العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

يا لروعة أجسامنا

حدثتكم‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬حمية‭ ‬قوامها‭ ‬عصير‭ ‬الليمون‭ ‬في‭ ‬معدة‭ ‬خاوية،‭ ‬وأتناول‭ ‬اليوم‭ ‬أمرا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبطن‭ ‬الخاوية‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ليمون‭ ‬أو‭ ‬بطيخ،‭ ‬وأقول‭ ‬إنه‭ ‬وبسبب‭ ‬قولوني‭ ‬سيء‭ ‬السيرة‭ ‬والسلوك،‭ ‬وصاحب‭ ‬ السمعة‭ ‬غير‭ ‬المشرفة،‭ ‬فإنني‭ ‬مضطر‭ ‬للخضوع‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬أربع‭ ‬أو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬لفحصه‭ ‬بالمنظار‭ ‬كي‭ ‬يتأكد‭ ‬اختصاصي‭ ‬أمراض‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬بالنظر‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يتقرح‭ ‬أكثر،‭ ‬أو‭ ‬لرؤية‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬زوائد‭ ‬لحمية‭ ‬طيبة‭ ‬أو‭ ‬خبيثة‭ ‬نبتت‭ ‬فيه،‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الزوائد‭ ‬يتم‭ ‬قطعها‭ ‬بالمنظار‭ ‬ثم‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬إناء‭ ‬معقم‭ ‬لفحصها‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬بنت‭ ‬ناس‭ (‬أي‭ ‬غير‭ ‬خبيثة‭).‬

ولن‭ ‬أنسى‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬طلب‭ ‬فيها‭ ‬مني‭ ‬الطبيب‭ ‬الصوم‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬توطئة‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬تنقيب‭ ‬عن‭ ‬الأحجار‭ ‬غير‭ ‬الكريمة‭ ‬في‭ ‬جهازي‭ ‬الهضمي،‭ ‬وكان‭ ‬مباحاً‭ ‬لي‭ ‬تعاطي‭ ‬السوائل،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬فإن‭ ‬موعداً‭ ‬يحدد‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‭ ‬في‭ ‬عيادة‭ ‬طبيب،‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬والنصف،‭ ‬وهكذا‭ ‬امتدت‭ ‬ساعات‭ ‬صومي‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬الثامنة‭ ‬مساء‭ ‬حتى‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬أي‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتناول‭ ‬طعاماً‭ ‬صلباً‭ ‬ثلاثين‭ ‬ساعة،‭ ‬ودخلت‭ ‬على‭ ‬الطبيب‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬ظهراً‭ ‬واستغرقت‭ ‬عمليات‭ ‬التنقيب‭ ‬والإفاقة‭ ‬منها‭ ‬نحو‭ ‬ساعة،‭ ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭ ‬حيث‭ ‬تناولت‭ ‬قضمة‭ ‬من‭ ‬تفاحة‭ ‬وشعرت‭ ‬بالامتلاء‭. ‬وشعرت‭ ‬بالانتشاء‭. ‬

الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الصوم‭ (‬الذي‭ ‬بلا‭ ‬حسنات‭) ‬كانت‭ ‬مزعجة‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬فعند‭ ‬نقطة‭ ‬معينة‭ ‬ترفض‭ ‬بطنك‭ ‬السوائل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬عصيراً‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬تشتهيه،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬أبقي‭ ‬بطني‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬لـ30‭ ‬ساعة،‭ ‬وسبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬صمت‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬متتالية‭ ‬لم‭ ‬أتناول‭ ‬خلالها‭ ‬سوى‭ ‬الماء‭ ‬العادي،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إضراب‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الدكتاتور‭ ‬جعفر‭ ‬نميري،‭ ‬وكانت‭ ‬لدينا‭ ‬مطالب‭ ‬عادلة‭ ‬تجاهلتها‭ ‬إدارة‭ ‬السجن‭ ‬فكان‭ ‬الإضراب،‭ ‬وبنهاية‭ ‬اليوم‭ ‬الثالث‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬الإحساس‭ ‬بالألم‭ ‬والزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬يدخلها‭ ‬من‭ ‬يسافر‭ ‬جواً‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬متواصلة‭ ‬فيفقد‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬مشاهدة‭ ‬برامج‭ ‬التلفزيون‭ ‬المعروضة‭ ‬داخل‭ ‬الطائرة‭ ‬ويتوقف‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الساعة‭ ‬لمعرفة‭ ‬الوقت‭. ‬وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأكل‭ ‬يعني‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لقيمات‭ ‬قليلة‭ ‬تمنع‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬من‭ ‬الاحتجاج‭ ‬أو‭ ‬الإضراب‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬يأكل‮»‬‭ ‬نحو‭ ‬ست‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬اليوم‭.  ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يعنيني‭ ‬أن‭ ‬أتناول‭ ‬وجبة‭ ‬رئيسية‭ ‬بل‭ ‬أتناول‭ ‬ما‭ ‬تيسر‭ ‬وتوافر‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬بكميات‭ ‬قليلة‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬قصيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأكل‭ ‬يجعلك‭ ‬تحس‭ ‬بالجوع‭ ‬كثيراً‭ ‬لأنك‭ ‬لا‭ ‬تملأ‭ ‬بطنك‭ ‬في‭ ‬وجبة‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬تظل‭ ‬بطنك‭ ‬شبه‭ ‬فارغة‭ ‬معظم‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭.‬

ولكن‭ ‬تجربة‭ ‬الصوم‭ ‬ثلاثين‭ ‬ساعة‭ (‬وهي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬إنجاز‭ ‬كبير‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬أناس‭ ‬يستطيعون‭ ‬صوم‭ ‬ضعف‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ماء‭ ‬أو‭ ‬طعام‭)..  ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬وتجربة‭ ‬الإضراب‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬جعلتني‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الشحم‭ ‬الأبيض‭ ‬المختزن‭ ‬في‭ ‬السنام‭ ‬البشري‭ ‬ينفع‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العصيب‭.  ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬قرأت‭ ‬حكاية‭ ‬أسترالي‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬سيارته‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬صحراوي‭ ‬عندما‭ ‬استوقفه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشخاص‭ ‬واستولوا‭ ‬على‭ ‬السيارة‭ ‬وتركوه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬صحراوية‭ ‬وظل‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬هدى‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬بلا‭ ‬ماء‭ ‬أو‭ ‬طعام‭ ‬حتى‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬نبع‭ ‬ماء‭ ‬وظل‭ ‬هناك‭ ‬يأكل‭ ‬السحالي‭ ‬والضفدع‭ ‬وصغار‭ ‬الثعابين‭ ‬‮«‬طازة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬بدون‭ ‬طبخ،‭ ‬وعندما‭ ‬عثروا‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬كيلوجراما‭ ‬من‭ ‬وزنه‭.  ‬معنى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬زود‭ ‬أجسامنا‭ ‬بنظم‭ ‬وآليات‭ ‬وميكانيزمات‭ ‬تجعلها‭ ‬تتغذى‭ ‬ذاتياً‭ ‬باستهلاك‭ ‬مخزونها‭ ‬من‭ ‬الدهون‭ ‬والسوائل‭.‬

جسمك‭ ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬بنيان‭ ‬رائع‭ ‬وبه‭ ‬أنظمة‭ ‬طوارئ‭ ‬ودفاع‭ ‬وهجوم‭ ‬فعزز‭ ‬تلك‭ ‬الأنظمة‭ ‬ولا‭ ‬ترهقها‭ ‬أو‭ ‬تخربها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخذلك‭ ‬عندما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا