العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الواسطة ضرورة حياتية

دعتني‭ ‬قناة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬حول‭ ‬مضار‭ ‬الواسطة،‭ ‬فاعتذرت‭ ‬عن‭ ‬الاستضافة،‭ ‬وقلت‭ ‬لهم‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬لمحاربة‭ ‬الواسطة‭ ‬‮«‬بلا‭ ‬طائل‮»‬،‭ ‬وإنني‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الواسطة،‭ ‬بل‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬بدون‭ ‬وساطات‭: ‬فكيف‭ ‬أعالج‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬وسيط‭ ‬يوصلني‭ ‬إلى‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭ ‬دون‭ ‬موعد‭ ‬مسبق؟‭ ‬كيف‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬يعينني‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬سيارة‭ ‬BMW،‭ ‬كما‭ ‬اشتراها‭ ‬صديقي‭ ‬مسعود‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يكفيه‭ ‬راتبه‭ ‬حتى‭ ‬لشراء‭ ‬سندويتشات‭ ‬فول‭ ‬أسبوعا‭ ‬كاملا؟‭ ‬كيف‭ ‬ألغي‭ ‬مخالفاتي‭ ‬المرورية؟‭ ‬كيف‭ ‬أقنع‭ ‬عمي‭ (‬سعيد‭) ‬بأن‭ ‬يزوجني‭ ‬ابنته‭ ‬بالتقسيط‭ ‬المريح‭: ‬يدفع‭ ‬عني‭ ‬المهر‭ ‬وأسدده‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتخلص‭ ‬من‭ ‬أقساط‭ ‬السيارة؟‭ ‬كيف‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬واللوائح‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬الوظيفة‭ ‬حيازة‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير،‭ ‬وأنا‭ ‬مازلت‭ -‬طوال‭ ‬6‭ ‬سنوات‭- ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬بالانتساب؟

باختصار‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬بلا‭ ‬واسطة،‭ ‬ولا‭ ‬حياء‭ ‬في‭ ‬الواسطة،‭ ‬وبحمد‭ ‬الله‭ ‬فإن‭ ‬التقاليد‭ ‬العربية‭ ‬جعلت‭ ‬الواسطة‭ ‬أهم‭ ‬‮«‬مؤهل‮»‬‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬تبتغيه‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬ضروريات‭ ‬وكماليات‭! ‬وبالمقابل‭ ‬انظروا‭ ‬إلى‭ ‬الخواجات‭ ‬التعساء‭: ‬ديفيد‭ ‬بلانكيت‭ ‬وبشهادة‭ ‬محبيه‭ ‬وخصومه‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬وزير‭ ‬للتربية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وتم‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬فانخفضت‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬القانونية،‭ ‬ولكنه‭ ‬أرغم‭ ‬على‭ ‬الاستقالة؟‭ ‬لماذا؟‭ ‬لأنه‭ ‬ارتكب‭ ‬جريمة‭ ‬نكراء،‭ ‬تخيلوا‭ ‬أنه‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬حياء‭ ‬منح‭ ‬تأشيرة‭ ‬دخول‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬لفلبينية‭ ‬لتعمل‭ ‬مربية‭ ‬عند‭ ‬عشيقته‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وحكاية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لوزير‭ ‬بريطاني‭ ‬عشيقة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عشيق‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬عيباً‭. ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭! ‬عادي‭! ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬منح‭ ‬تأشيرة‭ ‬لمربية‭ ‬فلبينية‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬19‭ ‬يوماً‭ ‬فهذه‭ ‬‮«‬كبيرة‮»‬‭ ‬وهكذا‭ ‬طار‭ ‬السيد‭ ‬بلانكيت،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬البريطانيون‭ ‬يفهمون‭ ‬أهمية‭ ‬الواسطة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬تسيير‭ ‬الحياة‭ ‬لتمت‭ ‬ترقية‭ ‬الوزير‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭. ‬

وواقع‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬يستطيع‭ ‬الأوروبيون‭ ‬والأمريكان‭ ‬أن‭ ‬يتعلموها‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬العرب‭: ‬انظر‭ ‬مثلاً‭ ‬إلى‭ ‬البهدلة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬لتجديد‭ ‬ولايته،‭ ‬فيتعرض‭ ‬المسكين‭ ‬لسيل‭ ‬من‭ ‬الشتائم،‭ ‬ويضطر‭ ‬إلى‭ ‬التنقل‭ ‬بالطائرات‭ ‬والباصات‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬مستجدياً‭ ‬أصوات‭ ‬الناخبين،‭ ‬وينفق‭ ‬قرابة‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬حملته‭ ‬الانتخابية،‭ ‬ولو‭ ‬استعان‭ ‬بالخبراء‭ ‬العرب‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬بيته‭ ‬إلا‭ ‬للتلويح‭ ‬للجماهير‭ ‬من‭ ‬‮«‬البلكونة‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬ينام‭ ‬ويصحو‭ ‬ليجد‭ ‬أن‭ ‬الشعب،‭ ‬الأحياء‭ ‬منهم‭ ‬والأموات،‭ ‬منحوه‭ ‬أصواتهم‭ ‬وثقتهم،‭ ‬وإذا‭ ‬احتج‭ ‬المرشح‭ ‬الخصم‭ ‬فالخبراء‭ ‬العرب‭ ‬‮«‬جاهزون‮»‬‭: ‬يمكن‭ ‬محاكمة‭ ‬الخصم‭ ‬بتهمة‭ ‬الخيانة‭ ‬العظمى‭ ‬أو‭ ‬الخيانة‭ ‬الزوجية،‭ ‬ويجوز‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المرشح‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬علاج‭ ‬نفسي‭ ‬بالصدمات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬لأنه‭ ‬تجرأ‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬الذات‭ ‬الرئاسية‮»‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬تعديل‭ ‬الدستور‭ ‬بحيث‭ ‬ينافس‭ ‬الرئيس‭ ‬نفسه

ولكن‭ ‬الغرب‭ ‬ظلم‭ ‬نفسه،‭ ‬وظلمنا‭ ‬عندما‭ ‬أساء‭ ‬الظن‭ ‬بخبراتنا،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬أكثر‭ ‬سلعنا‭ ‬رواجاً‭ ‬وهي‭ ‬الرقص‭ ‬الشرقي‭ ‬نهبا‭ ‬للراقصات‭ ‬الروسيات‭ ‬والأوكرانيات،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فساد‭ ‬ذوق‭ ‬الغربيين‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬واحدة‭ ‬اسمها‭ ‬كروبسكاياوفا‭ ‬كارمانيلوفيتش‭ ‬راقصة؟‭ ‬عندنا‭ ‬فيفي‭ ‬ولوسي‭ ‬ودينا‭. ‬أسماء‭ ‬تشرح‭ ‬الصدر‭ ‬وجميعهن‭ ‬من‭ ‬اللافقاريات‭ (‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬الفصيلة‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها‭ ‬الديدان‭) ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬الواحدة‭ ‬منهن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تثني‭ ‬جسمها‭ ‬180‭ ‬درجة‭.‬

وعودٌ‭ ‬على‭ ‬البدء‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬ضد‭ ‬محاربة‭ ‬الواسطة،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيوقف‭ ‬دولاب‭ ‬العمل‭ ‬عندنا،‭ ‬فمقولة‭ ‬‮«‬خير‭ ‬الأمور‭ ‬الواسطة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬القانون‭ ‬الذهبي‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬الأمور‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭: ‬أنت‭ ‬واسطتي‭ ‬لمنح‭ ‬ولدي‭ ‬وظيفة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وأنا‭ ‬أتوسط‭ ‬لك‭ ‬لدى‭ ‬ابن‭ ‬عمي‭ ‬كي‭ ‬ترسو‭ ‬عليك‭ ‬مناقصة‭ ‬ويفوز‭ ‬بـ«عطاء‮»‬،‭ ‬وينال‭ ‬ابن‭ ‬عمي‭ ‬عمولة،‭ ‬كي‭ ‬تتسنى‭ ‬له‭ ‬الاستعانة‭ ‬بآخر‭ ‬لاستيراد‭ ‬مبيدات‭ ‬محظورة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬منشأة‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬هناك‭ ‬شخص‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬واسط‭ ‬بن‭ ‬عطاء‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬تحريك‭ ‬دبوس‭ ‬من‭ ‬مكانه‭ ‬بدون‭ ‬تدخل‭ ‬مباشر‭ ‬منه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا