العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الجهل يغذي سوق الدجل

من‭ ‬طريف‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬البروفسر‭ ‬علي‭ ‬كوباني‭ ‬أحد‭ ‬أميز‭ ‬من‭ ‬تخصصوا‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬العدلي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أنه‭ ‬أتاه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أربعة‭ ‬أشخاص‭ ‬ذوو‭ ‬لحى‭ ‬محفوفة‭ ‬بعناية،‭ ‬ويرتدون‭ ‬ملابس‭ ‬بيضاء‭ ‬نظيفة،‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬أكثرهم‭ ‬لحما‭ ‬وشحما‭ ‬أنهم‭ ‬يريدون‭ ‬نقل‭ ‬رفات‭ ‬‮«‬شيخهم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬قبل‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬المقبرة‭ ‬العامة،‭ ‬الى‭ ‬الضريح‭ ‬الذي‭ ‬اكتمل‭ ‬بناؤه،‭ ‬وإنهم‭ ‬يريدون‭ ‬منه‭ ‬نبش‭ ‬الجثمان‭ ‬حسبما‭ ‬تقتضي‭ ‬الأصول‭ ‬المرعية‭ ‬ليتسنى‭ ‬لهم‭ ‬تشييعه‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬يليق‭ ‬به،‭ ‬فقال‭ ‬لهم‭ ‬كوباني‭ ‬إن‭ ‬عليهم‭ ‬تجهيز‭ ‬كفن‭ ‬جديد‭ ‬وصندوق‭ ‬خشبي،‭ ‬مشيرا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬العملية‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬ان‭ ‬الجثمان‭ ‬تحلل‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬العظام،‭ ‬هنا‭ ‬صاح‭ ‬فيه‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭: ‬كُف‭ ‬عن‭ ‬قلة‭ ‬الأدب،‭ ‬فجثمان‭ ‬شيخنا‭ (‬المبروك‭) ‬لا‭ ‬ولن‭ ‬يتحلل،‭ ‬وأنت‭ ‬ستتولى‭ ‬نبش‭ ‬القبر‭ ‬وسترى‭ ‬بنفسك‭ ‬انه‭ ‬يرقد‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬هيئته‭ ‬الجسمانية‭.‬

جاء‭ ‬اليوم‭ ‬الموعود‭ ‬وتوجه‭ ‬كوباني‭ ‬ومساعدوه‭ ‬الى‭ ‬المقبرة،‭ ‬ووجدوا‭ ‬حولها‭ ‬خلقا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬مريدي‭ ‬الشيخ‭ ‬المتوفى‭ ‬يقرعون‭ ‬الطبول‭ ‬ويطلقون‭ ‬البخور‭ ‬وينشدون‭ ‬الأناشيد‭ ‬التي‭ ‬تمجد‭ ‬الشيخ‭ ‬الراحل،‭ ‬وبدأت‭ ‬عملية‭ ‬النبش‭ ‬في‭ ‬حذر‭ ‬بالغ‭ ‬حتى‭ ‬وصلوا‭ ‬الى‭ ‬الرفات،‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬من‭ ‬الجثمان‭ ‬سوى‭ ‬كومة‭ ‬من‭ ‬العظام،‭ ‬فإذا‭ ‬بأحد‭ ‬الرجال‭ ‬الأربعة‭ ‬يهتف‭: ‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬فقد‭ ‬وجدنا‭ ‬شيخنا‭ ‬سليما‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬هيئته،‭ ‬فرددت‭ ‬الحشود‭ ‬التكبير‭ ‬وعلا‭ ‬دوي‭ ‬الطبول‭ ‬احتفاء‭ ‬بتلك‭ ‬‮«‬المعجزة‮»‬،‭ ‬ويقول‭ ‬كوباني‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬أطلق‭ ‬تلك‭ ‬الكذبة‭ ‬نظر‭ ‬إليه‭ ‬نظرة‭ ‬وعيد‭ ‬مؤداها‭: ‬لو‭ ‬فتحت‭ ‬فمك‭ ‬بكلمة‭ ‬تنفي‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬فستنزل‭ ‬انت‭ ‬في‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬شيخنا‭.‬

وعلينا‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬لبعض‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الرجم‭ ‬بالغيب‭ ‬وتغيير‭ ‬مجاري‭ ‬الأحداث‭ ‬متفش‭ ‬وبائيا،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬باعة‭ ‬وزبائن‭ ‬الوهم‭ ‬أولئك‭ ‬يرعوي‭ ‬عندما‭ ‬يسمع‭ ‬بالدجال‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬لجأت‭ ‬اليه‭ ‬عروس‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬تشنجات‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬قرانها،‭ ‬ثم‭ ‬اختفى‭ ‬أثرها،‭ ‬وبعد‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬عليها‭ ‬محتجزة‭ ‬في‭ ‬مستودع‭ ‬ضيق‭ ‬واتضح‭ ‬ان‭ ‬الدجال‭ ‬اغتصبها‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬أو‭ ‬باللبنانية‭ ‬التي‭ ‬استعانت‭ ‬برجل‭ ‬ذاع‭ ‬أمر‭ ‬قدراته‭ ‬الخارقة‭ ‬ليحبط‭ ‬مسعى‭ ‬زوجها‭ ‬للاقتران‭ ‬بأخرى،‭ ‬فأعطاها‭ ‬مساحيق‭ ‬لتضعها‭ ‬في‭ ‬مشروب‭ ‬تقدمه‭ ‬لزوجها،‭ ‬ونجح‭ ‬‮«‬المفعول‮»‬‭ ‬في‭ ‬إحباط‭ ‬مشروع‭ ‬الزوجة‭ ‬الثانية،‭ ‬لأن‭ ‬الرجل‭ ‬مات‭ ‬مسموما،‭ ‬واتضح‭ ‬ان‭ ‬الدجال‭ ‬تعمد‭ ‬قتله‭ ‬كي‭ ‬يتسنى‭ ‬له‭ ‬الاقتران‭ ‬بالزوجة‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬اليه،‭ ‬واستطاع‭ ‬دجال‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬33‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬فلسطيني‭ ‬وزوجته‭ ‬بزعم‭ ‬إخراج‭ ‬الجان‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬الزوجة،‭ ‬رغم‭ ‬إقامتها‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ووجود‭ ‬الدجال‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ (‬ربما‭ ‬بال‭ ‬‮«‬بلو‭ ‬توث‮»‬‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬مضى‭ ‬الدجال‭ ‬الى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬السيدة‭ ‬القدوم‭ ‬الى‭ ‬مصر،‭ ‬لأن‭ ‬أنظمة‭ ‬الاستشعار‭ ‬عنده‭ ‬أفادت‭ ‬بان‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬يجلس‭ ‬فوق‭ ‬كنز‭ ‬من‭ ‬المجوهرات،‭ ‬ونجح‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مبالغ‭ ‬إضافية‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬انكشف‭ ‬أمره‭ ‬وتم‭ ‬اعتقاله‭.‬

جاء‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬للمنتدى‭ ‬القومي‭ ‬للفكر‭ ‬والتنمية‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬ينفقون‭ ‬خمسة‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬سنويا‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬الدجل‭ ‬والشعوذة،‭ ‬مما‭ ‬يشي‭ ‬بأن‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬‮«‬المسلمين‮»‬‭ ‬ضالعون‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الشعوذة،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬هناك‭ ‬قنوات‭ ‬فضائية‭ ‬تلفزيونية‭ ‬عربية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬فك‭ ‬السحر‭ ‬وإحباط‭ ‬العين‭ ‬الحاسدة‭ ‬وتفيد‭ ‬دراسة‭ ‬أعدها‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬البحوث‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والجنائية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬يدعون‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬المرضى‭ ‬بتحضير‭ ‬الأرواح،‭ ‬و«إخراج‭ ‬الجن‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‮»‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬مماثل‭ ‬يزعمون‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬علاج‭ ‬المرضى‭ ‬بآيات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬والإنجيل‭ ‬وبعض‭ ‬الأعشاب‭ ‬‮«‬المبروكة‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تقول‭ ‬آمنة‭ ‬نصير‭ ‬أستاذة‭ ‬الفقه‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬إن‭ ‬الأميّة‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬المسئولة‭ ‬عن‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬السحر‭ ‬والاعتقاد‭ ‬في‭ ‬التمائم‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أميّة‭ ‬العقيدة‭ ‬والفكر‭.‬

هذا‭ ‬زمان‭ ‬يحسب‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬انهم‭ ‬يقومون‭ ‬‮«‬بالواجب‭ ‬وزيادة‮»‬‭ ‬لأنهم‭ ‬يرددون‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬وأطراف‭ ‬النهار‭: ‬بسم‭ ‬الله‭/ ‬الحمد‭ ‬لله‭/ ‬استغفر‭ ‬الله‭/ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬ثم،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يدرون،‭ ‬يشركون‭ ‬بالله‭ ‬أناسا‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬فيعدونهم‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬مجرى‭ ‬الأقدار،‭ ‬والتكهن‭ ‬بما‭ ‬سيصير‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الغيب،‭ ‬ويمارسون‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬تنجيس‮»‬‭ ‬الأموال‭ ‬بينما‭ ‬لصوص‭ ‬المال‭ ‬المحترفون‭ ‬يغسلونها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا