العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تحية واحتراما يا نساء

من‭  ‬عاداتي‭ ‬الحميدة‭ ‬القليلة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أمارس‭ ‬رعي‭ ‬غنم‭ ‬ابليس‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يجلس‭ ‬ساهما‭ ‬محدقا‭ ‬في‭ ‬الفراغ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬اتسلح‭ ‬بكتاب‭ ‬كلما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬موعد‭ ‬طبي‭ ‬أو‭ ‬جلست‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬طائرة،‭ ‬وقبل‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬وأثناء‭ ‬انتظار‭ ‬دوري‭ ‬لمقابلة‭ ‬طبيب‭ ‬في‭ ‬عيادة‭ ‬خاصة،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬يومها‭ ‬مسلحا‭ ‬بكتاب‭ ‬كعادتي،‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬قديم‭ (‬وهل‭ ‬من‭ ‬عيادة‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬أو‭ ‬جريدة؟‭)‬،‭ ‬من‭ ‬نشرة‭ ‬صحية‭ ‬تصدرها‭ ‬جهة‭ ‬تمارس‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتثقيف‭ ‬الصحي،‭ ‬ووجدت‭ ‬نفسي‭ ‬اقرأها‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬محتوياتها‭ ‬كانت‭ ‬تهمني‭ ‬كرب‭ ‬بيت‭ ‬وابن‭ ‬آدم‭ ‬وحواء،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬بالذات‭ ‬كان‭ ‬مكرسا‭ ‬لقضايا‭ ‬البيئة‭ ‬والصحة‭.‬

وكان‭ ‬لافتا‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬الموضوعات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الخاص‭ ‬ابتعدت‭ ‬عن‭ ‬التنظير‭ ‬المطلق‭ ‬وركزت‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬بيئية‭ ‬وصحية‭ ‬نعايشها‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭. ‬كما‭ ‬شد‭ ‬انتباهي‭ ‬مقال‭ ‬دسم،‭ ‬بقلم‭ ‬نسائي‭ ‬تناول‭ ‬أشكال‭ ‬تلوث‭ ‬الماء‭ ‬والهواء‭ ‬والغذاء‭ ‬ومخاطر‭ ‬النفايات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬تتعلق‭ ‬بالبيئة‭ ‬المنزلية‭.‬

ومن‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬صحة‭ ‬البيئة‭ ‬المنزلية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المرآة؟‭ ‬والله‭ ‬لو‭ ‬تركوا‭ ‬لي‭ ‬أمور‭ ‬النظافة‭ ‬والنظام‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬شهرا‭ ‬واحدا‭ ‬لتعرض‭ ‬بيتنا‭ ‬لحصار‭ ‬دولي‭ ‬وقصف‭ ‬أطلسي‭ ‬بوصفه‭ ‬مصدر‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والأوزون،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬أوكار‭ ‬داعش،‭ ‬فكما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬معظم‭ ‬الرجال‭ ‬فإنني‭ ‬استخدم‭ ‬الطاولة‭ ‬أو‭ ‬التربيزة‭ ‬سلة‭ ‬للقمامة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬أترك‭ ‬عليها‭ ‬أشياء‭ ‬مكانها‭ ‬سلة‭ ‬القمامة‭ (‬أقسى‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬قلبي‭ ‬هو‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬بالتقطيع‭ ‬والصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬بالرمي‭ ‬في‭ ‬الزبالة‭)‬،‭ ‬واعترف‭ ‬بكل‭ ‬خجل‭ ‬بأنه‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬استحم‭ ‬تجد‭ ‬الحمام‭ ‬من‭ ‬بعدي‭ ‬وكأنه‭ ‬مغسلة‭ ‬سيارات‭: ‬صابونة‭ ‬هنا‭.. ‬وفوطة‭ ‬هناك‭.. ‬وبرك‭ ‬ماء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصبح‭ ‬الحمام‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يدخله‭ ‬بعدي‭ (‬انزلاق‭ ‬غضروفي‭ / ‬كسر‭ ‬في‭ ‬الجمجمة‭ / ‬فتق‭ ‬في‭ ‬الحجاب‭ ‬الحاجز‭ ‬إلخ‭) ‬وفي‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أمثل‭ ‬فيها‭ ‬دور‭ ‬الزوج‭ ‬العصري‭ ‬فأقوم‭ ‬بإعداد‭ ‬طبق‭ ‬بسيط‭ ‬لنفسي‭ ‬بتسخين‭ ‬مادة‭ ‬مطبوخة‭ ‬سلفا‭ ‬فإن‭ ‬المطبخ‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬تعرض‭ ‬لقصف‭ ‬بالبراميل‭ ‬المتفجرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طيران‭ ‬روسيا‭ ‬او‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ولهذا‭ ‬تنتزع‭ ‬الزوجات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البيوت‭ ‬‮«‬العصمة‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالترتيب‭ ‬والنظافة،‭ ‬واعترف‭ ‬بلا‭ ‬أدني‭ ‬إحساس‭ ‬بالخجل‭ ‬بأنه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬ارتديت‭ ‬ملابسي‭ ‬لأخرج‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬فأسمع‭ ‬صيحة‭: ‬هاي‭ ‬طالع‭ ‬وين‭ ‬بالهدوم‭ ‬المبهدلة‭ ‬دي؟‭ ‬ولا‭ ‬صوت‭ ‬يعلو‭ ‬فوق‭ ‬صوت‭ ‬أم‭ ‬المعارك،‭ ‬وقبل‭ ‬الزواج‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬صحة‭ ‬البيئة،‭ ‬وصحتي‭: ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬قوم‭ ‬استحم‭.. ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬غير‭ ‬هدومك‭.. ‬وحتى‭ ‬عهد‭ ‬الصبا‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬باعتقالي‭ ‬داخل‭ ‬طشت‭ ‬وتفرك‭ ‬فروتي‭ ‬بالصابون‭ ‬وتصب‭ ‬على‭ ‬جسمي‭ ‬عدة‭ ‬جرادل‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬كي‭ ‬يطمئن‭ ‬قلبها‭ ‬إلى‭ ‬نظافتي‭.‬

الله‭. ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬النساء‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كن‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يلهم‭ ‬الشعراء‭. ‬فقد‭ ‬حباهن‭ ‬الله‭ ‬بحس‭ ‬جمالي‭ ‬غريزي،‭ ‬فتجدهن‭ ‬يعشقن‭ ‬الزهور‭ ‬ونباتات‭ ‬الزينة‭ ‬والألوان‭ ‬الجميلة‭ ‬ويتحلين‭ ‬بذوق‭ ‬رفيع‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الملابس‭ ‬والعطور،‭ ‬ولهذا‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬بيتا‭ ‬أهله‭ ‬رقيقو‭ ‬الحال‭ ‬أي‭ ‬قليلو‭ ‬المال،‭ ‬فتجده‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجمال‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تنسيق‭ ‬الأثاث‭ ‬والنظافة،‭ ‬فتدرك‭ ‬أن‭ ‬الجمال‭ ‬لا‭ ‬يشترى‭ ‬بالمال،‭ ‬بل‭ ‬خصلة‭ ‬مكتسبة‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬خص‭ ‬معظم‭ ‬النساء‭ ‬بها‭.‬

وأحمد‭ ‬الله‭ ‬أنني‭ ‬استفدت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الزجر‭ ‬والتأنيب‭ ‬والشرشحة‭ ‬والتأديب،‭ ‬وصرت‭ ‬أكثر‭ ‬حبا‭ ‬للنظام‭ ‬والترتيب،‭ ‬بدرجة‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬اتضايق‭ ‬إذا‭ ‬رأيت‭ ‬قصاصة‭ ‬ورقية‭ ‬صغيرة‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬غرفة،‭ ‬وصرت‭ ‬أضع‭ ‬ملابسي‭ ‬المتسخة‭ ‬في‭ ‬‮«‬سلة‭ ‬الغسيل‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أكوِّمها‭ ‬فوق‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الشماعة،‭ ‬بل‭ ‬صرت‭ ‬أتباهى‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بأن‭ ‬مكتبي‭ ‬صار‭ ‬مرتبا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬عادة‭ ‬ردم‭ ‬الأوراق‭ ‬فوق‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ثم‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬الترتيب‭ ‬الذي‭ ‬طرأ‭ ‬على‭ ‬المكتب،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬حبي‭ ‬للنظام،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬استخدام‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬والمراسلات،‭ ‬نفى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الورق‭ (‬بالمناسبة‭ ‬ومع‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬أستخدم‭ ‬القلم‭ ‬طوال‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أحتفظ‭ ‬بقلم‭ ‬في‭ ‬جيبي‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬أينما‭ ‬ذهبت‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا