العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

زوايا جعفرية وهاري بوتر (2)

كتبت‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬جيه‭ ‬كي‭ ‬رولينغ‭ ‬التي‭ ‬كسبت‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬من‭ ‬مبيعات‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬روايتها‭ ‬‮«‬هاري‭ ‬بوتر‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتناول‭ ‬عالما‭ ‬سحريا‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬يدرسون‭ ‬السحر‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬ما،‭ ‬ثم‭ ‬صارت‭ ‬مليارديرة‭ ‬بعد‭ ‬إصدار‭ ‬الجزء‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الرواية،‭ ‬وتحويل‭ ‬الرواية‭ ‬الى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي،‭ ‬ثم‭ ‬تذكرت‭ ‬كتابي‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬زوايا‭ ‬منفرجة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أبلغني‭ ‬مدير‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬تولت‭ ‬تسويقه‭ ‬أنه‭ ‬لقي‭ ‬رواجا‭ ‬شديدا‭ ‬وتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬مكتبه‭ ‬لتسلم‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عائدات‭ ‬بيع‭ ‬الكتاب‭.‬

وبما‭ ‬أنني‭ ‬أجمع‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬ووفرة‭ ‬المال‭ (‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬الى‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭ ‬عن‭ ‬النساء‭):‬

يردن‭ ‬ثراء‭ ‬المال‭ ‬حيث‭ ‬يجدنه‭ ‬

وشرخ‭ ‬الشباب‭ ‬عندهن‭ ‬عجيب

فقد‭ ‬كان‭ ‬الاحتياط‭ ‬واجباً،‭ ‬وهكذا‭ ‬جلست‭ ‬أمام‭ ‬مدير‭ ‬التوزيع‭ ‬الذي‭ ‬أخرج‭ ‬دفاتره‭ ‬وسألني‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬أريد‭ ‬شرب‭ ‬الشاي‭ ‬‮«‬سليماني‮»‬‭ ‬أم‭ ‬بالحليب‭ ‬أم‭ ‬القهوة؟‭ ‬فضحكت‭ ‬باستخفاف‭: ‬شاي‭ ‬ماذا‭ ‬يا‭ ‬متخلف‭. ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬يشربون‭ ‬الشمبانيا،‭ ‬فرد‭ ‬الرجل‭ ‬علي‭ ‬بانزعاج‭: ‬هل‭ ‬تشرب‭ ‬الخمر‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬حاشا،‭ ‬بل‭ ‬أريد‭ ‬شرب‭ ‬الشمبانيا؛‭ ‬باختصار‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬الشمبانيا‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬الأخضر،‭ ‬الذي‭ ‬سمعت‭ ‬أن‭ ‬الأغنياء‭ ‬فقط‭ ‬يشربونه‭ ‬لأنه‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬الكوليسترول‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الديتول،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬اشأ‭ ‬أن‭ ‬أبدو‭ ‬متخلفاً،‭ ‬فزعمت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شمبانيا‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الكحول‭ ‬فصدقني‭ ‬ذلك‭ ‬المتخلف،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬يجري‭ ‬عمليات‭ ‬حسابية‭ ‬ويطلعني‭ ‬على‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬شغل‭ ‬شاغل‭ ‬عنه‭ ‬لسببين؛‭ ‬أولهما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بمؤلف‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬القفز‭ ‬بالزانة‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬السلم‭ ‬الطبقي‭ ‬أن‭ ‬يناقش‭ ‬تفاصيل‭ ‬مالية‭ ‬تافهة‭ ‬مع‭ ‬موظف‭ ‬أجير،‭ ‬وثانيهما‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أجمع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عددين‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬الآحاد،‭ ‬ولكنني‭ ‬تدخلت‭ ‬عندما‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬الآلة‭ ‬الحاسبة،‭ ‬لأنني‭ ‬أسيء‭ ‬الظن‭ ‬بالآلات‭ ‬الصماء‭ ‬ولم‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬أجهزة‭ ‬الصراف‭ ‬الآلي‭ ‬التي‭ ‬تحشر‭ ‬في‭ ‬جوفها‭ ‬بطاقة‭ ‬فتعطيك‭ ‬المبلغ‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬تحدده،‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬المواطن‭ ‬السعودي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭ ‬لأنه‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬ضيقاً‭ ‬شديداً‭ ‬والذي‭ ‬أبلغه‭ ‬أحد‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬الملايين‭ ‬فأخطأ‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬نفسه‭ ‬وذهب‭ ‬إلى‭ ‬البنك‭ ‬ليبلغهم‭ ‬بحدوث‭ ‬خطأ،‭ ‬وظللت‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬كامل‭ ‬أتعامل‭ ‬يومياً‭ ‬مع‭ ‬أجهزة‭ ‬الصراف‭ ‬الآلي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تخطئ‭ ‬معي‭ ‬لأغطس‭ ‬بعدها‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬لي‭ ‬مكاناً‭ ‬ولو‭ ‬استعان‭ ‬بأجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬الفلسطينية‭ ‬العشرة‭.‬

ما‭ ‬علينا‭ ‬فقد‭ ‬قلت‭ ‬لصاحبي‭: ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للاستهبال‭ ‬وحشر‭ ‬حاسبة‭ ‬بيننا‭ ‬وأنت‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬اخطأت‭ ‬الحاسبة‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬مقاضاتها،‭ ‬فأحسب‭ ‬أموالي‭ ‬بالورقة‭ ‬والقلم‭ ‬وتأكد‭ ‬أن‭ ‬عمولتك‭ ‬عندي،‭ ‬فانشرحت‭ ‬أسارير‭ ‬الرجل‭ ‬وأكمل‭ ‬العملية‭ ‬الحسابية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قياسي،‭ ‬فالإنسان‭ ‬العربي‭ ‬ضعيف‭ ‬أمام‭ ‬العمولة‭ ‬والعائدات‭ ‬المتأتية‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الطفيلي،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬بكتابة‭ ‬الشيك‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬أريد‭ ‬المبلغ‭ ‬كاشاً‭ ‬أي‭ ‬نقداً،‭ ‬حتى‭ ‬يراه‭ ‬العيال‭ ‬ويتنسموا‭ ‬عطره‭ ‬ويلعبوا‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتدهور‭ ‬العلاقات‭ ‬بيننا‭ ‬عند‭ ‬زواجي‭ ‬بأخرى‭/‬أخريات‭ ‬غير‭ ‬أمهم،‭ ‬فلم‭ ‬يمانع‭ ‬الرجل‭ ‬وفتح‭ ‬الخزانة‭ ‬ومد‭ ‬يده‭ ‬ببضع‭ ‬وريقات‭ ‬نقدية‭: ‬ما‭ ‬هذا؟‭ ‬قال‭: ‬هذا‭ ‬نصيبك‭.. ‬قلت‭: ‬ثكلتك‭ ‬أمك‭ ‬وزوج‭ ‬أمك‭.. ‬تعطيني‭ ‬رقماً‭ ‬من‭ ‬خانة‭ ‬واحدة؟

وفي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الأغبر‭ ‬اكتسبت‭ ‬بشرتي‭ ‬ذلك‭ ‬اللون‭ ‬الأغبر‭ ‬الذي‭ ‬حرمني‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬مركز‭ ‬وظيفي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬لائق‭. ‬ونجحت‭ ‬بعد‭ ‬جهد‭ ‬جهيد‭ ‬في‭ ‬استرداد‭ ‬تكاليف‭ ‬طباعة‭ ‬الكتاب‭ ‬التعيس،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬الحراج،‭ ‬وقدمت‭ ‬عروضاً‭ ‬مغرية‭: ‬اشتر‭ ‬كتابين‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الثالث‭ ‬مجاناً،‭ ‬واشتر‭ ‬عشرة‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬مجاناً،‭ ‬وشكوت‭ ‬حال‭ ‬كتابي‭ ‬للأستاذ‭ ‬الطيب‭ ‬صالح‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬فقال‭ ‬إنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬عربي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬الطبعة‭ ‬الأولى‭ ‬لأي‭ ‬كتاب،‭ ‬فقلت‭ ‬في‭ ‬سري‭: ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬عربياً‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬أبيع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.. ‬وهكذا‭ ‬سيداتي‭ ‬سادتي‭ ‬توقعوا‭ ‬صدور‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬زوايا‭ ‬حادة‭ ‬Acute‭ ‬Angles‮»‬‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬للكاتب‭ ‬الإفريقي‭ ‬ج‭. ‬أ‭. (‬جيفري‭ ‬أباس‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا