العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٧٨ - الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا أعجبت بها

الضمير‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬بها‮»‬‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬أنثى،‭ ‬والإعجاب‭ ‬بأنثى‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬دباديبها‭ (‬سؤال‭ ‬للمصريين‭: ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬دباديب‭ ‬في‭ ‬قولكم‭ ‬فلان‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬دباديب‭ ‬فلانة؟‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬ان‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬معجبا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬مخلص‭ ‬لزوجتي‭/‬خطيبتي‭ ‬ولكنني‭ ‬أجامل‭ ‬كل‭ ‬النساء‮»‬،‭ ‬تبريرا‭ ‬لزوغان‭ ‬العين،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬أقرُّ‭ ‬بأنني‭ ‬مدرك‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أعربت‭ ‬عن‭ ‬إعجابي‭ ‬بامرأة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬فلا‭ ‬بأس،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاعجاب‭ ‬بشابة‭ ‬لأنها‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬أفعالها‭ ‬وإنجازاتها،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬سيقول‭ ‬إن‭ ‬الحكاية‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إنّ‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬مقدمة‭ ‬ضرورية‭ ‬كي‭ ‬أعلن‭ ‬محددا‭ ‬إعجابي‭ ‬بالسيدة‭ ‬‮«‬تشا‮»‬،‭ ‬وسأفصح‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الاعجاب،‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تأخذ‭ ‬أم‭ ‬المعارك‭ ‬علما‭ ‬به،‭ ‬وتمسح‭ ‬بي‭ ‬الأرض‭. ‬اسمع‭ ‬وقع‭ ‬اسمها‭ ‬على‭ ‬أذنك‭: ‬تشا‭ ‬موسيقي‭.. ‬وهناك‭ ‬رقصة‭ ‬اسمها‭ ‬تشا‭ ‬تشا،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يبعد‭ ‬عني‭ ‬الشبهات‭ ‬وبالتالي‭ ‬العدوان‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬المعارك،‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬تشا‭ ‬هذه‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬68‭ ‬سنة‭. ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬معجبا‭ ‬بحلاوة‭ ‬وجهها‭ ‬او‭ ‬حسن‭ ‬حديثها‭ ‬او‭ ‬خفة‭ ‬ظلها‭ ‬بل‭ ‬بكونها‭ ‬ذات‭ ‬رأس‭ ‬‮«‬ناشف‮»‬‭.. ‬أي‭ ‬عنيدة‭ ‬وصبورة‭ ‬ومثابرة‭ ‬ومتفائلة‭.‬

السيدة‭ ‬الكورية‭ ‬تشا‭ ‬خضعت‭ ‬لامتحان‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات‭ ‬772‭ ‬مرة‭ (‬سبعمائة‭ ‬واثنتين‭ ‬وسبعين‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬بلغة‭ ‬الصكوك‭ ‬المالية‭) ‬ورسبت‭ ‬بجدارة،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬عبأت‭ ‬استمارة‭ ‬الامتحان‭ ‬رقم‭ ‬773‭!! ‬علما‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬وقتها‭ ‬أنفقت‭ ‬6800‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬أخضر‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬رسوم‭ ‬الاستمارات‭ ‬الورقية‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الرسوب‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬التحريري،‭ ‬ففي‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬عليك‭ ‬ان‭ ‬تجتاز‭ ‬الامتحان‭ ‬التحريري‭ ‬للتثبت‭ ‬من‭ ‬معرفتك‭ ‬بقوانين‭ ‬السير،‭ ‬ومعاني‭ ‬ودلالات‭ ‬اللافتات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬وبعدها‭ ‬تخضع‭ ‬للامتحان‭ ‬الميداني‭. ‬والعمة‭ ‬تشا‭ ‬متفائلة‭ ‬بطبعها،‭ ‬وتقول‭ ‬إنها‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات‭ ‬قبل‭ ‬بلوغها‭ ‬الخامسة‭ ‬والسبعين‭.. ‬بينما‭ ‬عندنا‭ ‬لو‭ ‬قرر‭ ‬شخص‭ ‬حشو‭ ‬ضرس‭ ‬مسوس‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السبعين‭ ‬قالوا‭ ‬له‭: ‬اختشي‭ ‬على‭ ‬دمك‭.. ‬تريد‭ ‬تأكل‭ ‬زمنك‭ ‬وزمن‭ ‬غيرك‭.‬

ما‭ ‬يعجبني‭ ‬في‭ ‬عناد‭ ‬طنط‭ ‬تشا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أنها‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬قيادة‭ ‬السيارات،‭ ‬بل‭ ‬لماذا‭ ‬تريد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الرخصة‭. ‬هي‭ ‬من‭ ‬مقاطعة‭ ‬جيولا‭ ‬الشمالية‭ ‬وتريد‭ ‬ان‭ ‬تعمل‭ ‬بالتجارة،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬شاحنة‭ ‬صغيرة‭ ‬تقودها‭ ‬بنفسها‭ ‬لتصريف‭ ‬وتوزيع‭ ‬السلع‭. ‬يعني‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬لكزس‭ ‬او‭ ‬بي‭ ‬إم‭ ‬دبليو‭ ‬لزوم‭ ‬الكشخة‭ ‬والنفخة‭.. ‬بل‭ ‬هي‭ ‬قليلة‭ ‬الحيلة‭ ‬والمال‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تؤمن‭ ‬‮«‬مستقبلها‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬قاموسنا‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يصبح‭ ‬الإنسان‭ ‬بلا‭ ‬مستقبل‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يتجاوز‭ ‬الخمسين‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتشا‭ ‬فالمستقبل‭ ‬يبدأ‭ ‬‮«‬الآن‮»‬،‭ ‬و«الآن‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬بعد،‭ ‬ولن‭ ‬تأتي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬يصبح‭ ‬بمقدورها‭ ‬ان‭ ‬تقود‭ ‬شاحنة‭ ‬بعد‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬بحسب‭ ‬تقديرها‭ ‬أي‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬عمرها‭ ‬75‭ ‬سنة‭.‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬عربيا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ75‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لك‭ ‬أعضاء‭ ‬أسرتك‭ ‬حتى‭ ‬بالاستحمام‭ ‬بمفردك‭ ‬‮«‬ولو‭ ‬مُصِرّ‭ ‬خلي‭ ‬باب‭ ‬الحمام‭ ‬مفتوح‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ضحية‭ ‬مرض‭ ‬غدار‭. ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬ولكنه‭ ‬محبط‭.. ‬محبط‭ ‬ان‭ ‬تجعل‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬عاجز‭ ‬استنادا‭ ‬الى‭ ‬لغة‭ ‬الأرقام‭.. ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬تقول‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تغلق‭ ‬باب‭ ‬الحمام‭ ‬وراءك‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬مرشح‮»‬‭ ‬لنوبة‭ ‬قلبية‭ ‬او‭ ‬جلطة‭. ‬وعندنا‭ ‬أناس‭ ‬يتولون‭ ‬إحباط‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم‭: ‬تدعوه‭ ‬إلى‭ ‬الطعام‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬إلى‭ ‬متى‭ ‬نأكل‭. ‬منذ‭ ‬كذا‭ ‬وستين‭ ‬سنة‭ ‬وأنا‭ ‬آكل‭.. ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تفرِق‭ ‬معي‮»‬‭.. ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬انه‭ ‬عند‭ ‬سؤال‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬بالإعدام‭ ‬عما‭ ‬يرغبون‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬مواجهة‭ ‬الموت،‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90%‭ ‬منهم‭ ‬يطلبون‭ ‬أطعمة‭ ‬معينة‭. ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬تقتلك‭ ‬وتقتل‭ ‬فيك‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بإحالتك‭ ‬الى‭ ‬التقاعد‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬معينة،‭ ‬ولا‭ ‬تجعل‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتك‭ ‬يقتلونك‭ ‬بالاهتمام‭ ‬والقلق‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬حالك‭. ‬كن‭ ‬مثل‭ ‬تشا‭ ‬وقل‭ ‬‮«‬المستقبل‭ ‬يبدأ‭ ‬الآن‮»‬‭.‬

ولحكاية‭ ‬تشا‭ ‬نهاية‭ ‬سعيدة‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬التحريري‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬الـ773‭ ‬ثم‭ ‬رسبت‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬اختبار‭ ‬سواقة‭ ‬ميداني‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬التالي‭. ‬ألف‭ ‬مبروك‭ ‬يا‭ ‬تشا‭ ‬وبـ‮«‬الهنا‭ ‬والشفا‮»‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا