العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

«صج» الدنيا غدارة

الدنيا‭ ‬غدارة،‭ ‬كنت‭ ‬اسمع‭ ‬واردد‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬اشعر‭ ‬بحقيقتها‭ ‬المرة،‭ ‬حيث‭ ‬انني‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬امرأة‭ ‬سعيدة‭ ‬تملك‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬امرأة‭ ‬تعيسة‭ ‬فقدت‭ ‬شريك‭ ‬حياتها‭ ‬الذي‭ ‬تحبه‭ ‬في‭ ‬لمح‭ ‬البصر‭.‬

دخل‭ ‬زوجي‭ ‬العزيز‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬موعده‭ ‬اليومي،‭ ‬وأخبرني‭ ‬بأنه‭ ‬سيصعد‭ ‬غرفته‭ ‬يصلي‭ ‬وينزل‭ ‬لتناول‭ ‬الغذاء،‭ ‬وجلست‭ ‬كالعادة‭ ‬انتظره‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬الطعام‭ ‬ولكنه‭ ‬تأخر،‭ ‬اناديه‭ ‬لا‭ ‬يجاوبني‭ ‬فصعدت‭ ‬وانا‭ ‬انادي‭ ‬عليه‭ ‬لأتفاجأ‭ ‬بأبشع‭ ‬منظر‭ ‬رأته‭ ‬عيني،‭ ‬حبيبي‭ ‬وزوجي‭ ‬مستلقى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لا‭ ‬يتحرك،‭ (‬أزمة‭ ‬قلبية‭ ‬مفاجأة‭) ‬اخذت‭ ‬مني‭ ‬روحي‭ ‬وسعادتي‭.‬

انهرت،‭ ‬بكيت،‭ ‬صرخت‭ ‬لشهور‭ ‬حيث‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬استوعب‭ ‬ماذا‭ ‬وكيف‭ ‬ولماذا‭ ‬حدث،‭ ‬بل‭ ‬وحجم‭ ‬خسارتي‭ ‬في‭ ‬شريك‭ ‬حياتي‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نتجادل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬عن‭ ‬خططنا‭ ‬المستقبلة‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬البيت‭ ‬والعيال،‭ ‬بل‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬مصالحتي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬رأي‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬البيت‭ ‬وكيف‭ ‬جعلني‭ ‬افرح‭ ‬في‭ ‬ثوان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وعدني‭ ‬بسفرة‭ ‬جميلة‭ ‬بعد‭ ‬شهرين‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬الماضي‭.‬

يا‭ ‬إلهي‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬حياتي‭ ‬كلها‭ ‬انهارت‭ ‬تحت‭ ‬قدمي،‭ ‬اين‭ ‬وماذا‭ ‬سأفعل‭ ‬وحدي‭ ‬وكيف‭ ‬سأتخذ‭ ‬القرارات‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ (‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬صاحب‭ ‬العقل‭ ‬المدبر‭ ‬والقرارات‭ ‬الصحيحة‭ ‬الحاسمة‭)‬،‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬ابنائي‭ ‬وكيف‭ ‬سأتعامل‭ ‬معهم‭ ‬بحزم‭ ‬وقوة‭ ‬كوالدهم‭ ‬فأنا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬الأم‭ ‬الحنونة‭ ‬الطيوبة‭ ‬والدلوعة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترفض‭ ‬لهم‭ ‬طلبا‭ ‬لأن‭ ‬والدهم‭ ‬الحبيب‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬لها‭ ‬طلبا‭ ‬أصلا‭! ‬من‭ ‬سيدلعني‭ ‬بعد‭ ‬الآن؟‭ ‬من‭ ‬سيعتني‭ ‬بي؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬البيت‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬اعرف‭ ‬عنها‭ ‬أي‭ ‬شيء؟‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬زوجي‭ ‬هو‭ ‬عمود‭ ‬البيت‭ ‬القوي،‭ ‬هل‭ ‬بيتي‭ ‬أصبح‭ ‬ضعيفا‭ ‬الآن؟‭ ‬

ابنائي‭ ‬الاثنان‭ ‬متزوجان‭ ‬وبنتي‭ ‬أيضا‭ ‬متزوجة‭ ‬وهم‭ ‬حنونين‭ ‬علي‭ ‬كوالدهم،‭ ‬ولكن‭ ‬الدنيا‭ ‬مشاغل‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬فيهم‭ ‬مسئول‭ ‬عن‭ ‬أسرته‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يتفرغ‭ ‬ويهتم‭ ‬بي‭ ‬دائما،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬زوجي‭ ‬ربانا‭ ‬وعلمنا‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المسئول‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬عنا‭ ‬جميعا‭ ‬لذلك‭ ‬كنت‭ ‬اشعر‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬اصحو‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬بالضياع‭ ‬والحرمان‭ ‬ولكن‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فيه‭ ‬قوية‭ ‬وبقدر‭ ‬المسئولية‭ ‬فهل‭ ‬سأكون‭ ‬قدها؟‭ ‬

ألم‭ ‬اقل‭ ‬بأنني‭ ‬عرفت‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لعبارة‭ (‬الدنيا‭ ‬غدارة‭)‬،‭ ‬فبعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وشهور‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والضياع‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬اخرج‭ ‬للحياة‭ ‬واقف‭ ‬على‭ ‬رجل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ولكن‭ ‬الصدمة‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬ان‭ ‬ابنائي‭ ‬يحاولون‭ ‬ان‭ ‬يسيطروا‭ ‬ويتحكموا‭ ‬في‭ ‬تصرفاتي‭! ‬وهنا‭ ‬شعرت‭ ‬بأول‭ ‬اختبار‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬قوية‭ ‬وأوضح‭ ‬بأنني‭ ‬الأم‭ ‬او‭ ‬ان‭ ‬اضعف‭ ‬واجعلهم‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وانسى‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والسعادة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرفنا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬حبيب‭ ‬القلب‭ ‬زوجي‭ ‬امّن‭ ‬مستقبلي‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬القبر‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬البيت‭ ‬باسمي‭ ‬واودع‭ ‬مبلغا‭ ‬ماليا‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬وديعة‭ ‬باسمي‭ ‬ليضمن‭ ‬بأنني‭ ‬لن‭ ‬أحتاج‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬انسان‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬فلذات‭ ‬قلبي،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬اعظم‭ ‬واروع‭ ‬هدية‭ ‬قدمها‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬مماته،‭ ‬اما‭ ‬عن‭ ‬ثاني‭ ‬صفعة‭ ‬تلقيتها‭ ‬فكانت‭ ‬من‭ ‬احدى‭ ‬زوجات‭ ‬ابنائي‭ ‬التي‭ ‬سمعتها‭ ‬بأذني‭ ‬تحرض‭ ‬زوجها‭ (‬ابني‭) ‬علي‭ ‬وتطلب‭ ‬منه‭ ‬ان‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬ويطالب‭ ‬بحقه‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬حيث‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬زوجي‭ ‬ان‭ ‬يحرم‭ ‬أبناءه‭ ‬من‭ ‬نصيبهم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ (‬ناسية‭ ‬او‭ ‬متناسية‭) ‬بأنني‭ ‬امهم‭ ‬وان‭ ‬البيت‭ ‬سيكون‭ ‬لهم‭ ‬بعد‭ ‬مماتي‭! ‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التصرفات‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬الزوجات‭ ‬او‭ ‬بعض‭ ‬الأبناء‭ ‬أحيانا‭ ‬والتي‭ ‬تجعلني‭ ‬اشكر‭ ‬ربي‭ ‬وزوجي‭ ‬يوميا‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬مصيري‭ ‬بين‭ ‬ايدي‭ ‬أي‭ ‬انسان‭ ‬بعد‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬ابنائي،‭ ‬الذين‭ ‬اعشقهم‭ ‬واعلم‭ ‬بأنهم‭ ‬يعشقونني‭ ‬ويحترمونني‭ ‬ولكنها‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬والزمن‭ ‬الغدار‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬امان‭. ‬

هذه‭ ‬حكاية‭ ‬إحدى‭ ‬صديقاتي‭ ‬روتها‭ ‬لي‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا