل مشجعي مكابي، وهتافاتهم التحريضية، بأنها مجرد «مشاجرات صغيرة مع السكان المحليين».
وفيما يتعلق بوسائل الإعلام التلفزيونية، قدمت قناة «سكاي نيوز»، تقريرًا عن العنف في أمستردام، وقللت فيه من أهمية أفعال مشجعي مكابي، معتبرة أنها لم «تستوفِ معايير التوازن والحياد» الخاصة بالقناة. ومع ذلك، أشار «وايات ريد»، من موقع «ذا غريزون»، إلى أن التقرير تم تغييره ليصبح «أكثر تعاطفًا مع المشاغبين الإسرائيليين الذين افتعلوا العنف».
علاوة على ذلك، فإن عنوان صحيفة «لوموند»، (بعد عام من تجنب الأسوأ.. أصبحت كرة القدم محط اهتمام في الحرب في الشرق الأوسط)؛ جاء ليضلل القراء، حيث يُوحي بأن الأحداث في أمستردام كانت مرتبطة بكرة القدم فقط، في حين أنها كانت نتيجة لتحريض من قبل مشاغبين إسرائيليين سافروا خصيصًا لمهاجمة السكان المحليين في هولندا، وتخريب الممتلكات الخاصة، والترويج علنًا لأعمال الإبادة ضد الفلسطينيين والعرب من قبل إسرائيل. وفي تعليقات له في صحيفة «ذا إندبندنت»، دعا السياسي الهولندي اليميني المتطرف «غيرت فيلدرز»، الذي يعتبر من الداعمين الشرسين لإسرائيل وحربها في غزة، حكومته إلى «اعتقال وترحيل» الأشخاص الذين وصفهم بـ«الحثالة متعددة الثقافات الذين هاجموا مشجعي مكابي تل أبيب في شوارعنا».
وتكررت تحيزات وسائل الإعلام الغربية تجاه عنف مشجعي كرة القدم الإسرائيليين في ردود فعل السياسيين داخل هولندا والدول الغربية. وقبل وصولهم، قامت السلطات الهولندية بنشر 800 شرطي إضافي، وأعلنت منع أي احتجاجات مؤيدة لفلسطين، وإعلان حالة طوارئ جزئية، كما نفذت الشرطة عمليات تفتيش عشوائية، ونشرت المزيد من عناصر الأمن لحماية المباني، والمنشآت المملوكة لليهود.
ورغم عدم الإشارة إلى أفعال التحريض من جانب مشجعي مكابي، استنكر رئيس وزراء هولندا، «ديك شوف»، «الهجمات المعادية للسامية غير المقبولة»، وأكد أنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو»، ووعد بأنه سيتم «تعقب الجناة ومقاضاتهم». فيما قالت عمدة أمستردام، «فمكى هالسيما»، إن العنف أعاد «ذكريات المذابح»، التي ارتكبها النازيون في الأربعينيات، وادعت أن «الثقافة اليهودية» في المدينة كانت «مهددة بعمق» نتيجة لـ«انفجار معاداة السامية»، ومن ثمّ، وفرت الشرطة حماية للإسرائيليين أثناء عودتهم إلى مطار أمستردام.
أما خارج هولندا، فقد كتب وزير الخارجية البريطاني «ديفيد لامي»، على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه «مذعور»، من «الهجمات المعادية للسامية على المواطنين الإسرائيليين»، بينما رفض الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، الأحداث، ووصفها بأنها «مقززة»، واعتبرها «تذكر بلحظات مظلمة في التاريخ». وفي الوقت نفسه، لم يعلق أي منهما على العنف المستمر من جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب في غزة ولبنان، رغم استمرار تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري من الحكومتين البريطانية والأمريكية لإسرائيل.
من جانبه، لم يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو»، الفرصة لتعزيز سمعة إسرائيل دوليًا، بغض النظر عن سياق الأحداث، فأعلن إرسال «طائرات إنقاذ»، لإجلاء مشجعي مكابي من العاصمة الهولندية، بينما قام وزير خارجيته «جدعون ساعر»، بزيارة دبلوماسية «عاجلة» إلى هولندا. ومع ذلك، أفاد «هينلي»، بأن المشجعين الإسرائيليين لم يُجْلَ أي منهم بواسطة طائرات «الإنقاذ» المزعومة، بل عادوا على متن الرحلات العادية لشركة الطيران الإسرائيلية، مما يعكس قدرة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة على استغلال وسائل الإعلام الغربية والحكومات لصالحها من خلال التركيز على اتهامات معاداة السامية.
وعلى الرغم من توثيق مشجعي مكابي، وهم يعطّلون عمداً دقيقة الصمت، تكريما لضحايا الفيضانات الأخيرة في «إسبانيا»، قبل بدء المباراة ضد «أياكس»، بإطلاق الصفير، وإشعال الألعاب النارية، والشعلات في المدرجات؛ فقد ركّزت التغطية الإعلامية على إمكانية معاقبة مشجعي نادي «باريس سان جيرمان»، الفرنسي ونادي «غلطة سراي»، التركي من قبل «الاتحاد الأوروبي لكرة القدم» (يويفا)، بسبب عرضهم شعارات تضامنية مع الفلسطينيين. ووفقا لما أشار إليه «باكنغهام»، و«ميلار»، تعتبر هذه الأفعال مخالفة لقواعد «اليويفا»، التي تحظر «استخدام الإيماءات، والكلمات، والأشياء، أو أي وسيلة أخرى لنقل رسالة استفزازية غير مناسبة لحدث رياضي».
وفي ضوء هذه المعايير المزدوجة، أشار «ماكجيهان»، إلى أنه «لتخليص كرة القدم الأوروبية من الهتافات العنصرية التي يصدرها مشجعو مكابي تل أبيب»، ينبغي على «يويفا»، إلزام الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم (IFA) بتطبيق المادة (7) من نظامه الأساسي المتعلقة بمكافحة التصرفات العنصرية، وفرض عقوبات مناسبة في حال عدم اتخاذه أي إجراءات. وفي ظل عدم حدوث ذلك في الماضي -كما حدث مع الفرق الروسية – تظل مثل هذه الإجراءات العقابية بعيدة المنال.
على العموم، لم تشر وسائل الإعلام الغربية إلى العنف الذي ارتكبه مشجعو كرة القدم الإسرائيليون في أمستردام، سواء كان جسديًا أو لفظيًا، بل وقللت من خطورة أعمالهم العدوانية؛ فيما ركزت بدلًا من ذلك، على اتهامات معاداة السامية، دون تقديم أدلة أو تفاصيل داعمة. وتكررت هذه المقاربة في السياسة الداخلية الهولندية، وفي ردود الفعل الرسمية الغربية، وهي مقاربات تتناقض بوضوح مع الدعم الذي تقدمه هذه الحكومات نفسها لإسرائيل في حملتها المستمرة على المدنيين الفلسطينيين في غزة، والأراضي المحتلة الأخرى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك