العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

في تمجيد الضحك والابتسام (2)

كنت‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬جريدة‭ ‬الوطن‭ ‬السعودية‭ ‬منذ‭ ‬عددها‭ ‬الأول‭ (‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬2000‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬عمود‭ ‬يومي‭ ‬بمسمى‭ ‬‮«‬زاوية‭ ‬منفرجة‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬ومجلة‭ ‬المجلة‭ ‬هما‭ ‬اللتان‭ ‬كفلتا‭ ‬لي‭ ‬الذيوع‭ ‬والانتشار‭ ‬ودرجة‭ ‬طيبة‭ ‬من‭ ‬القبول،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬التقيت‭ ‬بالبروفيسر‭ ‬السعودي‭ ‬أحمد‭ ‬البدني‭ (‬تخصص‭ ‬أدب‭ ‬فارسي‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬لو‭ ‬كتبت‭ ‬جنس‭ ‬مقالاتك‭ ‬هذه‭ ‬قبل‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬لتعرضت‭ ‬للضرب‭ ‬بالنعال،‭ ‬ولكن‭ ‬الدنيا‭ ‬وأمزجة‭ ‬الناس‭ ‬تغيرت‭ ‬الآن‭ ‬فوجدت‭ ‬الترحاب

وعطفا‭ ‬على‭ ‬مقالي‭ ‬ليوم‭ ‬أمس‭ ‬في‭ ‬تمجيد‭ ‬الضحك،‭ ‬استعين‭ ‬بشهادة‭  ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬الأرجنتين،‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بإنشاء‭ ‬أقساما‭ ‬للضحك‭ ‬في‭ ‬المستشفيات،‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بمهرجي‭ ‬السيرك‭ ‬وفرق‭ ‬الكوميديا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬تجارب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مستشفيات‭ ‬استراليا‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬يفيد‭ ‬المرضى،‭ ‬ويعينهم‭ ‬على‭ ‬الشفاء‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬لو‭ ‬اكتفوا‭ ‬بالعلاج‭ ‬التقليدي،‭ ‬ودراسة‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬جامعة‭ ‬بالتيمور‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬الضحك‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ضخ‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأوكسجين‭ ‬إلى‭ ‬القلب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالضحك‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬لعدة‭ ‬مرات‭ ‬يوميا،‭ ‬له‭ ‬نفس‭ ‬التأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬المتأتي‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬على‭ ‬القلب،‭ (‬وهذه‭ ‬تناسب‭ ‬أمثالي‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬قدرات‭ ‬رياضية،‭ ‬أو‭ ‬يحسبون‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬–‭ ‬مثل‭ ‬الرياضيات‭ - ‬تسبب‭ ‬خللا‭ ‬في‭ ‬الدماغ‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الضحك‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬الإندورفين‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬فيكون‭ ‬من‭ ‬ضحك‭ ‬لدقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬كمن‭ ‬استرخى‭ ‬45‭ ‬دقيقة‭ (‬الإندورفين‭ ‬مادة‭ ‬كيميائية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬يساعد‭ ‬تحفيزها‭ ‬على‭ ‬تخفيف‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق‭).‬

ثم‭ ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬شخص‭ ‬عاقل،‭ ‬سَوِيّ‭ ‬أن‭ ‬يصادق‭ ‬شخصا‭ ‬دائم‭ ‬العبوس،‭ ‬أو‭ ‬غبيا‭ ‬تقول‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬شخصا‭ ‬خاض‭ ‬الانتخابات‭ ‬ووعد‭ ‬الناخبين‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬سيعمل‭ ‬البلد‭ ‬كلها‭ ‬زفت‭/ ‬قار‭ ‬وزلط‮»‬،‭ ‬فيقول‭ ‬بدوره‭: ‬هذا‭ ‬مرشح‭ ‬كذاب،‭ ‬فتفكر‭ ‬لبرهة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعضه‭ ‬في‭ ‬أذنه،‭ ‬ثم‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬الفكرة‭ ‬خوف‭ ‬انتقال‭ ‬عدوى‭ ‬الغباء‭ ‬إليك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الملامسة‭. ‬وتسمع‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭: ‬جابوا‭ ‬لنا‭ ‬مدير‭ ‬زفت،‭ ‬مكشر‭ ‬طول‭ ‬اليوم‭ ‬ويلعن‭ ‬خاشنا‭ ‬بسبب‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬سبب‭ (‬تساءلت‭ ‬مرارا‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الخاش‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يلعنه‭ ‬بعضنا‭ ‬وشخصيا‭ ‬لا‭ ‬أغضب‭ ‬إذا‭ ‬لعن‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬خاشي‭ ‬لأنني‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬ليست‭ ‬لي‭ ‬خاش،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬عندي‭ ‬خاش‭ ‬فطالما‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬فإذن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬عديم‭ ‬الأهمية‭).‬

وبالمقابل‭ ‬تسمع‭ ‬آخرين‭ ‬يرددون‭: ‬جابوا‭ ‬لنا‭ ‬مدير‭ ‬سُكّرة،‭ ‬مهذب‭ ‬ودائما‭ ‬باسم‭ ‬وضاحك‭ (‬من‭ ‬أجمل‭ ‬توصيفات‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬قول‭ ‬إن‭ ‬فلان‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬خير‮»‬‭. ‬تأمل‭ ‬جمال‭ ‬وبلاغة‭ ‬الكلمتين،‭ ‬وستتذكر‭ ‬شخصا‭ ‬تحبه،‭ ‬وتتمنى‭ ‬أن‭ ‬تصطبح‭ ‬بوجهه‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يلقي‭ ‬عليك‭ ‬تحية‭ ‬الصباح‭)‬،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬زملاء‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬شلة‭ ‬الجيران‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬يستحق‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬قرادة‮»‬،‭ ‬والقراد‭ ‬حشرة‭ ‬طفيلية‭ ‬مزعجة،‭ ‬تمتص‭ ‬من‭ ‬الدم‭ ‬الكثير‭ ‬وبالتالي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬دمها‭ ‬ثقيل‭ ‬‮«‬وزناً‮»‬‭.‬

الضحك‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬هو‭ ‬أقصر‭ ‬مسافة‭ ‬بين‭ ‬شخصين،‭ ‬فلو‭ ‬التقيت‭ ‬بشخص‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬ووجدته‭ ‬فكِهاً‭ ‬ضحوكا،‭ ‬فإنك‭ ‬ستحرص‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬عليه،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬النكتة‭ / ‬الطرفة‭ ‬الذكية،‭ ‬وحسن‭ ‬استقبالها،‭ ‬يجعلها‭ ‬جسر‭ ‬مودة،‭ ‬وكان‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬معارفي‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭ ‬يتعجبون‭ ‬لأن‭ ‬حلاقا‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬الهول‮»‬،‭ ‬واسمه‭ ‬الحقيقي‭ ‬محمد‭ ‬ادريس،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬الى‭ ‬قلبي،‭ ‬ويقولون‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬زول‭ ‬مثقف،‭ ‬لماذا‭ ‬تجلس‭ ‬أمام‭ ‬دكان‭ ‬حلاق‭ ‬وتضحك‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق؟‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬ردي‭ ‬بما‭ ‬معناه‭: ‬الإجابة‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬سؤالكم‭. ‬اضحك‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭. ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أمتع‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬خولكم‭ ‬تلبيسي‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬مثقف‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬في‭ ‬تقديركم‭ ‬حرماني‭ ‬من‭ ‬مجالسة‭ ‬أحد‭ ‬أظرف‭ ‬خلق‭ ‬الله؟

ولم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬ان‭ ‬سمحت‭ ‬لأبو‭ ‬الهول‭ ‬أن‭ ‬يقص‭ ‬شعري،‭ ‬لأن‭ ‬الزبون‭ ‬الواحد‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬عنده‭ ‬لنحو‭ ‬3‭ ‬ساعات‭ ‬ليحلق‭ ‬شعره‭ ‬زيرو،‭ ‬فلأن‭ ‬أبو‭ ‬الهول‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭ ‬تقريبا‭ ‬وهم‭ ‬يحبونه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يربط‭ ‬الزبون‭ ‬بفوطة‭ ‬الحلاقة‭ (‬ليضمن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يفرفر‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬يخرج‭ ‬الى‭ ‬الشارع‭: ‬وينك‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬السيد‭.. ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬طالبك‭ ‬فلوس‭.. ‬ليه‭ ‬مقاطعني‭.. ‬يا‭ ‬خالتي‭ ‬زينب‭ ‬ما‭ ‬تيجي‭ ‬أقص‭ ‬ليك‭ ‬شعيراتك‭ ‬الطائرات‭ ‬على‭ ‬جبهتك‭ ‬لأنها‭ ‬تخليك‭ ‬تشبهي‭ ‬‮«‬صقر‭ ‬الجديان‮»‬‭ ‬والأطرف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أبو‭ ‬الهول‭ ‬الحلاق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يستخدم‭ ‬المشط‭ ‬أو‭ ‬يقص‭ ‬شعره‭ ‬إلا‭ ‬نحو‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬السنة‭ (‬صقر‭ ‬الجديان‭ ‬له‭ ‬نحو‭ ‬ثلاث‭ ‬شعرات‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬رأسه‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا