العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أحلام الثراء قد تتحول إلى كوابيس

من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬الإنسان‭ ‬لتحسين‭ ‬وضعه‭ ‬المادي،‭ ‬والجيوب‭ ‬كما‭ ‬جهنم‭ ‬كلما‭ ‬وضعت‭ ‬فيها‭ ‬نقودا‭ ‬صاحت‭ ‬‮«‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬زمننا‭ ‬الحاضر‭ ‬تعددت‭ ‬وسائل‭ ‬استثمار‭ ‬الأموال‭ ‬لمدى‭ ‬قصير‭ ‬او‭ ‬متوسط‭ ‬او‭ ‬بعيد،‭ ‬وهكذا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬اجتاح‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬فيروس‭ ‬الثراء‭ ‬السريع،‭ ‬وتحول‭ ‬ملايين‭ ‬المواطنين‭ ‬الخليجيين‭ ‬إلى‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البورصات‭ ‬وأسواق‭ ‬الأسهم،‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬نجح‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف،‭ ‬فصارت‭ ‬الآمال‭ ‬كبارا‭: ‬من‭ ‬سيربح‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬جورج‭ ‬قرداحي،‭ ‬وجاءت‭ ‬الملايين‭ ‬فعلا‭ ‬لمعظمهم،‭ ‬فتمكن‭ ‬الفيروس‭ ‬من‭ ‬المتبورصين،‭ ‬وجعلهم‭ ‬ينسون‭ ‬أن‭ ‬أرباح‭ ‬الأسهم‭ ‬تقود‭ ‬الى‭ ‬السهو،‭ ‬وتحولت‭ ‬الملايين‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الى‭ ‬ملاليم‭.‬

وأذكر‭ ‬كيف‭ ‬تعرضت‭ ‬شوارع‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬للسعودة‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬فقد‭ ‬امتلأت‭ ‬بالسيارات‭ ‬ذات‭ ‬اللوحات‭ ‬السعودية،‭ ‬والشماغات‭ ‬الحمراء،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬تدفق‭ ‬آلاف‭ ‬السعوديين‭ ‬للاكتتاب‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬قطري،‭ ‬وفاضت‭ ‬الفنادق‭ ‬والشقق‭ ‬المفروشة‭ ‬بالبشر،‭ ‬فاضطر‭ ‬كثيرون‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬الليل‭ ‬داخل‭ ‬سياراتهم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العامة‭ ‬والمساجد‭.‬

الكل‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مليونيراً‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬اعتقادا‭ ‬بأن‭ ‬شراء‭ ‬أسهم‭ ‬الشركات‭ ‬هو‭ ‬طريق‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬والمضمون،‭ ‬وكأن‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬جمعيات‭ ‬خيرية‭ ‬هدفها‭ ‬توزيع‭ ‬الأرباح‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬لوجه‭ ‬الله،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬من‭ ‬أصيبوا‭ ‬بفيروس‭ ‬الأسهم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬إذا‭ ‬أخطأت‭ ‬التقدير‭ ‬والحساب‭ ‬طريق‭ ‬الخسارة‭ ‬السريعة‭ ‬والمدمرة،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يربحون‭ ‬فيها‭ ‬هم‭ ‬ذوو‭ ‬الأسهم‭ ‬الكثيرة‭ ‬المتنوعة‭ ‬والنفس‭ ‬الطويل‭. ‬أما‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الموظف‭ ‬التعبان‭ ‬الذي‭ ‬يقترض‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬ويبيع‭ ‬مجوهرات‭ ‬زوجته‭ ‬لشراء‭ ‬أسهم‭ ‬على‭ ‬‮«‬قد‭ ‬حاله‮»‬‭ ‬فإنك‭ ‬تعرض‭ ‬نفسك‭ ‬للانهيار‭ ‬العصبي‭ ‬وارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬والإمساك‭ (‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬الأكل‭ ‬بسبب‭ ‬فقدان‭ ‬الشهية‭ ‬بسبب‭ ‬فقدان‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬أداء‭ ‬أسهمك‭ ‬القليلة‭!!).‬

تعالوا‭ ‬نقرأ‭ ‬بعض‭ ‬حكايات‭ ‬الأسهم‭ ‬من‭ ‬أرشيفي‭ ‬الخاص‭: ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬خليجية،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تقرر‭ ‬عقد‭ ‬قران‭ ‬شاب‭ ‬على‭ ‬فتاة‭ ‬خلال‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية،‭ ‬وفي‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬كان‭ ‬الشاب‭ ‬قد‭ ‬أعدّ‭ ‬البشت‭ ‬ولوازم‭ ‬الزواج‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بوالد‭ ‬الفتاة‭ ‬يماطل‭ ‬ويسوّف‭ ‬ويطلب‭ ‬تأجيل‭ ‬الزواج‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬محدد،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشف‭ ‬السبب‭: ‬بزواج‭ ‬البنت‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ (‬كرت‭ ‬العائلة‭) ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬اسمها‭ ‬وبطاقتها‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الأسهم‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬عديدة‭ ‬سمع‭ ‬أن‭ ‬أسهمها‭ ‬ستطرح‭ ‬للتداول‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الأشهر‭ ‬المقبلة‮»‬‭.‬

أما‭ ‬الحكاية‭ ‬التي‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عظة‭ ‬لكل‭ ‬الحالمين‭ ‬بالثراء‭ ‬الاكتتابي‭ ‬المفاجئ‭ ‬فهي‭ ‬حكاية‭ ‬شخص‭ (‬دعنا‭ ‬نسميه‭ ‬ماجد‭) ‬اختارت‭ ‬له‭ ‬والدته‭ ‬عروساً‭ ‬مناسبة،‭ ‬وفرح‭ ‬بحسن‭ ‬اختيار‭ ‬أمه‭ ‬لشريكة‭ ‬الحياة،‭ ‬وقابل‭ ‬والد‭ ‬الفتاة‭ ‬الذي‭ ‬طالبه‭ ‬بتعجيل‭ ‬مراسيم‭ ‬الزواج‭ ‬وبخمسين‭ ‬ألف‭ ‬مهراً،‭ ‬وفوقها‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬كسوة‭ ‬والدة‭ ‬العروس،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ماجد‭ ‬يملك‭ ‬سوى‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬فنصحه‭ ‬صديق‭ ‬بشراء‭ ‬سيارة‭ ‬بالتقسيط‭ ‬وبيعها‭ ‬نقداً‭. ‬وقد‭ ‬كان‭: ‬اشترى‭ ‬السيارة‭ ‬بـ‭ ‬85‭ ‬ألفا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يسدد‭ ‬قيمتها‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬وباعها‭ ‬بـ60‭ ‬ألفا‭ ‬فتوفر‭ ‬له‭ ‬بذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬المطلوب‭ ‬للزواج‭ (‬وتلك‭ ‬حيلة‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الكثيرون‭ ‬لتوفير‭ ‬المال‭ ‬السائل‭ ‬وهي‭ ‬كأن‭ ‬تشتري‭ ‬حسرة‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭ ‬مقابل‭ ‬نشوة‭ ‬مؤقتة‭).‬

اتفق‭ ‬ماجد‭ ‬مع‭ ‬والد‭ ‬العروس‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬عقد‭ ‬القران‭ ‬والزفاف،‭ ‬ولكن‭ ‬صديقه‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬أمامك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬الزواج،‭ ‬وإذا‭ ‬استثمرت‭ ‬الستين‭ ‬ألفا‭ ‬في‭ ‬الأسهم‭ ‬لأسبوعين‭ ‬غستربح‭ ‬مالاً‭ ‬يعوضك‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬سعر‭ ‬شراء‭ ‬السيارة‭ ‬وبيعها،‭ ‬ويوفر‭ ‬لك‭ ‬بعض‭ ‬نفقات‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬المنظورة،‭ ‬وسال‭ ‬لعاب‭ ‬ماجد‭ ‬لفكرة‭ ‬جني‭ ‬ارباح‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬20‭ ‬ألفا‭ ‬ووضع‭ ‬ميزانية‭ ‬الزواج‭ ‬بكاملها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوعين‭ ‬وحلول‭ ‬موعد‭ ‬الزواج‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬خسر‭ ‬33‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬عملة‭ ‬بلاده،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬تبقى‭ ‬لديه‭ ‬27‭ ‬ألفا،‭ ‬والمطلوب‭ ‬لإكمال‭ ‬الزواج‭ ‬كان‭ ‬55000‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الأعذار‭ ‬العرجاء‭: ‬الوالدة‭ ‬صحتها‭ ‬مو‭ ‬طيبة‭ ‬ودخلت‭ ‬المستشفى‭ (‬طبعاً‭ ‬الذي‭ ‬صحته‭ ‬غير‭ ‬طيبة‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬علاج‭ ‬طبي‭ ‬هو‭ ‬ماجد‭).‬

ولم‭ ‬يتم‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الموضوع‭ ‬قد‭ ‬تفركش‭ ‬نهائيا‭ ‬بسبب‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا