العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

السعادة الحقيقية

لكل‭ ‬إنسان‭ ‬مقاييس‭ ‬حياتية‭ ‬معينة،‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬لديه‭ ‬أفكاره‭ ‬ومعتقداته‭ ‬الخاصة،‭ ‬قناعاته‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬وتغللت‭ ‬في‭ ‬أعماقه،‭ ‬عندما‭ ‬نحب‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتقبله‭ ‬ونتعايش‭ ‬معه‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬آراؤنا‭ ‬وقناعاتنا،‭ ‬ولا‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نغيره‭ ‬ليصبح‭ ‬مثلنا‭.‬

تقول‭ ‬صاحبة‭ ‬قصة‭ ‬اليوم‭: ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬زوجي‭ ‬واحببته‭ ‬كثيرا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬حنونا‭ ‬وطيبا‭ ‬جدا‭ ‬وهذا‭ ‬أكثر‭ ‬صفتين‭ ‬كنت‭ ‬أفتقدهما‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬حيث‭ ‬إنني‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬عملية‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬والدين‭ ‬محبين‭ ‬ولكن‭ ‬مشغولين‭ ‬بتوفير‭ ‬حياة‭ ‬مادية‭ ‬جيدة‭ ‬لي‭ ‬ولأختي،‭ ‬اجتماعاتنا‭ ‬العائلية‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬جافة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الجياشة‭ ‬والعناقات‭ ‬وكلمات‭ ‬الحب‭ ‬العادية،‭ ‬حنان‭ ‬أبوي‭ ‬كان‭ ‬بطريقة‭ ‬عصرية‭ ‬وعملية‭ ‬جدا‭ (‬مكافآت‭ ‬مالية،‭ ‬هدايا،‭ ‬سفر‭).‬

زوجي‭ ‬كان‭ ‬العكس‭ ‬مشاعره‭ ‬جياشة،‭ ‬كلماته‭ ‬كلها‭ ‬حب‭ ‬وتقدير،‭ ‬يدلعني‭ ‬بطريقة‭ ‬لم‭ ‬يدلعني‭ ‬فيها‭ ‬أبي‭ ‬أبدا،‭ ‬أعيش‭ ‬معه‭ ‬كطفلة‭ ‬أو‭ ‬أميرة‭ ‬مدللة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬متفهم،‭ ‬محترم،‭ ‬متعاون‭ ‬لأقصى‭ ‬حد،‭ ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ (‬الحلو‭ ‬ما‭ ‬بيكملش‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬قلتها‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬أو‭ ‬بيني‭ ‬وبينه‭ ‬فقط‭ ‬عندما‭ ‬يغلق‭ ‬علينا‭ ‬مملكتنا‭ ‬الخاصة‭ (‬كما‭ ‬يحب‭ ‬ان‭ ‬يطلقه‭ ‬على‭ ‬بيتنا‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يتعامل‭ ‬معي‭ ‬بشكل‭ ‬عادي،‭ ‬محترم‭ ‬نعم‭ ‬ولكن‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬دلع‭ ‬بل‭ ‬طلب‭ ‬منى‭ ‬ألا‭ ‬أجهر‭ ‬أمام‭ ‬بيتهم‭ ‬وعائلته‭ ‬وأصدقائه‭ ‬بأنه‭ ‬متعاون‭ ‬ويساعدني‭ ‬في‭ ‬شغل‭ ‬البيت‭!! ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬نقطة‭ ‬خلافنا‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬زواجنا،‭ ‬حيث‭ ‬إنني‭ ‬كنت‭ ‬اتهمه‭ ‬بالانفصام‭ ‬في‭ ‬الشخصية‭ ‬والتمثيل‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬تربى‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬بيئة‭ ‬لا‭ ‬أفهمها‭ ‬يعتبرون‭ ‬شغل‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬انتقاصا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭. ‬وكما‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬عزيمة‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬نتشاجر‭ ‬ويزعل‭ ‬مني‭ ‬بالأسابيع‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أحرجه‭ ‬أمام‭ ‬عائلته‭ ‬وأصرح‭ ‬بأنه‭ ‬يساعدني‭ ‬بكل‭ ‬أعمال‭ ‬البيت‭ (‬رغبة‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬تغييره‭ ‬ومحاولة‭ ‬مني‭ ‬لجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأنني‭ ‬أفتخر‭ ‬به‭) ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يفهم‭ ‬بأنني‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أمام‭ ‬أهله‭.. ‬واستمر‭ ‬الوضع‭ ‬هكذا‭ ‬حتى‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬حياتي‭ ‬الزوجية‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬وأننا‭ ‬الاثنان‭ ‬نعاند‭ ‬بعضنا‭ ‬وكل‭ ‬منا‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬الآخر‭ ‬ولا‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬أو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬قليلا‭ ‬للآخر‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬حبنا‭ ‬وتعلقنا‭ ‬ببعض‭.‬

أضافت‭ ‬صاحبة‭ ‬القصة‭ ‬وهي‭ ‬مبتسمة‭ ‬ابتسامة‭ ‬مشرقة‭ ‬وجميلة‭: ‬حتى‭ ‬كانت‭ ‬المكالمة‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬حياتي‭ ‬الزوجية‭ ‬180‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬زوجي‭ (‬أحن‭ ‬وأطيب‭ ‬وأذكى‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬العالم‭) ‬والتي‭ ‬أعترف‭ ‬بأنني‭ ‬أحببتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أمي‭ ‬والتي‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬بكل‭ ‬حب‭: ‬يا‭ ‬ابنتي‭ ‬الغالية‭: ‬غدا‭ ‬سنجتمع‭ ‬كلنا‭ ‬عندكم‭ ‬على‭ ‬العشاء‭ ‬أتمنى‭ ‬يا‭ ‬جميلتي‭ ‬أن‭ ‬تسمعي‭ ‬كلامي‭ ‬ولا‭ ‬تحاولي‭ ‬أن‭ ‬تقولي‭ ‬أمامنا‭ ‬بأن‭ ‬زوجك‭ ‬يساعدك‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬دعيه‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭ ‬يشعر‭ ‬بعدم‭ ‬التوتر‭ ‬أمامنا‭ ‬وشوفي‭ ‬النتيجة‭ ‬صدقيني‭ ‬أنا‭ ‬أحبك‭ ‬مثل‭ ‬بناتي‭ ‬ستنقلب‭ ‬حياتك،‭ ‬لم‭ ‬أجادلها‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬حبي‭ ‬لها‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬أنفذ‭ ‬كلامها‭.‬

انبهرت‭ ‬بالنتيجة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬زوجي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬السعادة‭ ‬أثناء‭ ‬العزيمة‭ ‬وكانت‭ ‬نظراته‭ ‬ولمساته‭ ‬لي‭ ‬كلها‭ ‬حب‭ ‬وتقدير‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬غادروا‭ ‬أهله‭ ‬حتى‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬غرفتي‭ ‬والراحة‭ ‬وهو‭ ‬قام‭ ‬مع‭ ‬الشغالة‭ ‬بكل‭ ‬عمل‭ ‬البيت‭ ‬وزاد‭ ‬في‭ ‬دلاله‭ ‬وشكره‭ ‬لي،‭ ‬كما‭ ‬دخل‭ ‬علي‭ ‬ثاني‭ ‬يوم‭ ‬بهدية‭ ‬جميلة‭ ‬جدا‭ ‬وزاد‭ ‬لطفه‭ ‬وحبه‭ ‬واحترامه‭ ‬لي‭ ‬عكس‭ ‬الزعل‭ ‬والنكد‭ ‬والصراخ‭ ‬والبكاء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬عزيمة‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬لأهله‭!!‬

جلست‭ ‬أفكر‭ ‬وأؤنب‭ ‬نفسي‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أتفهم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬حبيبي‭ ‬بدل‭ ‬محاولاتي‭ ‬المستميتة‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬رأيي‭ ‬لتغييره؟‭ ‬ماذا‭ ‬أستفيد‭ ‬بمفاخرتي‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬بشيء‭ ‬يكرهه‭ ‬زوجي؟؟‭ ‬ماذا‭ ‬سيسعدني‭ ‬أكثر‭ ‬رأي‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬حب‭ ‬زوجي؟‭ ‬لماذا‭ ‬فضلت‭ ‬الزعل‭ ‬والخصام‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬والدلال؟‭ ‬

تغيّر‭ ‬زوجي‭ ‬بعدها‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬أصبح‭ ‬يساعدني‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ ‬ويدللني‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬أرغب‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬اقتنع‭ ‬بنفسه‭ ‬دون‭ ‬ضغط‭ ‬مني‭ ‬أو‭ ‬عناد‭.‬

لكي‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬سعادة‭ ‬علينا‭ ‬تقبل‭ ‬وحب‭ ‬الآخرين‭ ‬بكل‭ ‬مزاياهم‭ ‬وعيوبهم‭ ‬وندع‭ ‬أمر‭ ‬تغييرهم‭ ‬للزمن‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا