العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا يعادي الأطباء أطايب الطعام؟

ظللت‭ ‬موسوسا‭ ‬طوال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقدت‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬كيلوجرامات‭ ‬من‭ ‬وزني،‭ ‬فقد‭ ‬قيل‭ ‬لي‭ ‬إنني‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬مرض‭ ‬السكري‭ ‬فقمت‭ ‬بتقليل‭ ‬حصتي‭ ‬من‭ ‬الفاكهة‭ ‬وتجنبت‭ ‬السكر‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أمارس‭ ‬الرجيم‭ ‬بالمعنى‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فقد‭ ‬عقدت‭ ‬العزم‭ ‬بأن‭ ‬استرد‭ ‬تلك‭ ‬الكيلوهات‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬تجربة‭ ‬صديق‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬الأطباء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عانى‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬في‭ ‬الصدر،‭ ‬فلم‭ ‬يترددوا‭ ‬في‭ ‬الإفتاء‭ ‬بأنه‭ ‬مصاب‭ ‬بعلة‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬وظلوا‭ ‬يخضعونه‭ ‬طول‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬لمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الفحوصات‭ ‬الإشعاعية‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬جسمه‭ ‬شفافا‭ ‬ومشعا،‭ ‬ولما‭ ‬خاب‭ ‬ظنهم‭ ‬ألقوا‭ ‬بالتهمة‭ ‬على‭ ‬الرئة‭ ‬مع‭ ‬ان‭ ‬صاحبنا‭ ‬عاش‭ ‬عمره‭ ‬بأكمله‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬الاكسجين،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬التبغ‭ ‬الفرجيني‭ ‬والحشيش‭ ‬اللبناني،‭ ‬لأنه‭ ‬يجانب‭ ‬الاثنين،‭ ‬وحتى‭ ‬البخور‭ ‬لم‭ ‬يتعمد‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬مرد‭ ‬التشخيص‭ ‬الطبي‭ ‬الخطأ‭ ‬الجهل‭ ‬العلمي،‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬المهني،‭ ‬فمن‭ ‬نظرة‭ ‬عابرة‭ ‬على‭ ‬صاحبنا‭ ‬كان‭ ‬جميع‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬تعامل‭ ‬معهم‭ ‬يستنتجون‭ ‬أنه‭ ‬ذو‭ ‬قلب‭ ‬عليل،‭ ‬لا‭ ‬لسبب‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬ضخم‭ ‬الجثة،‭ ‬وجسم‭ ‬كهذا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الأطباء‭ ‬هو‭ ‬أس‭ ‬الداء‭! ‬هكذا،‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة‭: ‬كل‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬بدين‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬ذا‭ ‬قلب‭ ‬عليل‭ ‬كليل‭. ‬ولم‭ ‬تنته‭ ‬مشاكل‭ ‬صاحبنا‭ ‬بتحويله‭ ‬إلى‭ ‬تشيرنوبيل‭ ‬متحركة،‭ ‬بل‭ ‬تمادى‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬إنهاكه‭ ‬بأن‭ ‬طلبوا‭ ‬منه‭ ‬إنقاص‭ ‬وزنه‭ ‬بنحو‭ ‬خمسين‭ ‬كيلوجراما‭.. ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬حاولوا‭ ‬أن‭ ‬يجردوه‭ ‬من‭ ‬بنيته‭ ‬الاساسية‭. ‬وعندما‭ ‬بلغني‭ ‬ذلك‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مؤامرة‭ ‬طبية‭ ‬لتصفية‭ ‬صديقي‭ ‬جسديا‭ ‬فبذلت‭ ‬له‭ ‬النصح‭ ‬خالصا‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬ان‭ ‬يقطع‭ ‬علاقته‭ ‬بالطب‭ ‬والأطباء‭ ‬وصديقي‭ ‬هذا‭ ‬زاهد‭ ‬رغم‭ ‬أنفه،‭ ‬يأكل‭ ‬ما‭ ‬يأكله‭ ‬نظراؤه‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬يزداد‭ ‬ضخامة‭ ‬شهرا‭ ‬تلو‭ ‬آخر،‭ ‬وربما‭ ‬حسب‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬كسولا‭ ‬خاملا،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬حق‭ ‬التكاسل‭ ‬لأنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬يهرب‭ ‬منها‭ ‬الرزق‭ ‬كلما‭ ‬حاولوا‭ ‬الدنو‭ ‬منه‭ ‬فيتحتم‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬يظل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬لهاث‭ ‬مستمر‭ ‬لكي‭ ‬يجد‭ ‬‮«‬الكفاف‮»‬‭. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حركة‭ ‬مستمرة‭ ‬طلبا‭ ‬للعلم‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الأمل‭ ‬أو‭ ‬الأمان،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬يكسب‭ ‬بضعة‭ ‬جرامات‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مجهود‭ ‬جسماني‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬الطب‭ ‬التقليدي‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ ‬يفقد‭ ‬جرامات‭ ‬من‭ ‬وزنه‭ ‬بسبب‭ ‬الحركة‭ ‬والنشاط‭.‬

وقد‭ ‬قادني‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬صاحبي‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البلاء‭ ‬المسمى‭ ‬‮«‬الرجيم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬استشرى‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الطعام‭ ‬والاصدقاء‭ ‬والأهل‭ ‬بلا‭ ‬طعم،‭ ‬فعندما‭ ‬تدعو‭ ‬جماعة‭ ‬إلى‭ ‬طعام‭ ‬تنقسم‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬بحسب‭ ‬اصناف‭ ‬الطعام‭ ‬المتاحة؛‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يقرب‭ ‬الخبز‭ ‬وذاك‭ ‬ينفر‭ ‬من‭ ‬الارز‭ ‬والمكرونة‭ ‬وثالث‭ ‬يلتهم‭ ‬الحلوى‭ ‬بعينيه‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬مد‭ ‬يده‭ ‬إليها،‭ ‬وعندما‭ ‬يأتي‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬تتحول‭ ‬عملية‭ ‬تحليتها‭ ‬بالسكر‭ ‬إلى‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والكسور‭. ‬ماذا‭ ‬دها‭ ‬ابناء‭ ‬هذا‭ ‬الزمان؟‭ ‬هل‭ ‬رأى‭ ‬أحدكم‭ ‬طبيبا‭ ‬نحيفا؟‭ ‬هل‭ ‬رأى‭ ‬أحدكم‭ ‬طبيبا‭ ‬يفاضل‭ ‬بين‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬وآخر؟‭ ‬الإجابة‭ ‬هي‭: ‬لا‭ ‬الغليظة؛‭ ‬فالأطباء‭ ‬يشربون‭ ‬الشاي‭ ‬بالكيك‭ ‬ويأكلون‭ ‬الارز‭ ‬بالشطة،‭ ‬واللقيمات‭ ‬بالعسل؛‭ ‬ولكنهم‭ ‬اتفقوا‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬حرمان‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الطيبات‭ ‬الحلال‭ ‬حتى‭ ‬يقل‭ ‬عليها‭ ‬الطلب‭ ‬فتنخفض‭ ‬اسعارها،‭ ‬فينالوا‭ ‬هم‭ ‬منها‭ ‬المزيد‭ ‬فتكتنز‭ ‬أوداجهم‭ ‬من‭ ‬النشويات‭ ‬والسكريات‭ ‬والدهنيات،‭ ‬وعندما‭ ‬نلجأ‭ ‬إليهم‭ ‬نحن‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬البسطاء‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬علة‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬نأكله‭ ‬ونشربه،‭ ‬ولا‭ ‬يبيحون‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬اصنافا‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬يعرفون‭ ‬سلفا‭ ‬أن‭ ‬النفس‭ ‬السوية‭ ‬تعافها‭.‬

فلا‭ ‬يمكن‭ ‬لعاقل‭ ‬ان‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬شوربة‭ ‬الكوسة،‭ ‬ولا‭ ‬جدوى‭ ‬لطعام‭ ‬بدون‭ ‬ملح‭ ‬أو‭ ‬بهارات،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬يتكرم‭ ‬الطبيب‭ ‬ويبيح‭ ‬لأحدنا‭ ‬حق‭ ‬تناول‭ ‬اللحوم‭ ‬فإنه‭ ‬يجعل‭ ‬ممارسة‭ ‬ذلك‭ ‬الحق‭ ‬أمرا‭ ‬مستحيلا‭ ‬لأنه‭ ‬يشترط‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬اللحم‭ ‬مشويا،‭ ‬والشواء‭ ‬مسألة‭ ‬مرهقة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬ممارستها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬متبطلا،‭ ‬لأن‭ ‬الشواء‭ ‬الذي‭ ‬يعنيه‭ ‬الاطباء‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬بالفحم،‭ ‬وإذا‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬الفحم‭ ‬صاح‭ ‬العلماء‭ ‬بأن‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬خطر‭ ‬بسبب‭ ‬تناقص‭ ‬حجم‭ ‬الغابات،‭ ‬وإذا‭ ‬استخدمت‭ ‬فرن‭ ‬الميكروويف‭ ‬حذروك‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬السرطان‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬مع‭ ‬المشروبات‭ ‬الغازية،‭ ‬فلما‭ ‬ظهرت‭ ‬منها‭ ‬أنواع‭ ‬غير‭ ‬محلاة‭ ‬بالسكر‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬بدائل‭ ‬السكر‭ ‬تسبب‭ ‬أمراضا‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬‮«‬السكري‮»‬‭.. ‬فلا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله،‭ ‬وحسبنا‭ ‬الله‭ ‬ونعم‭ ‬الوكيل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا