العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

نحن قوم ننفعل ولا نفعل

يعاتبني‭ ‬بعض‭ ‬القراء‭ ‬لأنني‭ ‬في‭ ‬رأيهم‭ ‬لا‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الساخنة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بقضايا‭ ‬الساعة،‭ ‬وما‭ ‬يقولونه‭ ‬صحيح‭ ‬لأنني‭ ‬أتعمد‭ ‬تفادي‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬عمودي‭ ‬هذا،‭ ‬ولأنني‭ ‬لا‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬موضع‭ ‬اهتمام‭ ‬معظم‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬أسابيع‭ ‬متتالية،‭ ‬يحسب‭ ‬القارئ‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬بداعش‭ ‬ولا‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬ولا‭ ‬البرهان‭ ‬ولا‭ ‬حميدتي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬رصد‭ ‬ومتابعة‭ ‬أحوال‭ ‬جميع‭ ‬أقاصي‭ ‬الدنيا‭ ‬هو‭ ‬وسيلتي‭ ‬لكسب‭ ‬الرزق‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ (‬وما‭ ‬عليك‭ ‬بزعمي‭ ‬المتكرر‭ ‬بأن‭ ‬عمري‭ ‬39‭ ‬سنة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تنقص‭).‬

ولكن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬سبب‭ ‬معقول‭ ‬ومنطقي‭ ‬يفسر‭ ‬ابتعادي‭ ‬عما‭ ‬يسمى‭ ‬بالقضايا‭ ‬الراهنة،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬غيري‭ ‬يتناول‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬زواياه،‭ ‬وطالما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬عندي‭ ‬أضيفه،‭ ‬فخير‭ ‬لي‭ ‬وللقراء‭ ‬أن‭ ‬أسكت‭ ‬عنه،‭ ‬بل‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬القراء‭ ‬الإعراب‭ ‬عن‭ ‬شكرهم‭ ‬لي‭ ‬لأنني‭ ‬أتفادى‭ ‬التنكيد‭ ‬عليهم‭ ‬لأن‭ ‬اللي‭ ‬فيهم‭ ‬يكفيهم،‭ ‬ولا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬التفجيرات‭ ‬والقتلى‭ ‬و«بينهم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‮»‬‭- ‬وكأنما‭ ‬مقتل‭ ‬الرجال‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭.. ‬عادي‭! ‬

والأمر‭ ‬الآخر‭ ‬هو،‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الزفة،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمواضيع‭ ‬‮«‬الساخنة‮»‬،‭ ‬فمثلاً‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬قيامة‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بمناسبة‭ ‬نشر‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬آيات‭ ‬شيطانية‮»‬‭ ‬لسلمان‭ ‬رشدي‭ (‬بالمناسبة‭ ‬‮«‬رشدي‮»‬‭ ‬بفتح‭ ‬الراء‭ ‬وليس‭ ‬بضمها‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬صاحب‭ ‬الاسم‭ ‬ولعله‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يوضح‭ ‬ذلك‭ ‬ليقول‭ ‬لمن‭ ‬أفتوا‭ ‬بتكفيره‭ ‬ثم‭ ‬قتله،‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يزعم‭ ‬الرُّشد‭ ‬والرشاد‭). ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬وعند‭ ‬صدور‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب،‭ ‬وتفجُّر‭ ‬براكين‭ ‬الغضب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬الكتاب،‭ ‬وبعد‭ ‬صدوره‭ ‬بنحو‭ ‬عامين‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬وحرصت‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وقرأته‭..  ‬أستغفر‭ ‬الله‭..  ‬حاولت‭ ‬قراءة‭ ‬الكتاب‭..  ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أكملت‭ ‬ثلث‭ ‬صفحاته‭ ‬ألقيت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬يليق‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الزبالة‮»‬

فكعمل‭ ‬فني‭ ‬كانت‭ ‬الرواية‭ ‬ضعيفة‭ ‬البنية‭ ‬وهشة‭ ‬وتعبانة،‭ ‬ومحاولات‭ ‬التطاول‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬ونبي‭ ‬الإسلام‭ ‬–عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام–‭ ‬كانت‭ ‬فجة‭ ‬ومفضوحة‭ ‬وركيكة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ليبيع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬لولا‭ ‬فتوى‭ ‬الزعيم‭ ‬الايراني‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬الخميني‭ ‬بإهدار‭ ‬دمه،‭ ‬فصارت‭ ‬الضجة‭ ‬حول‭ ‬الكتاب‭ ‬عالمية‭ ‬وارتفعت‭ ‬مبيعاته،‭ ‬ولكن‭ ‬النقاد‭ ‬الأدبيين‭ ‬الغربين‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬رواية‮»‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬حقق‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬ينشدها‭ ‬الكاتب‭: ‬إثارة‭ ‬ضجة‭ ‬تجعله‭ ‬محط‭ ‬الأنظار،‭ ‬وباع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يبعه‭ ‬من‭ ‬روايته‭ ‬الرائعة‭ ‬‮«‬أطفال‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لفتت‭ ‬الانتباه‭ ‬إليه‭.‬

وفي‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬أقمنا‭ ‬الدنيا‭ ‬وهددنا‭ ‬أعداء‭ ‬الإسلام‭ ‬بالويل‭ ‬والثبور‭ ‬والاجتثاث‭ ‬من‭ ‬الجذور،‭ ‬لأن‭ ‬صحيفة‭ ‬دنماركية‭ ‬نشرت‭ ‬رسومات‭ ‬فيها‭ ‬تطاول‭ ‬على‭ ‬مقام‭ ‬نبينا‭ ‬الكريم،‭ ‬وأول‭ ‬ما‭ ‬فكرت‭ ‬فيه‭ ‬عندما‭ ‬بلغني‭ ‬أمر‭ ‬تلك‭ ‬الرسومات‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أطلع‭ ‬عليها،‭ ‬فاستخدمت‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬غوغل‭ ‬في‭ ‬الإنترنت‭ ‬وكتبت‭ ‬اسم‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬،‭ ‬وجاءني‭ ‬أول‭ ‬رابط‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬مسار‭ ‬البشرية‮»‬‭ ‬وهكذا‭ ‬جاءت‭ ‬شبكة‭ ‬المعلومات‭ ‬الدولية‭ ‬بالرد‭ ‬المفحم‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الرسام‭ ‬الدنماركي،‭ ‬والاستبانة‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬نبي‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬قائمة‭ ‬أكثر‭ ‬الشخصيات‭ ‬تأثيراً‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬التاريخ‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬عام‭ ‬1981،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يأتيني‭ ‬الإنترنت‭ ‬بتلك‭ ‬المعلومة‭ ‬وأنا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬رسومات‭ ‬تتطاول‭ ‬عليه،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬تأكيداً‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬ليس‭ ‬تطاولاً‭ ‬على‭ ‬النبي،‭ ‬بل‭ ‬استخفاف‭ ‬بالمسلمين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم‭ ‬والعرب‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬الخصوص،‭ ‬فأمرنا‭ ‬لدى‭ ‬الآخرين‭ (‬هين‭) ‬والكلمة‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬الهوان

وبيني‭ ‬وبينكم‭ ‬معهم‭ ‬حق،‭ ‬فليس‭ ‬لنا‭ ‬كلمة‭ ‬ولا‭ ‬صوت‭ ‬ولا‭ ‬فعل‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ (‬حرف‭) ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.  ‬نحن‭ ‬شعوب‭ ‬ملطشة‭ ‬والله‭ ‬يجازي‭ ‬اللي‭ ‬كان‭ ‬السبب‭.  ‬لدنيا‭ ‬مثقفون‭ ‬ومفكرون‭ ‬ذوو‭ ‬رؤى‭ ‬ثاقبة‭ ‬ولدينا‭ ‬مبدعون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يعاملون‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬كالأنعام،‭ ‬وإذا‭ ‬تسنموا‭ ‬منابر‭ ‬عالمية‭ ‬اتهموا‭ ‬بالعمالة‭..  ‬إعلامنا‭ -‬وهو‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬الآخرون‭ ‬عالمنا‭ -(‬يكسف‭)‬،‭ ‬منافق‭ ‬وعاجز‭ ‬وسخيف‭ ‬يصورنا‭ ‬كقطعان‭ ‬تنساق‭ ‬لعصا‭ ‬الراعي‭.  ‬إعلام‭ ‬جاهل‭ ‬ولهذا‭ ‬لم‭ ‬يكتشف‭ ‬أمر‭ ‬تلك‭ ‬الرسومات‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬4‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬نشرها‭!!  ‬الرسول‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يهان‭ ‬وأن‭ ‬يُساء‭ ‬إليه‭..  ‬الإساءة‭ ‬موجهة‭ ‬إلينا،‭ ‬ونحن‭ ‬نستأهل‭ ‬لأننا‭ ‬قوم‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬وليس‭ ‬فعل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا