العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أبو شلاخ البرمائي (2)

أواصل‭ ‬اليوم‭ ‬عرض‭ ‬رواية‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‭ ‬البرمائي،‭ ‬للأديب‭ ‬والشاعر‭ ‬السعودي‭ ‬الراحل‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ (‬وسأظل‭ ‬متذكرا‭ ‬بكل‭ ‬عرفان،‭ ‬طوال‭ ‬ما‭ ‬حييت،‭ ‬أن‭ ‬القصيبي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قدمني‭ ‬الى‭ ‬صحافة‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والخليج‭)‬،‭ ‬واستخدم‭ ‬المؤلف‭ ‬بطل‭ ‬الرواية‭ ‬‮«‬يعقوب‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‮»‬‭ ‬أداة‭ ‬لإبداء‭ ‬رأيه‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المعاصرة،‭ ‬فشطح‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‭ (‬من‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬الكذب‭ ‬والمبالغة‭ ‬والتهويل‭) ‬وعبث‭ ‬بحقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يشلخ‭ ‬صاحبنا‭ ‬لجاء‭ ‬الكتاب‭ ‬باردا‭ ‬وتقريريا،‭ ‬واستثمر‭ ‬قدرات‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‭ ‬الإبداعية‭ ‬لرد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للعرب،‭ ‬فنسب‭ ‬إليهم‭ ‬معظم‭ ‬المخترعات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المضادات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬استولدها‭ ‬طبيبان،‭ (‬وهذا‭ ‬اسم‭ ‬شخص‭ ‬وليس‭ ‬مثنى‭ ‬‮«‬طبيب‮»‬‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬مستهبل‭ ‬كأبي‭ ‬شلاخ،‭ ‬من‭ ‬روث‭ ‬البعارين‭ (‬الإبل‭) ‬ممزوجة‭ ‬بأجنحة‭ ‬الجراد‭ ‬المجففة‭ ‬والفلفل‭ ‬الحار‭. ‬ويذكرني‭ ‬هذا‭ ‬بفيلم‭ ‬بيلي‭ ‬الكذاب‭ ‬Billy‭ ‬Liar‭ ‬الذي‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬للكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬كيث‭ ‬ووترهاوس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬زاوية‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الدايلي‭ ‬ميل‭ ‬البريطانية،‭ (‬عند‭ ‬تكريمه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬بمنحه‭ ‬جائزة‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحفية‭ ‬الطويلة،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬انه‭ ‬سيفوز‭ ‬بالجائزة‭ ‬لقص‭ ‬شعر‭ ‬رأسه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لائق‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬توم‭ ‬كورتني‭ ‬يقف‭ ‬بيلي‭ ‬الكذاب‭ ‬أمام‭ ‬قبر‭ ‬جدته‭ ‬البائسة‭ ‬ويؤبن‭ ‬هذه‭ ‬السيدة‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬اخترعت‭ ‬البنسلين‭ ‬والراديوم‭).‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬شلاخ‭ ‬المفترى‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القصيبي‭ ‬يعزز‭ ‬شلخاته‭ ‬ببلاغيات‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬المتمكن‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الدعابة‭ ‬الرفيعة،‭ ‬وتلك‭ ‬لازمة‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬روايات‭ ‬ومقالات‭ ‬القصيبي،‭ ‬الذين‭ ‬قرأوا‭ ‬للراحل‭ ‬العزيز‭ ‬عموده‭ ‬الصحفي‭ ‬‮«‬في‭ ‬عين‭ ‬العاصفة‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يذكروا‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬بلا‭ ‬تشنج،‭ ‬بل‭ ‬كيف‭ ‬حملنا‭ ‬على‭ ‬الابتسام،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬رعب‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬كنا‭ ‬وبحكم‭ ‬إقامتنا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬نقع‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬كيماوي‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬المزدوج‭ ‬وصواريخ‭ ‬سكود‭ ‬الحولاء‭.‬

وهكذا‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬التشليخ‭ ‬البرمائي‭ ‬استعرض‭ ‬القصيبي‭ ‬ملكته‭ ‬الفذة‭ ‬في‭ ‬السخرية،‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬استعارات‭ ‬وتشبيهات‭ ‬وحيل‭ ‬بلاغية‭ ‬حبلى‭ ‬بالمعاني‭: ‬فهنالك‭ ‬الجحش‭ ‬قوة‭ ‬800‭ ‬حصان،‭ ‬ويذكرني‭ ‬هذا‭ ‬بالجحش‭ ‬الذي‭ ‬أهداه‭ ‬لي‭ ‬خالي‭ ‬لأذهب‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬أوتوماتيكيا،‭ ‬ولا‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المطلوب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يسير‭ ‬إلى‭ ‬الخلف،‭ ‬مسافة‭ ‬خمسين‭ ‬مترا،‭ ‬فحل‭ ‬عليه‭ ‬غضبي‭ ‬فقتلته‭ ‬جوعاً‭ (‬لحسن‭ ‬حظي‭ ‬كانت‭ ‬بريجيت‭ ‬باردو‭ ‬وقتها‭ ‬غير‭ ‬معنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الحمير‭ ‬بل‭ ‬بحقوق‭ ‬المراهقين‭ ‬فجادت‭ ‬على‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬بإمكاناتها‭ ‬الفسيولوجية‭ ‬الرفيعة‭). ‬وهناك‭ ‬حمير‭ ‬واجد‭ (‬كثيرون‭) ‬يحملون‭ ‬دكتوراه‭. ‬وفي‭ ‬المدرسة‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‭ ‬متفوقا‭ ‬وجاء‭ ‬ترتيبه‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬طلاب‭ ‬القطر‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬ستة،‭ ‬ولاحقا‭ ‬حاور‭ ‬أبو‭ ‬شلاخ‭ ‬هتلر،‭ ‬فانفعل‭ ‬الأخير‭ ‬وسأله‭: ‬وش‭ ‬تبي؟‭ (‬ماذا‭ ‬تريد‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬شركة‭ ‬وكمارا‭ (‬ارامكو‭) ‬كان‭ ‬مكتب‭ ‬المدير‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬كيلو‭ ‬في‭ ‬كيلو‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬كمب‭ (‬مخيم‭) ‬مخصص‭ ‬للحيوانات‭ ‬والمواطنين‭.‬

ورغم‭ ‬ان‭ ‬إشراقات‭ ‬أبي‭ ‬شلاخ‭ ‬طالت‭ ‬أركان‭ ‬الدنيا‭ ‬الأربعة‭ ‬فإن‭ ‬قاعدة‭ ‬انطلاقها‭ ‬ظلت‭ ‬منطقة‭ ‬الهفوف‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬السعودية،‭ ‬حيث‭ ‬شركة‭ ‬ارامكو،‭ ‬التي‭ ‬نالها‭ ‬من‭ ‬لسان‭ ‬القصيبي‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬ناله‭ ‬الصحفي‭ ‬العربي‭ ‬اللامع‭ ‬ولعة‭ ‬أبو‭ ‬سيكل،‭ ‬صاحب‭ ‬عمود‭ ‬بـ‮«‬وكاحة‮»‬،‭ (‬يقصد‭ ‬الصحفي‭ ‬المصري‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل‭) ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬القصيبي‭ ‬عن‭ ‬‮«‬قدرته‭ ‬الفذة‭ ‬على‭ ‬استنطاق‭ ‬الزعماء‭ ‬الموتى،‭ ‬أو‭ ‬نحسهم‭ ‬بأن‭ ‬يموتوا‭ ‬فور‭ ‬لقائه‭ ‬بهم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬يشبه‭ ‬صديقاً‭ ‬لي‭ ‬فلسطينيا‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وأكمل‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ (‬عام‭ ‬الهزيمة‭ ‬الساحقة‭ ‬لثلاثة‭ ‬جيوش‭ ‬عربية‭) ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬باكستان‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬فانفصلت‭ ‬باكستان‭ ‬الشرقية‭ ‬لتصبح‭ ‬بنغلاديش،‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬الصحافة،‭ ‬فما‭ ‬حاور‭ ‬وزيرا‭ ‬إلا‭ ‬وطار‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام،‭ ‬وجاء‭ ‬معنا‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬لنلتحق‭ ‬بتلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬فاستأنف‭ ‬الجيش‭ ‬الجمهوري‭ ‬الايرلندي‭ ‬تفجيراته‭ ‬بعد‭ ‬هدنة‭ ‬دامت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬ولأنني‭ ‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬كراماته‭ ‬تلك‭ ‬فقد‭ ‬استهدفني،‭ ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬تكليفه‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬بإقناع‭ ‬مسؤول‭ ‬أمني‭ ‬إسرائيلي‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬تلفزيوني‭ ‬حدث‭ ‬تلاسن‭ ‬بينهما‭ ‬ختمه‭ ‬صاحبي‭ ‬بقوله‭: ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬إذا‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حوار‭ ‬في‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬بإمكانك‭ ‬ان‭ ‬تتصل‭ ‬بي‭ ‬واسمي‭ ‬جعفر‭ ‬عباس،‭ ‬وهكذا‭ ‬وُضع‭ ‬اسمي‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا