العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قلبي على وطني

لي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬مقال‭ ‬منشور‭ ‬في‭ ‬صحف‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬والسودان‭ ‬وبريطانيا‭ (‬الصحف‭ ‬المهاجرة‭)‬،‭ ‬وجميعها‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬زاوية‭ ‬منفرجة‭ ‬أو‭ ‬غائمة‭ ‬أو‭ ‬حادة‭ ‬أو‭ ‬معكوسة،‭ ‬ولن‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مائة‭ ‬خضت‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬الى‭ ‬النهاية،‭ ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬ومازلت‭ ‬أكتب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬السياسية‭ ‬الصرفة،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أنشرها‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬الأعمدة‭ ‬تلك‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الرأي‭ ‬والمقالات‭.‬

ولكن‭ ‬وطني‭ ‬ينزف‭ ‬اليوم،‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬بين‭ ‬قابيل‭ ‬وهابيل،‭ ‬مدينة‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬فيها‭ ‬وابتنيت‭ ‬فيها‭ ‬مسكنا‭ ‬ظلت‭ ‬سوح‭ ‬اقتتال‭ ‬طوال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأربعة‭ ‬ونيف‭ ‬الماضية‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬السكان‭. ‬أقاربي‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬وهم‭ ‬بالمئات‭ ‬صاروا‭ ‬نازحين‭ ‬داخل‭ ‬الوطن‭ ‬وخارجه‭. ‬بيتي‭ ‬الخاص‭ ‬تعرض‭ ‬مثل‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البيوت‭ ‬للانتهاك‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والاحتلال،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬جرى‭ ‬أو‭ ‬يجري‭ ‬داخله‭: ‬هل‭ ‬صار‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬أم‭ ‬استراحة‭ ‬محارب؟‭ ‬ولا‭ ‬يحزنني‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬وقوع‭ ‬بيتي‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬او‭ ‬تعرض‭ ‬محتوياته‭ ‬للنهب‭ ‬او‭ ‬التهشيم،‭ ‬فالمصاب‭ ‬الجلل‭ ‬العظيم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬وطني‭ ‬كله‭ ‬يتعرض‭ ‬للكسر‭ ‬والبتر‭ ‬والتفكيك،‭ ‬فأصدقاء‭ ‬الأمس‭ ‬صاروا‭ ‬أعداء‭ ‬وتوزعوا‭ ‬على‭ ‬خندقين،‭ ‬وصار‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬نيران‭ ‬الطرفين،‭ ‬اللذين‭ ‬يصمّان‭ ‬الآذان‭ ‬عن‭ ‬صرخات‭ ‬المكلومين‭ ‬بفقد‭ ‬الأعزاء،‭ ‬ومن‭ ‬تيتموا‭ ‬وترملوا‭ ‬وتبعثروا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واد‭.‬

وصاح‭ ‬فيهم‭ ‬زهير‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سلمى‭ ‬من‭ ‬قبره‭:‬

وَما‭ ‬الحَربُ‭ ‬إِلّا‭ ‬ما‭ ‬عَلِمتُم‭ ‬وَذُقتُمُ

وَما‭ ‬هُوَ‭ ‬عَنها‭ ‬بِالحَديثِ‭ ‬المُرَجَّمِ

مَتى‭ ‬تَبعَثوها‭ ‬تَبعَثوها‭ ‬ذَميمَةً

وَتَضرَ‭ ‬إِذا‭ ‬ضَرَّيتُموها‭ ‬فَتَضرَمِ

فَتَعرُكُّمُ‭ ‬عَركَ‮ ‬الرَحى‮ ‬بِثِفالِها

وَتَلقَح‭ ‬كِشافاً‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تَحمِل‭ ‬فَتُتئِمِ

فَتُنتَج‭ ‬لَكُم‭ ‬غِلمانَ‭ ‬أَشأَمَ‭ ‬كُلُّهُم

كَأَحمَرِ‭ ‬عادٍ‭ ‬ثُمَّ‭ ‬تُرضِع‭ ‬فَتَفطِمِ

يا‭ ‬قوم‭ ‬زهير‭ ‬هذا‭ ‬جاهلي‭ ‬شهد‭ ‬حروبا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فيها‭ ‬راجمات‭ ‬صواريخ‭ ‬ولا‭ ‬قصف‭ ‬جوي‭ ‬ولا‭ ‬دبابات‭ ‬أو‭ ‬مدفعية،‭ ‬ولكن‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬استمر‭ ‬عقودا‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬تضرم‮»‬‭ ‬والنار‭ ‬من‭ ‬مستصغر‭ ‬الشرر،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬الخرطوم‭ ‬تتمدد‭ ‬الى‭ ‬أطراف‭ ‬السودان‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬عشرات‭ ‬الحركات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تزعم‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬تحريرية‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬سجلها‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬معظمها‭ ‬تحول‭ ‬الى‭ ‬عصابات‭ ‬مسلحة،‭ ‬ودول‭ ‬الجوار‭ ‬السوداني‭ ‬غربا‭ ‬تتهاوى‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬تحت‭ ‬سنابك‭ ‬العسكر‭ ‬الانقلابيين،‭ ‬وتنظيم‭ ‬بوكو‭ ‬حرام،‭ ‬وهو‭ ‬النسخة‭ ‬الإفريقية‭ ‬لداعش‭ ‬بدأ‭ ‬يتمدد‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬السودان‭ ‬الى‭ ‬وسطه،‭ ‬فمناخ‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬السودان‭ ‬الأوسط‭ ‬والغربي‭ ‬أوصل‭ ‬البلاد‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬اللادولة‭.‬

وطن‭ ‬به‭ ‬أراضٍ‭ ‬بكر‭ ‬وأنهار‭ ‬جارية‭ ‬ظلت‭ ‬كتب‭ ‬الجغرافيا‭ ‬تبشر‭ ‬بأنه‭ ‬سلة‭ ‬غذاء‭ ‬العالم‭ ‬صار‭ ‬بسبب‭ ‬بؤس‭ ‬حكوماته‭ ‬يستجدي‭ ‬الخبز‭ ‬والأسبرين،‭ ‬والموتى‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬الكفن‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬من‭ ‬يدفنهم‭ ‬فتبقى‭ ‬جثثهم‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬قوتا‭ ‬للكلاب‭ ‬الضالة،‭ ‬وهكذا‭ ‬تتعرض‭ ‬كرامة‭ ‬الانسان‭ ‬حيا‭ ‬او‭ ‬ميتا‭ ‬للانتهاك،‭ ‬فالخراب‭ ‬أسهل‭ ‬من‭ ‬الإعمار‭ ‬والهدم‭ ‬أسهل‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬ووقف‭ ‬الحرب‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬إشعالها،‭ ‬والمواطن‭ ‬السوداني‭ ‬يصرخ‭ ‬اليوم‭ ‬بصوت‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬مفتاح‭ ‬الفيتوري‭:‬

قتلوني‭ ‬وأنكرني‭ ‬قاتلي

وهو‭ ‬يلتف‭ ‬بردان‭ ‬في‭ ‬كفني

وأنا‭ ‬من؟‭ ‬

سوى‭ ‬رجل‭ ‬واقف‭ ‬خارج‭ ‬الزمن

كلما‭ ‬زيَّفوا‭ ‬بطلا

قلت‭: ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬وطني

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا