العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

سأقاطعها جزئيا

بحكم‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬إذاعة‭ ‬صوت‭ ‬العرب‭ ‬المصرية‭ ‬لتلقي‭ ‬الأخبار‭ ‬والمعارف‭ ‬السياسية‭ ‬فقد‭ ‬نشأت‭ ‬وأنا‭ ‬سيء‭ ‬الظن‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكبرنا‭ ‬وتوالت‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات‭ ‬وثبت‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دون‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬بكثير‭ (‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬الموافق‭ ‬29‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬طلبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬عدم‭ ‬اجتياح‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭ ‬بقوات‭ ‬أرضية‭ ‬تفاديا‭ ‬لإزهاق‭ ‬أرواح‭ ‬المدنيين،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالضربات‭ ‬الجوية‭ ‬ذات‭ ‬الدقة‭ ‬الجراحية‭ - ‬يا‭ ‬لمشاعر‭ ‬الأمريكان‭ ‬الإنسانية‭).‬

وعطفا‭ ‬قسريا‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬أعلاه‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بيني‭ ‬وبيل‭ ‬غيتس‭ ‬صاحب‭ ‬ومؤسس‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬لبرمجيات‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كلينا‭ ‬يبدأ‭ ‬يومه‭ ‬بفتح‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬غيتس‭ ‬يتفوق‭ ‬عليّ‭ ‬بكون‭ ‬دخله‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الواحدة‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬دخلي‭ ‬ودخل‭ ‬اللي‭ ‬خلفوني‭ ‬في‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬فإنني‭ ‬أتفوق‭ ‬عليه‭ ‬بكوني‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬قواي‭ ‬العقلية‭ ‬‮«‬نسبياً‮»‬‭. ‬يقال‭ - ‬والعهدة‭ ‬على‭ ‬الرواة‭ - ‬أن‭ ‬غيتس‭ ‬يعاني‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬من‭ ‬طيف‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬التوحد‭ ‬autism الذي‭ ‬يجعل‭ ‬المصاب‭ ‬يفقد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬بشر‭ ‬وكائنات‭ ‬ويتعلق‭ ‬بشيء‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬لما‭ ‬يثير‭ ‬الفرح‭ ‬والحزن‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تعابير‭ ‬عاطفية،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬غيتس‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬فحيازته‭ ‬ستين‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أو‭ ‬ستين‭ ‬جنيهاً‭ ‬سودانياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سيم‭ ‬سيم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الهنود‭ ‬الذين‭ ‬أرغموا‭ ‬البريطانيين‭ ‬على‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬إنقاذ‭ ‬لغتهم‭ ‬أو‭ ‬إنقاذ‭ ‬إمبراطورتيهم،‭ ‬فاختاروا‭ ‬إنقاذ‭ ‬اللغة‭ ‬وفروا‭ ‬من‭ ‬الهند‭. ‬ولا‭ ‬أصدق‭ ‬أن‭ ‬غيتس‭ ‬مجرد‭ ‬من‭ ‬العواطف‭ ‬فقد‭ ‬تبرع‭ ‬بنحو‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬لمكافحة‭ ‬الأمية‭ ‬والمرض،‭ ‬وتقليل‭ ‬وفيات‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬ثروته‭ ‬تناهز‭ ‬65‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أعلن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يترك‭ ‬لأفراد‭ ‬أسرته‭ ‬إلا‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭.. ‬بس؟

تذكرت‭ ‬والدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬لنا‭ ‬أربعين‭ ‬جنيهاً‭ ‬ظللنا‭ ‬نتصارع‭ ‬بسببها‭ ‬في‭ ‬المحاكم،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬ديوناً‭ ‬مترتبة‭ ‬عليه،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬شرعنا‭ ‬في‭ ‬إبراء‭ ‬ذمته‭ ‬حتى‭ ‬ظهر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المستهبلين‭ ‬يزعمون‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬ديونا‭ ‬في‭ ‬رقبته،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظهم‭ ‬كان‭ ‬والدي‭ ‬دقيقا‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬المستندات،‭ ‬فخابت‭ ‬مساعيهم،‭ ‬وعندما‭ ‬علمت‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة‭ ‬بتلك‭ ‬المعلومات‭ ‬عن‭ ‬غيتس‭ ‬قالت‭ ‬لي‭: ‬ألا‭ ‬تشعر‭ ‬بالخجل‭ ‬لأن‭ ‬رجلاً‭ ‬مثله‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬بينما‭ ‬أنت‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو‭ ‬إذا‭ ‬طلبنا‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬لنا‭ ‬وجبة‭ ‬جاهزة؟

المهم‭ ‬أن‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬كان‭ ‬لحين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬صلتي‭ ‬الوحيدة‭ ‬بالعصر‭ ‬الحديث،‭ ‬وكانت‭ ‬تصلني‭ ‬عبره‭ ‬يومياً‭ ‬عشرات‭ ‬الرسائل،‭ ‬ولأن‭ ‬عنواني‭ ‬الإلكتروني‭ ‬يظهر‭ ‬قرين‭ ‬مقالاتي،‭ ‬فقد‭ ‬وصلتني‭ ‬رسائل‭ ‬عرفت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬زملاء‭ ‬الدراسة‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬أحياء‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يرزقون،‭ ‬وأنني‭ ‬لم‭ ‬ألتق‭ ‬بالكثيرين‭ ‬منهم‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يغادروا‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬يقيمون‭ ‬فيها‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬دخلوها‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬لأن‭ ‬الخروج‭ ‬سيكون‭ ‬بتأشيرة‭ ‬ذات‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد‭.‬

ووصلتني‭ ‬مؤخراً‭ ‬عدة‭ ‬رسائل‭ ‬تدعوني‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬مقاطعة‭ ‬السلع‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تساند‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغاشم‭ ‬على‭ ‬غزة،،‭ ‬ولا‭ ‬مانع‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬لأنني‭ ‬لن‭ ‬أتضرر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المقاطعة،‭ ‬لأنني‭ ‬أصلاً‭ ‬لا‭ ‬أشتري‭ ‬السلع‭ ‬الأمريكية‭ ‬باستثناء‭ ‬الآيسكريم‭ ‬والدو‭ - ‬نط،‭ ‬فهاتان‭ ‬سلعتان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أقاطعهما،‭ ‬وعزائي‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أشتري‭ ‬النسخة‭ ‬الخليجية‭ ‬منهما،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬الآيسكريم‭ -‬والدو‭ ‬نط‭ ‬اللذين‭ ‬أشتريهما‭ ‬أمريكي‭ ‬ولكنهما‭ ‬يصنعان‭ ‬محلياً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬حيث‭ ‬أقيم‭ ‬ولصالح‭ ‬مستثمرين‭ ‬خليجيين،‭ ‬ومقاطعتي‭ ‬للبضائع‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانت‭ ‬وستكون‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬معروفة‭ ‬لكل‭ ‬ذي‭ ‬حس‭ ‬وطني،‭ ‬ولأسباب‭ ‬اقتصادية‭ ‬لكل‭ ‬عديم‭ ‬حس‭ ‬مالي‭ ‬مثلي،‭ ‬فالمنتجات‭ ‬الأمريكية‭ ‬غالية‭ ‬الثمن،‭ ‬وهناك‭ ‬بدائل‭ ‬آسيوية‭ ‬لها‭.‬

وبما‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬محترف‮»‬‭ ‬‮«‬سلع‮»‬‭ ‬مغشوشة‭ ‬ومقلدة‭ ‬فلا‭ ‬حاجة‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬المنتجات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأصلية،‭ ‬وحتى‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬الذي‭ ‬أكتب‭ ‬عليه‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬تايواني‭ ‬والبرامج‭ ‬التي‭ ‬أستخدمها‭ ‬فيه‭ ‬مقرصنة‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬القراصنة‭ ‬ولا‭ ‬دخل‭ ‬لبيل‭ ‬غيتس‭ ‬بها‭. ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لمقاطعة‭ ‬الآيسكريم‭ ‬والدو‭ - ‬نط‭ ‬والطائرات‭ ‬والأفلام‭ ‬والدبابات‭ ‬والسيارات،‭ ‬والأدوية‭ ‬المنقذة‭ ‬للحياة،‭ ‬و‭..  ..  ‬ليدي‭ ‬غاغا‭ ‬والفياغرا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا