العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عربون لرمضان الآتي

يفوت‭ ‬عليّ‭ ‬كثيرا‭ ‬تهنئة‭ ‬القراء‭ ‬ببعض‭ ‬المناسبات‭ ‬مثل‭ ‬الأعياد‭ ‬ورمضان،‭ ‬لأنني‭ ‬قد‭ ‬أبعث‭ ‬إلى‭ ‬الصحيفة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬مناسبة‭ ‬ما،‭ ‬وبما‭ ‬أننا‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬الصوم‭ ‬الفضيل‭ ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬أن‭ ‬أهنئكم‭ ‬بمقدمه‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬وليسامحني‭ ‬جماعة‭ ‬فالنتاين‭ ‬أي‭ ‬جماهير‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بعيد‭ ‬الحب،‭ ‬لأنني‭ ‬أتعمد‭ ‬تطنيشهم،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬استخف‭ ‬بـ«قديسهم‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنني‭ ‬اعتبره‭ ‬شخصية‭ ‬خرافية،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬شخصا‭ ‬حقيقيا‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬مني‭ ‬وأنا‭ ‬لست‭ ‬منه،‭ ‬وعلى‭ ‬الأعتاب‭ ‬عيد‭ ‬الأم،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬أمي‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربها‭ ‬فهو‭ ‬أيضا‭ ‬مناسبة‭ ‬لا‭ ‬تخصني‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬زوجتي‭ ‬تطالبني‭ ‬فيها‭ ‬بهدية،‭ ‬ولكن‭ ‬هيهات‭!‬

من‭ ‬الأشياء‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يكونون‭ ‬عادة‭ ‬عدوانيين‭ ‬باللسان‭ ‬واليد،‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬أعصابهم‭ ‬ويكونون‭ ‬أكثر‭ ‬تسامحاً،‭ ‬ويحافظ‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬حسن‭ ‬السلوك‭ ‬والأدب‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬رمضان،‭ ‬وبعدها‭ ‬يتعلل‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬كلما‭ ‬عاتبته‭ ‬على‭ ‬انفلات‭ ‬أعصابه‭ ‬وتلفظه‭ ‬بعبارات‭ ‬جارحة‭ ‬أو‭ ‬بذيئة‭ ‬بعبارة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬وش‭ ‬أسوي،‭ ‬الصيام‭ ‬ضيق‭ ‬خلقي‮»‬‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬تسمع‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬آخر‭: ‬أتركني‭ ‬في‭ ‬حالي‭.. ‬صايم‭ ‬وخلقي‭ ‬ضايق‭!! ‬تقول‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬يعلمك‭ ‬الصبر‭ ‬والتحمل‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تنسب‭ ‬سوء‭ ‬سلوكك‭ ‬أو‭ ‬ملامك‭ ‬إلى‭ ‬الصوم‭! ‬وقد‭ ‬يهمهم‭ ‬بعبارات‭ ‬تشبه‭ ‬الاعتذار‭ ‬وقد‭ (‬يشب‭ ‬في‭ ‬حلقك‭) ‬ويحولها‭ ‬إلى‭ (‬شكلة‭) ‬وشجار‭ ‬معك‭.‬

ولكن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تجتهد‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬الصوم‭ ‬لمنع‭ ‬الألسن‭ ‬من‭ ‬التلفظ‭ ‬بالكلام‭ ‬البذيء،‭ ‬والأيدي‭ ‬من‭ ‬الامتداد‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭ ‬بالأذى،‭ ‬ولكن‭ ‬المصيبة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬حرجا‭ ‬في‭ ‬شتم‭ ‬الآخرين‭ ‬وتجريحهم‭ ‬أو‭ ‬الضرب‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬رمضان،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ (‬والمسلم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭) ‬مطالب‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مشوار‭ ‬حياته‭ ‬بالحرص‭ ‬على‭ ‬عفة‭ ‬وطهارة‭ ‬اللسان‭ ‬والكف‭ ‬عن‭ ‬إيذاء‭ ‬الآخرين‭. (‬تحضرني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬رمضان‭ ‬حكاية‭ ‬استفتاء‭ ‬الراقصة‭ ‬فيفي‭ ‬عبده‭ ‬لشيخ‭ ‬أزهري‭ ‬عن‭ ‬جواز‭ ‬الرقص‭ ‬الشرقي‭ ‬في‭ ‬الملاهي‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬فجاء‭ ‬رده‭ ‬الذكي‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬رمضان‭! ‬ولكنها‭ ‬أفتت‭ ‬بأن‭ ‬توقفها‭ ‬عن‭ ‬الرقص‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬حرام‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يقطع‭ ‬عيش‭ ‬الطبالين‭ ‬والزمارين‭).‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬صائم‮»‬،‭ ‬المراد‭ ‬بها‭ ‬معاتبة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬وضبط‭ ‬النفس‭ ‬بمعنى‭: ‬اللهم‭ ‬طولك‭ ‬يا‭ ‬روح‭.. ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬صارت‭ ‬تعني‭ ‬أمرا‭ ‬آخر‭ ‬يخالف‭ ‬معناها‭ ‬الأصلي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الدعاء‭ ‬لله‭ ‬بأن‭ ‬يلهم‭ ‬القائل‭ ‬ضبط‭ ‬النفس،‭ ‬وهكذا‭ ‬تحاول‭ ‬‭ ‬مثلا‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬بلغة‭ ‬مهذبة‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬فتنطلق‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬صائم‮»‬‭ ‬بلهجة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الوعيد‭ ‬تعني‭ ‬ضمنا‭: ‬حل‭ ‬عن‭ ‬سماي،‭ ‬وهي‭ ‬تماثل‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬يصير‭ ‬خير‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تقال‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬بمعنى‭ ‬‮«‬يا‭ ‬ويلك‭ ‬مني‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬الأشياء‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬يدعون‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الإفطار‭ ‬والعشاء‭ (‬في‭ ‬البيوت‭ ‬غالبا‭)‬،‭ ‬فللأكل‭ ‬الجماعي،‭ ‬بل‭ ‬للأكل‭ ‬عموما‭ ‬مذاق‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬لأنه‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬مكافأة‭ ‬مستحقة‭ ‬نظير‭ ‬عمل‭ ‬قمت‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬ندعو‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬بيوتنا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬رمضان‭ ‬وبدون‭ (‬مناسبة‭): ‬لا‭ ‬زواج‭ ‬ولا‭ ‬ختان‭ ‬ولا‭ ‬خطوبة‭ ‬ولا‭ ‬نجاح‭ ‬في‭ ‬امتحان‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ترقية‭. ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬الولائم‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تخطيط‮»‬‭ ‬وتستوجب‭ ‬بروتوكولات‭ ‬وطقوسا،‭ ‬ولكنني‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬التقي‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬بدون‭ ‬هيلمان‭. ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬نجلس‭ ‬ونأكل‭ ‬ما‭ ‬توافر‭ ‬وتيسر،‭ ‬وقصر‭ ‬مفهوم‭ ‬الكرم‭ ‬على‭ ‬موائد‭ ‬الطعام‭ ‬يضايقني،‭ ‬بل‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬مضطرا‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬ولائم‭ (‬على‭ ‬شرف‭) ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أشخاص‭ ‬ما،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬أكون‭ ‬أكثر‭ ‬ارتياحا‭ ‬نفسيا‭ ‬إذا‭ ‬داهمني‭ ‬ضيف‭ ‬عزيز‭ ‬في‭ ‬موعد‭ ‬وجبة‭ ‬طعام‭ ‬وأكل‭ ‬معي‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭.‬

عندما‭ ‬كان‭ ‬الأستاذ‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬سفيرا‭ ‬للسعودية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وجاء‭ ‬إلى‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬إجازة‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬صديق‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬له‭ ‬موعدا‭ ‬يتناول‭ ‬فيه‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬واعتذر‭ ‬غازي‭ ‬بلباقته‭ ‬المعهودة،‭ ‬وزعل‭ ‬الصديق‭: ‬نريد‭ ‬إكرامك‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الذبائح‭ ‬في‭ ‬حضور‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وها‭ ‬أنت‭ ‬ترفض‭ ‬دعوتي‭. ‬هنا‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬القصيبي‭ ‬بلغة‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬دبلوماسية‭: ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬تقاس‭ ‬قيمتي‭ ‬بالخرفان‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا