في عصر يتسم بالتغيرات المناخية وتدهور البيئة، أصبحت الاستدامة أمرًا ضروريًّا لضمان مستقبل مستدام ومزدهر، وأصبحت العديد من المؤسسات التعليمية تعتبر الاستدامة جزءًا أساسيًّا من رؤيتها واستراتيجيتها، وتحاول الالتزام لتحقيق التقدم والنجاح على المدى الطويل، بالإضافة إلى خدمة مصالح جميع منتسبي المؤسسة التعليمية، والمجتمعات الواقعة ضمن محيطها، لذا فإن دمج المواضيع البيئية، وخاصة التغيرات المناخية ضمن مناهج المؤسسات التعليمية بجميع مستوياتها يعد ذا أهمية كبيرة، والتي أصبحت من أهم القضايا البيئية على الساحة العالمية، هذا وقد تم البدء في المملكة للعمل على دمج المصطلحات البيئية داخل المناهج التعليمية عبر تدريس منهج التربية البيئية، حيثُ إن تثقيف المجتمع يبدأ من العمل على إنشاء مؤسسة تعليمية نموذجية تكون صديقة للبيئة، ويكون لها دور في تثقيف المجتمع حول أهمية الحد من انبعاثات الكربون والعيش حياة مستدامة بيئيًّا. ويتطلب كذلك تفعيل قنوات التواصل الآمنة بانتظام مع المؤسسة التعليمية من خلال الرسائل الإخبارية أو صفحة على موقع الإنترنت، لبيان ما يتم تطبيقه من ممارسات ناجحة تسهم في الحد من التأثيرات البيئية الكثيرة.
إن تنفيذ مشروع المؤسسات التعليمية والمجتمعية الخضراء بالتعاون مع الجهات المسؤولة عملية ذات أبعاد وطنية، وتسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام، وذلك عن طريق تحديد عدد من المؤسسات التعليمية، والتي توفر بيئة استثنائية جاذبة، مثًلا احتواؤها على ملاعب وصالات رياضية خضراء لجذب الطلاب، ومن الأفكار التي يمكننا تنفيذها والتعاون في إنشاء وتجهيز المساحات غير المستغلة بزراعات بسيطة، وتجهيز فصل مفتوح للعمل البيئي والاستدامة لعقد جلسات نقاشية أو فعاليات بيئية، وتطوير الواجهات الخارجية ودورات المياه والممرات والأبواب في المؤسسة التعليمية، فضًلا عن تنفيذ الطاقة المتجددة عبر مشروع الطاقة الشمسية وإنتاج الطاقة الكهربائية لعينة من المؤسسات التعليمية والمجتمعية كتجربة أولية، إلى جانب ضرورة العمل على إعداد برامج تدريبية وتوعوية حول مفاهيم القضايا البيئية، ودعم مهارات مجتمع المؤسسة التعليمية من الهيئات الإدارية والتعليمية لتنمية الوعي الطلابي، وتفعيل الشراكة المجتمعية، وذلك في ضوء متطلبات التنمية المستدامة، ودمج المفاهيم البيئية، وخاصة التغيرات المناخية داخل المواد الدراسية بتقديم نبذة مختصرة ومبسطة عن هذه المفاهيم وترجمتها داخل الفصول الدراسية.
ثمة خطوات جادة وطموحة في المملكة، وهي العمل عبر مؤسساتها التعليمية والمجتمعية المستدامة؛ والتفكير جديًا نحو إيجاد طرق بشأن واحدة من أهم القضايا التي تهم الإنسانية، وتؤثر في حاضر ومستقبل هذا الكوكب حيث المنشأ والحياة، وهي قضية «التغيرات المناخية»، لإيجاد سبل للنجاة نحو مستقبل أفضل للأجيال القادمة، لضمان مستويات أفضل من جودة الحياة في إطار بيئة صحية، وآمنة، وتنمية مستدامة خضراء، إن المستقبل الطبيعي والصحي للأجيال القادمة، والذي يمثل طلابنا نسبة كبيرة، لن يتحقق إلَّا بتضافر كل الجهود في مختلف المجالات والقطاعات في المملكة، آخذين في الاعتبار أن هذه القضية تتجاوز حدود المحلية، لما لها من أبعاد عالمية، وتاريخية، إذ تنعكس عليها ممارسات الأجيال السابقة، وتبنى عليها النتائج التي ستحصدها الأجيال القادمة، وتعود بالنفع والفائدة على مجتمعاتنا.
ومن هذا المنطلق، فإن الهدف الأساسي الذي نسعى إليه هو تنمية وعي الطلبة بهذه القضايا المحورية، والتي تعد قضية التغيرات المناخية أهمها، إن العمل بشكل متكامل على تنمية وعي الهيئة التعليمية والإدارية في المؤسسات التعليمية يعتبر أمرًا ضروريًا، ويمكننا من خلال توجيه إعداد حقائب تعليمية شاملة نحو تحقيق الأهداف المرجوة للتعليم البيئي ومتطلباته، والتي يتجه نحو المساهمة في بناء أجيال تعمل على حماية البيئة، والتحكم في التغيرات المناخية، من أجل حماية حقوق الأجيال القادمة، وإيمانًا بأنَّ التوعية بقضايا التغير المناخي، وزيادة المعارف حولها، وتغيير السلوكيات التي تحافظ على البيئة والمناخ، لا تقتصر على مجموعة من التدريبات، وبرامج التوعية التي نجتمع بشأنها اليوم، لذا فقد تم تضمينها أيضًا داخل مناهج التعليم الجديدة، انطلاقًا من رؤية مملكة البحرين 2030، في مجالي التعليم والتنمية المستدامة.
ولتحقيق مفهوم المؤسسة التعليمية المستدامة على أرض الواقع، لا بد من اتباع مجموعة معايير واشتراطات معتمدة من قبل الهيئات والمنظمات التعليمية الدولية، بعضها يتعلق بمواصفات المباني والإنشاءات، وبعضها يتعلق بتطوير المناهج ودمج قضايا التنمية المستدامة فيها، وبعضها يتعلق بالممارسات والأنشطة التي يتفاعل معها الطلبة، وفي إطار التقييم وقياس ما حققته المدرسة المستدامة من أهداف، ثمة ما يعرف بـ «البصمة البيئية»، وهي أداة تستخدم فيها مبادئ حسابية لقياس الموارد التي يتم استغلالها واستهلاكها، وكذلك متطلّبات استيعاب ما يتخلف عن مجموعة بشرية ما، وإعادة تدوير المخلفات مع الإشارة إلى أن البصمة البيئية في المؤسسة التعليمية، تشتمل على الفائض في الطاقة المستخدمة، والفضاء أو المساحة للبنى التحتية، وما يستهلك من موارد وخدمات بيئية» وهناك العديد التجارب العالمية الملهمة الجديرة بالوقوف أمامها، منها التجربة اليابانية التي يتضمنها ما يعرف بنظام «توكاتسو» التربوي الذي تناوله بالتفصيل تقرير حديث يحمل عنوان «عالم التوكاتسو»، صادر عن جامعة طوكيو، ويشير إلى أنه نظام تتوسع فيه المجالات والأنشطة الصفية وغير الصفية التي تستهدف تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى الطلاب تجاه المجتمع والبيئة المدرسية المحيطة، وتحقيق التنمية المتوازنة بين الجوانب الاجتماعية والبيئية والأكاديمية، وكذلك «تجربة نيجيريا» لنشر الوعي بمواجهة التغير المناخي التي تشهد آثارًا مدمرة لتغير المناخ بسبب زيادة هطول الأمطار والفيضانات الكارثية، حيثُ قرر الفنانون في نيجيريا ألا يتعاملوا مع هذه الأزمات بشكل تقليدي، وبدأوا في استغلال المسرح في مواجهة تغير المناخ وآثاره على المجتمع، من خلال إنتاج مسرحيات ذات تكلفة منخفضة لتوعية الجماهير بخطر الفيضانات، ومساعدتهم على التكيف مع آثار الطقس المتطرفة.
ختامًا، يوجد هناك توجه واتجاه عالمي متعاظم للتوسُّع في منظومات المؤسسات التعليمية والمجتمعية المستدامة. ومنذ مطلع الألفية، بدأت بالفعل عديد من الدول حول العالم للعمل على تحويل مدارسها التقليدية، إلى مدارس مستقبلية مستدامة، وذلك بعد أن تبين ما تحمله من فوائد كبيرة تدفع بقوة نحو تحسين جودة الحياة على أرض الواقع وبناء مستقبل واعد. وللوصول إلى ذلك يشترط وجود مسؤولية تشاركية تتعاون فيها المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص. إن هذا النوع من التعاون يزيد من إمكانات تعديل السلوكيات الفردية والجماعية على نحو إيجابي في العمل والإنتاج المستدام، واللافت للنظر أن المؤسسات التعليمية في المملكة تعمل جاهدة على تشجيع ورفع وعي الطلبة بالاهتمام بالقضايا البيئية، ما سينعكس بالتأكيد إيجابًا على المجتمع للمساهمة في بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة للأجيال القادمة، ومن أهم الملفات لتحقيق الحفاظ على البيئة والاستدامة، حيث تعمل مؤسسات التعليم على ترسيخ مفاهيم البيئة والاستدامة مع مختلف القطاعات، كما تحرص على دمج البُعد البيئي في كل الأنشطة الطلابية والثقافية والفنية، وتهدف بشكل أساسي إلى أن تكون صديقة للبيئة في كل الملفات مثل إدارة المخلفات والمياه والأبحاث العلمية والتغيرات المناخية والأزمات.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك