العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

يفرضون علينا من يؤثرون علينا؟

بسبب‭ ‬ولعي‭ ‬بالأرشفة‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بالمجلات‭ ‬وقصاصات‭ ‬من‭ ‬الصحف،‭ ‬فإنني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬ام‭ ‬عيالي،‭ ‬فهي‭ ‬دائمة‭ ‬الهجوم‭ ‬والفتك‭ ‬بمخزوني‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬والصحف‭ ‬القديمة،‭ ‬ولهذا‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬مكتبي‭ ‬مستودعا‭ ‬للمطبوعات‭ ‬القديمة،‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬دخلت‭ ‬البيت‭ ‬وفي‭ ‬يدي‭ ‬عدد‭ ‬قديم‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬تايم‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإذا‭ ‬بزوجتي‭ ‬تصرخ‭: ‬ألا‭ ‬تستحي‭ ‬يا‭ ‬رجل؟‭ ‬تدخل‭ ‬على‭ ‬عيالك‭ ‬وفي‭ ‬يدك‭ ‬مجلة‭ ‬بلاي‭ ‬بوي؟‭ ‬قلت‭ ‬لها‭: ‬حاشا‭ ‬أن‭ ‬أقتني‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المجلة،‭ ‬ولكنها‭ ‬انتزعتها‭ ‬من‭ ‬يدي‭ ‬وصاحت‭: ‬وماذا‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬حبيبة‭ ‬القلب‭ ‬هذه؟‭ ‬فنظرت‭ ‬إلى‭ ‬غلاف‭ ‬المجلة،‭ ‬فإذا‭ ‬بكامله‭ ‬صورة‭ ‬للمطربة‭ ‬الأمريكية‭ ‬شبه‭ ‬السوداء‭ ‬بيونسيه‭ ‬ناولز‭ ‬بلباس‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬معظم‭ ‬جسدها‭ ‬الملغوم،‭ ‬وبيونسيه‭ ‬مطربة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬وتملك‭ ‬حنجرة‭ ‬تحرك‭ ‬جلاميد‭ ‬الصخر،‭ ‬وتضاريس‭ ‬جسدها‭ ‬شبه‭ ‬العاري‭ ‬تجعلك‭ ‬تستحضر‭ ‬قول‭ ‬شاعر‭ ‬السودان‭ ‬الكبير‭ ‬محمد‭ ‬المكي‭ ‬إبراهيم‭: ‬أنثى‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ ‬الصقيل‭ ‬توهجت‭ ‬خصبا‭/ ‬وضج‭ ‬النسل‭ ‬في‭ ‬أعضائها‭ (‬مرشحة‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬السعادة‭ ‬لأن‭ ‬بيونسيه‭ ‬سمحت‭ ‬لها‭ ‬باستخدام‭ ‬إحدى‭ ‬أغنياتها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬حملتها‭ ‬الانتخابية‭).‬

ولتكن‭ ‬بيونسيه‭ ‬سيدة‭ ‬الطرب‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬وصربيكا‭ ‬وكوستاريكا،‭ ‬ولكن‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬وأي‭ ‬إنجاز‭ ‬يجعلها‭ -‬كما‭ ‬تزعم‭ ‬المجلة‭- ‬تتصدر‭ ‬قائمة‭ ‬أكثر‭ ‬مائة‭ ‬شخصية‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬أوباما،‭ ‬ومستشارة‭ ‬ألمانيا‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل،‭ ‬والبابا‭ ‬فرانسيس،‭ ‬ورجال‭ ‬وسيدات‭ ‬لهم‭ ‬ولهن‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الأعمال‭ ‬والاختراع‭ ‬والسياسة‭ ‬والفكر؟‭ ‬تضم‭ ‬القائمة‭ ‬‮«‬القديمة‮»‬‭ ‬شخصيات‭ ‬عربية‭ ‬قليلة‭: ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬رئيسا‭ ‬لمصر،‭ ‬والسوري‭ ‬عبادة‭ ‬القدري‭ -‬ربما‭ ‬الكدر‭ - ‬مؤسس‭ ‬إذاعة‭ ‬‮«‬الوطن‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬أقوى‭ ‬أصوات‭ ‬المعارضة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وأبوبكر‭ ‬البغدادي،‭ ‬الشهير‭ ‬بـ«أبو‭ ‬دعاء‮»‬،‭ ‬بوصفه‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬قادة‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ (‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬مجددا‭ ‬بأن‭ ‬عدد‭ ‬المجلة‭ ‬ذاك‭ ‬قديم‭ ‬ويعود‭ ‬الى‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وأن‭ ‬البغدادي‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2019‭).‬

إذا‭ ‬كنا‭ ‬أنا‭ ‬وأنت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الراهن،‭ ‬ونتابع‭ ‬أحوال‭ ‬الكون،‭ ‬بل‭ ‬ونقيم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مناطقه‭ ‬غليانا،‭ ‬فكيف‭ ‬كان‭ ‬لبيونسيه‭ ‬نفوذ‭ ‬وتأثير‭ ‬على‭ ‬حياتنا؟‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬بها،‭ ‬ولكن‭ ‬سمعوا‭ ‬بنانسي‭ ‬عجرم‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يرفع‭ ‬يده‭ ‬بالدعاء‭: ‬اللهم‭ ‬عجرم‭ ‬نساءنا،‭ ‬فهل‭ ‬يجوز‭ ‬لنا‭ -‬قياسا‭ ‬على‭ ‬شعبية‭ ‬العجرمية‭ ‬بين‭ ‬شبابنا‭- ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬أكثر‭ ‬عشرين‭ ‬مليون‭ ‬شخصية‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬مجلة‭ ‬تايم‭ ‬تلك‭ ‬لاعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬البرتغالي‭ ‬كرستيانو‭ ‬رونالدو،‭ ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬عن‭ ‬استحقاق‭ ‬وجدارة‭ ‬بالحذاء‭ ‬الذهبي‭ ‬بوصفه‭ ‬أفضل‭ ‬لاعب‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬كما‭ ‬اللاعب‭ ‬الأرجنتيني‭ ‬المبدع‭ ‬ليونيل‭ ‬ميسي؟‭ ‬ورونالدو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لاعب‭ ‬ذو‭ ‬قدرات‭ ‬ومهارات‭ ‬فذة،‭ ‬ولكن‭ ‬لنفترض‭ ‬أنه‭ ‬فاز‭ ‬بحذاء‭ ‬من‭ ‬اليوارنيوم‭ ‬المخصب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬ويستطيع‭ ‬إحراز‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الفريق‭ ‬الخصم‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬نائم‭!! ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬شخصية‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية؟‭ ‬ما‭ ‬الإعجاز‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬للأهداف‭ ‬الكروية‭ ‬طالما‭ ‬تلك‭ ‬حرفته‭ ‬ويتقاضى‭ ‬نظيرها‭ ‬مبالغ‭ ‬مهولة‭ ‬لم‭ ‬يتبرع‭ ‬بفلس‭ ‬منها‭ ‬لخلع‭ ‬ضرس‭ ‬مسوس‭ ‬حرم‭ ‬برتغاليا‭ ‬فقيرا‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬لسنوات،‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬دولارا‭ ‬واحدا‭ ‬لشراء‭ ‬مسكن‭ ‬للألم‭.‬

ولو‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬بيونسيه‭ ‬أفضل‭ ‬مطربة‭ ‬أمريكية‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬فماذا‭ ‬نقول‭ ‬عن‭ ‬مايلي‭ ‬سايراس‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬تايم،‭ ‬فهي‭ ‬أيضا‭ ‬مطربة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تلفت‭ ‬انتباه‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمي‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬أحيت‭ ‬حفلا‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬لابسة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬هدوم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الممثل‭ ‬المصري‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬عن‭ ‬الراقصة‭ ‬القتيلة،‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬شاهد‭ ‬ما‭ ‬شافش‭ ‬حاجة‮»‬،‭ ‬والشاهد‭ ‬يا‭ ‬أعزاء‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نحل‭ ‬ولا‭ ‬نربط،‭ ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬العالم‭ ‬المتعولم،‭ ‬ولكن‭ ‬تعالوا‭ ‬نتساءل‭: ‬كيف‭ ‬نستنكر‭ ‬وصاية‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكي‭ ‬علينا،‭ ‬ولا‭ ‬كلمة‭ ‬لنا‭ ‬حتى‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬بلداننا‭ ‬تحت‭ ‬الوصاية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬النواحي‭ ‬والمناحي؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا